تاريخ قضاء الصويرة – الجزء الأول – جزيرة سلندي 13

تاريخ قضاء الصويرة – الجزء الأول – جزيرة سلندي 13

مجالس العزاء تقدّم السكائر والقهوة والعشائر المواسية تنظّم الهوسات

عبد الرضا اللامي

الكوت

4 – العونة والفزعة: كما تجد ظاهرة أُخرى في مجتمع الصيرة في المدينة أو القرى هي العونة، أي إعانة الآخر في إنجاز عمل مثل البناء أو سد حاجة، كما هي الفزعة، أي مساعدة الآخر دون طلب منه وذلك عندما يرى أحدهم أخيه أي ابن مدينته أو قريته بحاجة الى المساعدة، فينهض ليقف جنبة أيام الحصاد والحراثة والري، أو في حالات الأفراح بشكل عام أو الأحزان.

إن للعونة أو الفزعة أهمية بالغة لأنها تكشف عن مدى ” التراص والتعاضد” بين سكان الصيرة حيثما وجدوا بل إن الفزعة لإسناد أحد أبناء المنطقة لا نقاش حولها كونها إعانة وتلبية لنداء العلاقة الاجتماعية الطيبة وهي تأتي في مجالات لا حصر لها أبرزها في بناء دار أو كوخ والعمل الخيري أو الطبخ في المناسبات أو الاحتشاد عند الأفراح أو الأحزان وتقاسم الأعباء والمشاركة بحملها دون تردد، إن العونه والنخوة من خصال أبناء العشائر في عموم العراق وتتضح في الكرم والإغاثة والدفاع عن الآخر.

المطلب الثاني: الموروث الثقافي – الأعراف والفولكلور

إن موضوع الحياة الشعبية عند تناولها كبحث علمي، تُلزِم الباحث أن يغوص في عمق الممارسات اليومية، أي الاستدلال على الأعراف السائدة والكشف عن أبعادها في المجتمع ومعرفة سر تكرارها ومدى تأثيرها في تجسيد أبعاد الممارسات الاجتماعية ليرسم صورة ذلك المجتمع التي تميزه في هذه المنطقة عن غيرها، والإفادة من دراسة الفولكلور باعتباره مدلول يحتضن جميع التقاليد والعادات والعقائد والفنون والصناعات والأزياء الشعبية. كونه يستغرق الحياة الشعبية بتراثها الروحي والفني والأدبي والتاريخي.

أما الموروث الثقافي فيشمل كل النشاطات التي يزاولها المجتمع. فنتائج تلك النشاطات تنطوي على معتقدات الناس وأزيائهم وطريقة بناء مساكنهم والمأكل والمشرب واللهجة والرقص والحكايات والعادات والتقاليد الاجتماعية، كما انه لا يهمل كيف يفكر الإنسان وما تنطوي علية أفكاره حول الطبيعة، وتلك هي المعالجة الإثنولوجية للثقافة.

وبهذا يمكننا القول: إن الموروث الثقافي والأعراف والفولكلور، هي أهم ركائز المجتمع روحياً، وإنها وحسب خصائصها تعد الميزة الأكثر دلالة على تفرد مجتمع عن آخر. إنها طابع خاص لكل تجمع بشري، وقد تجد بعض التشابه الشكلي في شيء من المضمون أو الأداء التعبيري، لكن طبيعة تكوينه ذات نكهة يتفرد بها عن غيرة، ودراسته تحتاج الى من يسبر أغوار تلك المرتكزات وأسباب ودواعي تماثلها وهذا ما أكدة د. كريم علكم الكعبي بقولة: ” إن التفاتة الباحثين العرب الى أهمية تراث الشعب الشفاهي في دراسة المجتمع الذي أوجده، والبيئة التي ترعرع بها. كفيلة باستخلاص ثقافة هذا الشعب عبر زمن ما. “.

ويمكننا أن ننطلق مع حياة الفرد في منطقة الصيرة من يوم ولادته السارة مروراً بمراحل حياته المتضادة الى أن تُقرأ الفاتحة على روحة، بعد أن يوارى علية التراب في مقبر النجف الأشرف أو المقابر المجاورة للمدينة أو القرية.

