تجارب على علم العروض

تجارب على علم العروض

 

قصيدة للشاعر برجيس تثير الذكريات

 

ترجمة: فضيلة يزل جبر

 

هنا مقتطف عملي مثير للعواطف والذكريات من انيادة فيرجل ترجمها الشاعر المبدع روبرت برجيس.الحديث عن الشعراء المبدعين يبدأ باحد حاملي لوائهم في الماضي ليس بالبعيد الشاعر روبرت برجيس (1844 – 1930).

 

 

وقد بدأ عمله الوظيفي من عام 1913 وحتى مماته. وكان لا يحب الشهرة وقد انسحب عن الانظار مباشرة بعد قبوله لمرتبة الشرف، إذ يقال انه كان يترك على الباب الرئيسي لمنزله خادمة صماء تجيب على الصحفيين والمصورين.سرعان ما حازت قصائد برجيس استحساناً شعبياً. فقد القت منجزات ت. س. أليوت ظلالها عليه وبعد فترة وجيزة تأثر باودين واعماله. في الوقت الحاضر يمكن ان يذكر برجيس لمناصرته وتأيده لصديقه جيرارد مانلي هوبكنز، الذي بقيت اعماله غير منشورة لولا تدخل برجيس. لكن نفاذ بصيرته وبطولته الخيالية جذبا النقد أيضاً، واثار الاعجاب به كما هو دائماً، وقد قام برجيس في مقدمته بتعنيف هوبكنز لغرابته وغموضه. لقد تناغمت الاجيال اللاحقة مع العبقري الذي خط مسلكا ومساراً خاصاً لنفسه بشكل أمثل، وقد كانت تنظر اليه نظرة ازدراء في السابق.

 

هل ان كل هذا منصفاً؟ قام برجيس بتجاربه على علم العروض واستخدامه تواتر أو تناغم الحديث بشكل ذاتي ـ وكانت افكاره الجديدة أقل الفاتاً للنظر من افكار هوبكنز لكنها ما زالت ذات مغزى. وقد عمل في مختلف الاجناس الادبية ابتداءً من الملحمة ” جمالية العهد القديم” (مازالت مقروءة وممتعة كمرجع، وان كانت تفتقر الى اللون الشعري) الى القصائد الغنائية القصيرة التي استوحاها من اعمال هاين. قد تبدو هذه القصائد الرومانسية القصيرة قديمة، لكنها كانت مسبوكة الصنعة بشكل جميل. فقد كان برجيس استاذا في نظم الشعر التقليدي، فلم يكن كسولاً في استخدام الاوزان الشعرية، إذ كان يعرف كيف يضع الجملة ازاء البيت الشعري ويغير في ايقاعاتها واوزانها. فقد كانت قصائده أقل عاطفية من قصائد “أي إي هوسمان” وأكثر رقة.

 

ربما كانت أكثر اعماله روعة انكلشنك ” Englishing ”  الاوزان الشعرية الكلاسيكية. فقد نظم قصائد حقيقية سداسية التفعيلة، وألف ترجمات كانت هي محاولات مبكرة لاعادة تشكيل الايقاعات لدى فيرجل وهومر. وقد وصف برجيس هذه الترجمات على انها “اعادة صياغة بيت ببيت” فهو ينقل الاوزان اللاتينية بفاعلية كبيرة، لكن اللغة الانكليزية كانت ما كانت عليه، فهي نوع من النسيج السميك، المعقد، لا تشبه وضوح فيرجل.

 

فالشراع الممـــتلئ بالتفعيلة السداسية قد يكون مشحوناً جداً بالكلمات التي تناسب بعض الأذواق، لكنه كان يصنع من اي حشو فبركة مصقولة مغروزة بشكل لطيف داخل السرد الاساسي. فعبارة مثل “مقل موشحة بالدم”، في سبيل المثال، تبدو لي اقوى ومثيرة للعواطف والذكريات بشكل مريع فهي اقوى من عبارة “دم وشح العيون” حسب. فاحياناً يكون تبنى اساليب مهجورة واستخدم الادغام دون شك بشكل اساسي لأغراض ايقاعية، تعزيزاً للأسلوب، مانحاً العبارة خاصية عملية وعامية سهلة الفهم والانتشار. يعتقد برجيس ان حرف الـ “e ” في اواخر الكلمات مثل “were    ” أو “nature  ” تؤثر على التلفظ. وقد يكون هذا صحيحاً بالنسبة له. كونه رجل من “كنت  Kent، وان يكن درس في ايتون واكسفور، لكن، ربما كان ذلك الرجل الانكليزي النادر الذي يتلفظ الـ “r   ” ، “s  “.

 

كانت احدى هواياته كمبدع كبير شديد الرضا هي عمل النسيج المزدان بالرسوم والصور. ووسط النسيج كان معقداً جداً ليعبر عن صفاء مطلق. وقد انعشت فكري استعارة برجيس لعمل فيرجل، وفي الوقت عينه، اوضحت المعنى وعززته بموسيقاها الرائعة. فصوت الابيات كان غنائياً عذباً بشكل فريد: فهي مؤثرة بشدة ومفعمة غالباً ببعض القوافي الداخلية أو بحرفية الانجلو ـ ساكسون : ” هذه الفيوضات لخادم عَبارَة ، وأسوء جانب فيه”،  السيطرة على الصوت والتركيبة الاعرابية وحيوية الصورة الشعرية كلها جوانب ليست بعيدة عن الاستاذ الذي اثار اعجاب برجيس وهو الشاعر ميلتون.

 

في الفقرة ادناه، اينياس، يقدم الغصن الذهبي السحري ليقنع كوميان سيبيل كي ترشده الى العالم السفلي، حيث سيلتقي مع شبح والده، انخيسيس. وكما تبدأ الفقرة، سيبيل واينياس وصلا الى عتبة مكان “الفراغ والاراضي الشاسعة لعادس”.

 

من قصيدة أبانت اوبسيكيوري

 

في منتصف كل هذه الطرقات، تقف شجرة دردار كبيرة بفروعها الهائلة

 

حفيف زحام أغصانها، ينشيء حماية وارفة لها

 

تعشعش الاحلام العابثة بكثافة، تتدلى مورقة في الاعالي

 

ومخلوقات غريبة كثيرة ذات اشكال وملامح وحشية

 

يستقر حول الرواق، سنتور(*) واجهاضات سيله (**)

 

وبرباريوس ذو المئة يد، ووحش ليرنا

 

يُدوي بقوة ، ويرتدي لهب شامو(***) المرعب

 

غولة بثلاثة اجساد، جورجينا وهاربيس وبلوتو(****)

 

بخوف، رفع انياس سيفه ليحميه

 

بنصل عاري مستعد لمواجهة هجومهن المرعب

 

وليس معه عرافة تنبئه كيف كانت هذه الارواح الحية

 

كل ماهو ذو روح، يطير بقناع رقيق شكلاً

 

هجم على اسرابها، وجرح الهواء الاجوف بغترار

 

من هنا شق طريقاً قادتهم نزولاً الى جداول تترية.

 

الهوامش

 

* سنتور: حصان خرافي نصف ادمي.

 

** سيلة: صخرة واقعة قبالة حوام كربديس، وفقا للاساطير الاغريقية.

 

*** شامو: مخلوق عجيب رأسه رأس اسد وجسمه  جسم ماعز وذيله ذيل افعى، وفق الاساطير الاغريقية.

 

**** جورجينا وهاربيس وبلوتو: ثلاث شقيقات رؤوسهن افاعي حسب الاساطير الاغريقية.

 

مشاركة