تاريخ قضاء الصويرة – الجزء الأول – جزيرة سلندي 12
مظاهر التساند الإجتماعي تتجلى داخل العشائر خلال الفيضانات والأحزان
عبد الرضا اللامي
الكوت
وهناك مواد عطارية أخرى، أجملها الشاعر عمر ابن أبي ربيعة بقوله:
(وسقتك بشرة عنبراً، وقرنفلا
والزنجبيل خليط ذاك عقارا)
واستخدم قشر الصفصاف لمعالجة الحمى، واستخدمت مراره الشبوط كفتيلة لعلاج الفَطِر، كما استخدمت مرارة الضَبَعَة، واستخدم المرمجي لسوء الهضم والمستكي لأمراض المعدة، (والمسك بعض دم الغزال) للتعطر به، واستخدم ملح مركَبي للأمراض الجلدية ويخلط بقليل من الماء لمعالجة عين النعجة، الشاة، ويرش على الدجاج لإبعاد مرض الجبسة عنها، ويلطخ الجسم بالمومياية لتذهب أوجاع الأعصاب، وتصبغ الملابس بصبغ النيل(دشداشة صبغ النيل كومي بطركَه).
كما تعددت للورد أسماء منها ورد البنفشه أي البنفسج وورد الملح وهي أزهار تخلط مع السفوف وورد خطمي، وورد رمان، وورد لسان العصفور و ورد لسان الثور، ورود الدفلة و ورد الوسمة والياس واليانسون. ويقول الدكتور كريم علكم الكعبي
” أما العلاج، فيتم بثلاث أساليب هي
1- الطب الذي يعتمد على الوصفة
2- الطب الذي يتم بالعلاج الطبيعي
3- الطب الذي يتم بالعملية الجراحية “
كما أضاف ” الطب النفسي “
إن الأعشاب والمواد العطارية المختلفة هي المادة الخام التي تصنع منها الادوية فأغلب المستحضرات الطبية هي إما من الأعشاب أو الأشجار وثمارها، أو أن يكون مصدرها حيوانياً أو أجزاء من أعضائها أو من الماء والتراب لمختلف تكويناته غير أن الدواء في مرحلة تصنيعه في المختبرات الحديثة يفرز عنها ما زاد عن الحد المسموح به كي يتناول كجرعة فموية أو حقن تحت الجلد أو ضماد خارجي.
لذى يُحَذَّر من تناول عصائر وعرائك الأعشاب كون المواد الخام على طبيعتها تحوي سموماً او مواداً ليس للجسم القدرة على تحويلها وتفعيلها، أو رفضها لتطرح خارج هيكل الجسم، عندها سيتمكن من الجسم منتجه العرضي ويهلكه.
إن المواد المشار اليها في البند (3 و 4) عبر تلك القوائم وما ورد من تفصيل في البند (5) كَرَّستُ له المراجع المذكورة أدناه:
1- عبد الغني الدلي، احوا ل العراق، ط 2: 1951
2- محمد علي الصوري، الاقطاع في الكوت: 1958
3- الموسوي، الصويرة ماضيها وحاضرها: 2001
4- د. كريم علكم الكعبي، الحياه الشعبية في ميسان:2010
5- مجله التراث الشعبي، الاعداد، 3: 1969 و 6 و 7 و 8 و 11:1970
المبحث الثاني
الحالة الاجتماعية لمنطقة الصيرة
دراسة انثروبولوجية اجتماعية
-المطلب الاول: العادات والتقاليد في الممارسة
– المطلب الثاني: الموروث الثقافي – الاعراف والفولكلور
المطلب الاول: العادات والتقاليد في الممارسة
سنتناول في بحثنا هذا الفرد في مجتمع منطقة الصيرة من حيث علاقته بإنجازاته أي تحليل نشاطاته ونتائجها كالمعتقدات والملابس والسكن واللغة والعمل والحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد، وما اليها أي تناول واقعه الثقافي إثنولوجياً لفهم واقع علاقته مع ثقافة المجتمع الصيراوي. دراستنا هذه ذات منهج يحدده علم الاجتماع الذي يدرس سلوك الإنسان داخل مجتمعة، ويحاول فهم الغاية من التجمع البشري والطرق التي يتعامل بها الناس فيما بينهم وكيف يتكيفون مع مجتمعاتهم.