واستناداً الى ذلك المدلول وجدنا جُلَّهُ متداولاً في مجتمع الصيرة، ومن جانب الحكايات وقص الأساطير فقد وجدَ القاصون والقاصات من كبار السن والعجائز وإن سردياتهم لا تستبعد ذكر الكائنات الغيبية (كالطنطل والسعلوة).

غير إني أرى: إن مجتمع الصيرة في المدينة، لم يبتكر فولكلوراً متميزاً بصيراوية محددة، وإنما اقتصر على مكتنزات وعاء ذاكرة القادمين من شتى المدن الى منطقة الصيرة. وأكد مذهبي هذا، بعد ما قرأت العديد من كتب التراث والفولكلور والبحوث المعقودة على الخرافة والسحر وغيرهما، حيث لم أعثر على ما يفيد إن سكان مدينة الصيرة قد ابتدعوا في هذا المجال ما سُجِلَ لخصوصياتهم.

كما أن البحث عن جذور الأمثال المتداولة بينهم أو الألغاز والحزورات ونداءات الباعة المتجولون أو النوادر والشتائم وما الى ذلك يؤكد أن المستوطنين هم القائلون لتلك الموضوعات، لكن لا يمكن إنكار ان المواطنين الأصليين، أي أبناء العشائر والبدو، كانت لهم خصوصية معلومة في مثل تلك المكونات لفولكلور مطبوع بطبائعهم.

وتأسيساً على ما تقدم يمكننا تناول مراحل حياه مجتمع الصيرة في المدينة والمناطق المحيطة بها بشيء من العرض والتفصيل:

أولاً – الولادة: تُسَرُّ العائلة الصيراوية كسائر العوائل العراقية، كلما رزقت بمولود جديد، سيما إذا كان المولود ذكراً إذ أنهم متأثرون كسائر المجتمع العراقي بظاهرة كُره ولادة الانثى، وهي ظاهرة من بقايا الفكر الجاهلي، ووريثه الفكر العشائري، وقد نهى الدين الاسلامي عن ممارسة تلك الظاهرة، باعتباره ديناً متحضراً، وعقيدته نتاج فكر عِلْوِّي تقدمي: ” وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظلَّ وَجهَهُ مِسوَّداً وهو كظيم ” . ونجد إن الأم المسكينة تُعامَلُ معاملة سيئة.

في حين أثبت العلم المعاصر إن جنس المولود تحدده خصوبة الرجل لا المرأة، إن المرأة وعاء يحتضن عملية الإخصاب ونمو الجنين، وهكذا نرى العامة من الناس يعتقدون إن البنت من (سوء حظ أبيها) لأنها لا تحمل وتحفظ اسمه في حين ان الذكر وارث بيت أبية ومعينة في العمل، وحامل لقبة وممارس لتقاليده. وعند اقتراب ساعة المخاض يرسل في طلب (الجدة – المُوَلِدَة – القابلة) لتوليد المرأة الحامل، وتكون الولادة طبيعية إذا كانت في شهرها الأخير لكن يصادف أن تأتي ساعة المخاض، في حين لم يكتمل نمو الجنين، وقد تتعسر الولادة فتأخذ العائلة بالدعاء، ومنهم من يصعد على مرتفع، أو يضع رأسه في التنور ويصيح (اللهم يسر ولا تعسر) (يا قريب الفرج). وإذا تمت الولادة و كان المولود ذكراً تسر العائلة أيما سرور ويحاولن كتمان ذلك خوفاً من الحسد، أما إذا كان المولود أُنثى فيبتأس الأهل تمشياً مع عادة الجاهلة وتقوم المولودة بقص حبل السّرة، وتذبح للمولود ذبيحة أو دجاجة، حسب قدرة العائلة، ويقطرون بفم الرضيع ماء (قـنداغ) أي ماء مخلوط به سكر، ويلطع قليلاً من الدبس (كي لا تبرد فجوجه) أي حلقة، فمه، وتوضع سكين تحت رأسه. وبعد أيام يسمى، أي يطلق علية إسم، وغالباً ما يسمى (عبد الله، حيدر، علي، محمد، عمر، حسين.. الخ) أو يطلق علية من أسماء الأنبياء والأولياء (وخير الأسماء ما عبد وحمد) أو يطلق علية اسم جده أو اسم حدث غير طبيعي. وتقدم الهدايا من الأقارب والجيران وبعد اسبوع تغتسل النفساء ويغسل الرضيع بعد ثلاثة أيام وبعد أكثر من شهر (يُدَمَّغ الطفل) أي توضع بعض الروائح على (يافوخه ) أي على رأسه وعلى يدية وباطن قدمية كي لا يشم الروائح المضرة فـتضرة.

