تداعيات بائع الكتب

 تداعيات بائع الكتب

 في اوائل الثمانينات طلابا كنا .تبهرنا الكتب تسحرنا عناوين الاغلفة.نتسمر اما بائع للكتب يفترش الرصيف لااعرف اين كانت تاخذني تلك الالوان وصور الاغلفة التي كنا نجهل الكثير

من رمزياتها ومكنوناتها. والرجل كان اكثر صمتا من كتبه.  كنت ابحث عن عينييه خلف زجاج نظارته التي تخفي جزءاً  كبيراً من وجهه النحيل.لم نتجرأ يوما على التعامل معه ولاندري لماذا كنا نتوجس منه.اكان ذلك لفارق السن بيننا ام كنا نحسبه من طبقة اخرى حكما بمهنته التي كنا ننبهر بها وكنا نعتقد ان له دورا مهما باصدار الكتب.كنت اعمل مسحا على المعروض من الكتب فوق الرصيف .

تنتقل عيني تارة بين المجلات وتارة اخرى على اغلفة الكتب. في ذالك الزمن.تعرفت على اسماء كتاب واسماء كتب.وماقراته اقل بكثير مما كنت اراه حينها.اقترح هو علي مااقرا بعدان راى تنقل عيوني على المعروض.كان اختياره روايات عالمية مختصرة وبحجم صغير .ومن يومها دخلت هذا العالم ونشات بيني وبين بائع الكتب صداقة من نوع خاص. واصبحت من خلاله صديقا لنجيب محفوظ. واجاثا كريستي. وفكتور هيحو. ودينكز. ومجلة الوطن العربي والشبكه والموعد . وعرفت دار الاداب ودار القلم.

في التسعينات كبر صاحبي وبانت خيوط الشيب بشعره .واصبحت عدسات نظارته اكثر سمكا. نفس الرصيف ونفس الوجه لكن الكتب تبدلت والاغلفة غيرت جلدها .حلت محلها دفاتر التلوين.وكتب الابراج. والاعشاب ورجوع الشيخ الى صباه.

والكلمات المتقاطعة .وكلمات السر البلهاء. وقصص حب ساذجة بكتب جيب. وبين فينة واخرى ارصد كتابا يستحق الوجود لكن وجوده شاذا وسط التفاهات المعروضة.وكنت اراه يذبل مثل كتبه ولكنه صامت كالرصيف الذي اصبح جزءا منه.في نهاية التسعينات تغيرت حاله وكتبه فالحملة الايمانية امرا يجب ان ينفذ. والكتب الدينية والتفاسير وابن كثير والغزالي والشعراوي.والخوام والمسواك والمسابح ملئت رصيف صاحبي الذي اسرني يوما انه شيوعي الهوى.

واصبح زبائنه من طبقة جديدة كان هو لايتعامل بحكم افكاره وتوجهاته.بعد ان دخلنا الالفية الثانية.وظهر انحناء ظهره بوضوح تغير عرض الرصيف فالكتب عادت لكنها كانت نسخا مصوره عن الاصل. والقراء انقرض جزء كبير منهم. وكتاب اصبح التعاطي معهم خطرا

….بعد طوفان الاحتلال .اصبح صاحبي شاردا لا يعرف ماذا سيبيع وماذا سيعرض.واي رصيف سيسكن وهل سيرضى المارة ام يسخطوا هل سيحتفظ بخياراته ام قد يفقد مافوق كتفيه. ابعدتني سنوات الغربة عنه وعندما عدت .وجدته يبيع الماء على نفس الرصيف …لكنه للاسف لم يعرفني..

عماد العسكري – الناصرية

مشاركة