إن المنتج الثقافي لأي انسان، في معناه الإ ثنوجرافي، يعني المُرَكَب الاجتماعي الذي يشمل العقيدة والفن والاخلاق والعرف والتقاليد والعادات التي اكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع. وسنتناول اضافة الى ما أشرنا اليه قبل قليل، إمكانية فهم كل ما يتلق بثقافة المجتمع الصيراوي المتخلف حينذاك، والتعرف على مكونات المؤسسة الاجتماعية إذ سنتخطى الوصف الى الغوص نحو جذور البنية التحتية للمنظومة الفكرية التي كونها متراكم النظام الاقطاعي والعشائري.
وهكذا سَتَلُم دراستنا بالجوانب الانثروبولوجية الثقافية والاجتماعية. وإجمالا سنتعرض لأبرز انتكاسات سلوك الأفراد عن طريق الكشف عن مفردات ثقافتهم الاجتماعية آن ذاك، كما نشير الى ما يتعلق بالمؤسسات الاجتماعية بتقدير البنية الاجتماعية التي تهيمن على حراكهم اليومي، الى جانب النظام الاقتصادي والديني، لنتعرف على مجمل الحياه الاجتماعية، أي إن دراستنا ستُكَرَّس لفهم أنثروبولوجيا المجتمع الثقافية والاجتماعية من خلال متراكم تجارب الأفراد وإفرازات علاقتهم المتشابكة. وبهذا أرى ما رآه الفيلسوف ((اسبينوزا)) على (ان المعرفة الشعبية هي الرصيد المتراكم لما جربة النوع الإنساني، وما تعلمة وما قام بممارسته… إن تلك المتراكمات هي مواد الانثروبولوجيا الاجتماعية.
وعليه فأن معرفة تقاليد وأعراف أي مجتمع، مهما كان حجمة أو موقعة الجغرافي تتطلب الغوص بين تفاصيل مفردات حياته اليومية، والتعرف على أوجه ممارسات أفراده للكشف عن أبعاد تأثير المجتمع في حياه الفرد بفعل المتراكم من الأعراف والتقاليد التي تحكم سلوك الفرد، من زواجر وإلزامات أحكمت نفوذها وسيطرتها على بنية الفرد الاجتماعية، وجعلته يدور في محيط لا يعطيه حرية الإفلات والخروج على اشتراطاته.
و يمكننا دراسة مدى تأثير الظواهر الاجتماعية، وهي منتج الحراك الجمعي، في الحياه السياسية التي يمارسها الفرد. وحيث ان التفاصيل تفوق الحصر، لذا سنقصر البحث حول أكثرها بروزاً او تكراراً وتأثيراً، كي نتواصل مع ذلك الماضي الذي أصبحت دراسته من أكثر الضرورات إلحاحاً لنتمكن من إعادة بنائه كواقع له صله بالحاضر المعاش. يقول الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي: ” إن الهدف الأساس من جمع وتوثيق صيغ التقاليد والعادات الشعبية ليس الحفاظ عليها بل استخدامها كمادة اجتماعية من أجل الدرس والتحليل في مختلف الدراسات وإطلاع القارئ الكريم على صور الماضي القريب الذي تكفلت عجلة التطور الاجتماعي بتغييرة.”.
إن نمط المعيشة والوضع الاجتماعي والفكري المتماثل، جراء التجارب المشتركة تحت تأثير العقيدة الدينية، واللغة الواحدة، رسمت دورة الحياة بين مولد وموت الانسان في كل مجتمع.
وحيث أن موضوع دراستنا يختص بالمخلفات التاريخية على جغرافية منطقة الصيرة لذا لم نجد أي تعارض في القياسات التي أشرنا اليها، ويمكننا أن نتعرف من خلالها على أبعاد مضامين دورة الحياة ونتحدث بإسهاب عن ملامح التراث المشترك للتقاليد والأعراف في منطقة الصيرة.