أما حبل السُرَّة، فيلف بقطعة قماش ويرمى قرب المسجد أو قرب دار (المُلاّ)، وحالياً في المدارس أو في مجرى الماء. وفطامه يتم بعد سنتين تمشياً مع قول الهة تعالى: ” وفصامه في عامين ” أي (فطامة). (1)، وتدهن حلمة ثدي أمة بمادة مرة مثل (الحنظل أو الصبار). كي يصدَ عن مزاولة عادة الرضاعة.

ثانياً – الختان (الطهور): بعد أن يبلغ الطفل عامه الثاني يأخذه والده الى الحلاق، وحلاقته الأولى مجاناً، أما ختانه فَـيُفَـضِّل أهل الصيرة سواءً في المدينة أو في القرى أن يبلغ ابنهم السادسة من العمر وتتم (عملية الطهور) في شهر تموز أو آب، على خلاف ما ذهب اليه السيد عزيز الحجية القائل: ” إن الختان يتم ربيعاً”

ففي الصيف يقام حفلاً لختان جماعي للصبيان خلال شهري تموز أوآب من كل عام، تتخلله وليمة دسمة ظهر اليوم الذي يسبق العملية أو أثنائها تجري العملية في الصباح الباكر على يد (أُسطه) جوال يدعى (الزعرتي)، نسبة الى مدينة (زعرت التركية)، مهمته السنوية ختان الأطفال.

وإن لم يحضر الزعرتي لأي سبب كان، فيتولى الحلاق تلك العملية، والحلاق يضفي على مناسبة الختان فعاليات أُخرى، إذ يقوم بحلاقة شعر رؤوس المنوي ختانه، كل ذلك يتم وسط الهلاهل والأهازيج وتنثر الحلوى وتسقى الشرابت.

ويقوم الحضور وهم من الأقارب والجيران بالتبرع فيرمي المتبرع بعض النقود في الصينية التي تتوسط المكان وفيها شموع موقدة وحناء وملبس وحامض حلو، وفي الختام يجمع الزعرتي أو الحلاق التبرعات ويدسها في جيبه.

وفي بعض الحالات يقيم المتمكنون اقتصاديا حفلاً ليلة الختان يكثر بها البذخ سيما إذا كان الصبي هو البكر، أو على رأس عدة بنات، وتسمى تلك الليلة (ليلة الطهور) وتوضع الحناء على راحة كف الصبي وأصدقائه.

أما العدة التي يستخدمها الزعرتي مكونة من (العود أو الميل والقراصة والموس) لأداء عملية الطهور ويرش على ذكر الطفل مسحوق ليجف دمه.

ثالثاً – الزواج: في الأساس إن الزواج رابطة تعاقدية أقام قواعدها الدين الاسلامي الحنيف بين رجل وامرأة، والناتج عن هذه الرابطة يكون تقليدياً امتداداً عضوياً لنشوء العائلة.

نظام إجتماعي

وهكذا فالزواج نظام اجتماعي أبوي، أي إن انتساب الأولاد يكون للرجل (الأب) وليس للمرأة (الأم) وحري أن نذكر أنه إذا أريد النظر بدونية الى أحد، فيكنى باسم أمه (ابن فلانه) فالنسب هو الرابطة المعترف بها بين الفرد وأسلافه.

ويتم الزواج بعد التفاهم وموافقة عائلتي الرجل و المرأة بناءً على اختيار الرجل أو اختيار عائلته، لكن ليس للمرأة حق اختيار شريك حياتها وليس لها إلاّ أن ترضخ لإرادة أهلها، فذلك كان ومازال عيباً اجتماعيا يلحق الأذى بسمعة المرأة وعائلتها إن هي فعلت.

كما ان العلاقة بين الرجل والمرأة في منطقة الصيرة، كما هو علية الحال في عموم مناطق العراق محضور إعلانها قبل الزواج، وكما هو معروف ان الزواج (قسمة ونصيب).

والرجل غير المتزوج يدعى أعزب والمرأة تدعى عزباء، فاتها الحظ، أو لم تحصل لها قسمة. وكما هو الوضع الاجتماعي في عموم مناطق العراق، ان على العوائل أن تعرف مستواها، فلمن تزوج، وبمن تتزوج، كما لو إنهم يطبقون المثل القائل (إن الطيور على أشكالها تقع).

هذا وإن أغلب عوائل الصيرة وعشائرها لا تزوج بناتها الى من كان أصلة (زنجي) لأنه يطلق علية لقب العبودية (وهو على الحقيقة ليس كذلك) وجريرته ان لونه (أسمر) (كما في الجاهلية) ولا يزوجون بناتهم الى من يمتهن هو أو عائلته الحياكة (الحايج) لأنه وضيع المنزلة الاجتماعية، وكذلك الحساوي أي الذي يزرع الخضروات. أم الآن فالزواج حسب الرغبة والاتفاق.

ويندر أن يتزوج الرجل من مدينة الصيرة بزوجتين، وتتعدد الزيجات في القرى والارياف تحت ذريعة الإكثار من الأيدي العاملة، وأغلب سكان منطقة الصيرة من بنت العم أو القرابة، والدافع هو زيادة التلاحم الاجتماعي.

والزواج في هذه المنطقة أنواع، أوله الزواج الشرعي المعروف وزواج الفصل وتسمى الزوجة (فصلية) وهي المرأة التي توقفها العشيرة التي يقع عليها الحق عند الفصل، وتعامل المرأة الفصلية باحـتـقار.

وزواج الصيحة أي إرغام الرجل على الزواج بالمرأة التي يكشف تصرفه معها عن علاقة قديمة بها. وكذلك زواج (كصه بكصه) أي اتفاق رجلين بالزواج كل من أخت الآخر.

تلك أبرز الزيجات في هذا الجانب الاجتماعي الذي أعِدُهُ أخطر وأعقد جوانب الحياه بالنسبة للفرد العراقي سابقاً ولاحقاً. أما الطلاق فهو حالة محدودة ونسبية، لعدم تعقد الحياة، ويوقع على المرأة التي لا تُـنجب أو تسيء السلوك مع زوجها.

هناك عدة خطوات تسبق الزواج (ليلة الدخلة) لا يمكن تخطيها أو عدم الالتزام بها وهي من وحي المثل السائد (من حق الأب التسمية والتربية والزواج) فالأب هو الذي يقرر تزويج ابنه ومن غير اللائق أن يقول الابن لأبيه (أريد أتزوج) ويأتي قرار الأب عندما يرى ابنه قد بلغ سن الرشد (وصار رَجّال وشواربه خَطّن) وله أهلية إدارة عمل أبية ويستضيف الخُطار أي الضيوف، ويؤدي (الواجبات على أربعه وعشرين حبا يه). عندها يُكَلِّف الأب زوجته للعثور على (بنت الحلال) لتصير زوجة لابنه.

صديقات الأم

وهكذا تبدأ المشاورات مع الأقارب أو (الجوارين) أو استشارة أقرب صديقات الأم، وعندما يتفق على إحداهن تذهب الأم وصديقاتها لزيارة بيت(البنيه) وتتزين الأم بأحلى ما عندها وإذا كانت، غنية تلبس (العباية الجزية) والهاشمي ومن الذهب الملوي و التراجي والحجول. وتحتذي (البابوج) وتغطي رأسها (بالبويمه أو الفوطه) وتخفي وجهها (بالبوشي) وتتهيأ أم البنيه وتفرش (الدوشك أو السجاد و المداد) وتضع (منقلة الشاي) وسط الجلسة وبها (القوري والكتلي) والى جنبها (صينية الإستكانات والخواشيك) (وقرص القـند أو القـنبل) أو السكر إن وجد، ومواعين الكعك أو الكليجه.

كل ما ذكر يتم لدى العوائل المتمكنة أما المعوزون وذوو الدخول الضئيلة فليس لديهم غير كثرة الكلام والترحيب والأدعية لهم بالتوفيق و (شايف خير ويستاهلة) و (كبعوا واخذو).

وبعد المداولات وإبلاغ (والد البنيه) وإصدار الموافقة الشفاهية تطلق الزغاريد، ويحدد يوم للخطبة الرسمية، وفي ذلك اليوم يذهب والد الرجل ومجموعة من الوجهاء الى والد البنيه، وبعد الموافقة العلنية توزع الحلوى والشربة وتقرأ سورة الفاتحة، بعد ذلك يقدم (الصَداق – الحك)وهو بعض المصوغات الذهب، والملابس وكلات السكر أي (قوالب السكر) وهي سكر مصبوب على هيئة (هرم) بوزن واحد كيلو غرام حاليا.

وبموعد لاحق تتم مراسيم عقد القَران (بالراء المهملة) على يد (السيد أو المُلاّ) حيث يقرأ ويعيد(زَوَّجتُكَ فلانه، وزَوجتُكِ فلان) وبعد تمنع يعيد السيد القول عدة مرات، وهكذا تتم مراسيم العقد ويشهد الشهود على عقد النكاح ويبارك الجميع و (ان شاء الله اتشوف ولد ولدهم) وفي الليلة الثانية أي ليلة الجمعة تتم (الدخلة) وفي صباح اليوم التالي (تقدم الصبحيه) للعروسة وعادة ما يتم الزواج ليلة الجمعة للتبرك بقدسيتها ويتبعها بأسبوع (يوم السبعة ) وتقدم الحلوى. بعد ذلك يحق للعروسة أن تزور أهلها بدعوة منهم لتناول الغداء.

وقد لا تتم هذه المناسبة بسبب (النهوة) أي اعتراض العَـمام أو أحد أولادهم على تزويج بنت عمهم الى هذا أو ذاك، أما لعدم أخذ موافقتهم المسبقة، أو عدم رغبتهم في زواجها من خارج أسرهم أو عشيرتهم كون المتقدم غريب أي ليس من ذوي القربى أو العشيرة. أو طمعاً بمال أو للتنكيل، أو الرد بالمثل لموقف سابق. وعلى أثر النهوة تنتهي الحالة الى القطيعة النهائية والغاء الصفقة، أو التراضي والاتفاق على شيء معين بعدها يتم الزواج.

رابعاً – الوفاة: أهل الصيرة في المدينة أو في القرى يبالغون في إظهار الحزن على المتوفى، ولاسيما إذا كان ذو مكانة اجتماعية طيبة، فيبكيه الرجال والاطفال بصراخ لا يعلو علية سوى صراخ النسوان، و (عياطهن)، فالنسوة يأخذن بشق الجيوب، (تشك زيجه)، وتلطم وجهها وصدرها بقسوة دون وعي على فقيدهن.

ولا أحد في المجتمع من يتذكر الحديث النبوي الشريف القائل ” ليس منا من شَقَ الجيوب ولَطَمَ الخدود “. ويتنادى الأقارب والجيران وترسل أخبار المتوفى الى كل المحبين وأبناء عشيرته ليقام المأتم وتذبح الذبائح وتعد الولائم، سيما إذا كان المرحوم موسراً، (تاجراً أو إقطاعياً أو شيخ عشيرة) فيبالغ أهله في حزنهم من خلال (الهوسات) وَتَعَدٌد(البيارغ) أي البيارق، أعلام العشائر، كذلك يستدل على مكانة الراحل من تعدد السرادق (الخيم) ونوع المآدب وما كَلَلَ (المواعين) من اللحم وما تحته من ثريد (د ليميه) ويدفن المتوفى المتمكن في مقبرة الغري في النجف الأشرف، أما الفقراء لهم مقبر جوار كل قرية فتحفر له حفرة ويلحد بها، والبعض يدفن في تلك المقابر مؤقتاً (وداع) أي يودع الى حين آخر كي ينقل الى مقبر النجف ويقام مجلس العزاء (الفاتحة) على روح المرحوم على أن تخصص الخيمة أو الخيم للرجال ومجلس في داره للنساء.

تقدم في مجالس العزاء (الفواتح) السكاير والقهوة المرة كما يعقد أبناء عشيرته أو العشائر المواسية حلقات (الهوسات) ويلقي (المهوال) شعراً يعدد به صفات ومزايا ومواقف المرحوم ويشيد بعشيرته، إذا كان الميت من أعيان المنطقة أو شيخ عشيرة. ويندر أن تسمع قراءة القرآن الكريم كما هو الحال اليوم، إذ لم يكن هناك من يعرف القراءة والكتابة، ويكتفي القادم للتعزية بقراءة سورة الفاتحة (بصمت)، فالأغلبية لا تجيد حفضها. وهكذا تستمر الفاتحة لمدة ثلاثة أيام، أما شأن النساء، بالنسبة للمرأة المتوفاة، فليس كما هو حال فاتحة الرجل المتوفى.

وكل من يدخل المضيف المقام للعزاء يقول (رَحمَ الله والديه اليقرَ الفاتحة) وعندما يريد الخروج يقول (رَحمَ الله والديه من أعادها) وعند باب المضيف يصافح ذوي المتوفى داعيا لهم بالصبر بالسلوان (البُكَ براسك) أي البقاء لكَ (الله الدايم).. الخ.

كما ان ذوي المتوفى لا يحلقون ذقونهم طيلة أيام الفاتحة لمدة أسبوع أو لمدة تطول أو تقصر حسب رأي الحزين.

وقد يتبرع أحد الجيران أو الأقارب بجلب حلاق ليحلق رؤوسهم ولحاهم. ويلبس أهل المتوفى وأقاربهم، وبعض الجيران الملابس السوداء، ولا يجوز إقامة حفل زواج من قبل الجيران ولا يمكن إعلان الأفراح أو إطلاق الهلاهل طيلة مدة الفاتحة.

أما النساء فَيَحْزَنَّ لمدة عام أو أكثر، فيأخذ الحزن منهن مأخذه ابان (الجاينه) وبعدها تَلزَم الزوجة (العدة) فلا يجوز لها الخروج من دارها ولا ترى الرجال سيما الذين يَحِـلون عليها، وتستمر لمدة أربعة قروء (أي أشهر) كي تُعرَف إن كانت حاملاً من زوجها المتوفى أم لا، وخلال هذه المدة لا تنام على سرير ولا تحت النجوم ولا تمسك سكينا.

 خامساً – ملامح فولكلورية (الأزياء): مظهر الأفراد في أي مجتمع يمكن أن يعطي فكرة عن واقعهم الاجتماعي والاقتصادي، لأن التقنية المستخدمة في تجهيز المواد الأولية، القماش وطرق حياكته ونسجه وتفعيله وتفصيله والمعرفة بالألوان واساليب تثبيتها على المنسوجات، إضافة الى تنوعها، فإنها تشكل بخصوصية معينة لتنسجم مع قوم هنا وآخرون هناك حسب الواقع الجغرافي والطابع المناخي.

وهكذا ترى ملابس السكان مدينة الصيرة، تختلف الى حد ما عن ملابس سكان الريف والقرى. فأغلب أبناء العشائر في الارياف والقرى يلبسون الدشداشة والكوفية (الغترة) والعقال والعباءة. و العباءة تختلف حسب الموسم. فالشتوية أغلبها داكنة ومتينة، والصيفية ملونة أو بيضاء وخفيفة.

مشاركة