فجميع الوظائف التي يؤديها الفرد في مجتمع الصيرة مردها الى الأعراف والتقاليد السائدة بين صفوفه. تلك التقاليد المتوارثة، والتي إن تَغَيَّرَ أحدها به، أحَلّو آخر بدله، وهكذا فإن تلك الضوابط لا يمكن الاستغناء عنها لأنها هي الإطار الذي يحافظ على تماسك المجتمع، وتخفف من حدة التصادم بين أفراده.
إن تلك المكونات لدورة الحياة متعددة، وعند الخوض في تفاصيلها لابد من التأكيد على دور الأسرة والعشيرة والتدرج في ذكر الظواهر التي تكونها مراسم الولادة والزواج والوفاة، مروراً بالملابس والأزياء وهكذا.
أولاً – النسق الاجتماعي في إطار النظم الاجتماعية:
إن مجتمع مدينة الصيرة لا يختلف عن تجمعات الأرياف والقرى في العراق، إنه كما هم يتسم بالبساطة المتناهية، لبساطة الممارسات اليومية بين السكان وعدم وجود أي تعقيد أو تشابك في المصالح لمحدوديتها، وهم قلة فحاجاتهم محدودة، ونادراً ما يقع تصادم أو تعارض بين بعضهم البعض وإن وقع فتراهم يحلون إشكالهم سريعاً على الأغلب تحت تأثير تدخل كبار السن.
1- العشيرة: إن العشيرة بوصفها نظاماً خلقياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً، تفرض عدداً من الالتزامات وتمنح عدداً من الحقوق، فَتُأَثِر في تكوين شخصية الفرد من جهة وفي أنماط سلوكه ومواقفة. فترى أبناء العشيرة يتبارون في تعزيز الظواهر الاجتماعية السائدة، مثل دية الفصل والنهوة واللجوء الى التحكيم العشائري في المنازعات والاتفاقات، وهكذا يمارسون كل التقاليد العشائرية بشكل طبيعي، مثل إكرام الضيف وإغاثة الملهوف.
كان للعشيرة تأثير كبير في وحدة العائلة وإن سلوك أفرادها انعكاس لمشروطات العشيرة، ولا يمكن لأي من أفرادها أن يتمرد على (النسق الاجتماعي) الذي رسمته العشيرة، وهكذا نرى ان أواصر العائلة الصيراوية (متراصة)، (ووشائجها متماسكة) حيث ان زيجات زواج افرادها تتحدد بين العوائل ذات القربى على الاغلب أو من العشيرة الواحدة.
ويندر أن تقع بين الازواج (حالات طلاق) وأغلبهم في المدينة كان يكتفي بزوجة واحدة، وهم كسائر أبناء الأرياف ميالون للزواج المبكر ليحصلوا على إنجاب مبكر وكثرة المواليد، كي يعين الأولاد آبائهم في العمل ويقفون خلفهم (حزام ظهر عند الشدة).
عيش مشترك
وأرى ان العشيرة كانت تحبذ (العيش المشترك والتداني في السكن) فـترى الأبناء المتزوجين يبقون مع آبائهم بعد الزواج في نفس الدار، لتعزيز بنية الأـسرة، وكانت تسودهم روح الألفة والتعاون لذا انعدمت تقريبا حالات الطلاق.
كنا قد ذكرنا إن سكان الصيرة هم خليط من أبناء العشائر (فروع قبيلة زبيد، وبني عجيل، وعشائر اخرى)، وأبناء الوافدين اليها من بغداد والحلة والمدن القريبة منها، ذلك الخليط كان قد جلب بوعاء ذاكرته عادات وتقاليد عشيرته ومدينته وقريته التي نزح عنها الى الصيرة، وكل منهم وحسب مركزه الاجتماعي والاقتصادي، مارس عاداته وطقوسه، وهي في أغلبها متشابه لدى الجميع، غير ان تلك العادات والتقاليد بعد تشابكها بالعادات المحلية أعطت نكهه محلية ومشت كتقاليد صيراوية.
كما أضفى أسلوب السكن في مدينة الصيرة شيئاً من الخصوصية لممارسة تلك التقاليد اذ قُسِمَت الدار، دور المتمكنين اقتصادياً، الى قسمين (بَرّاني – لاستقبال الضيوف) ويطلق علية ديوانية، والآخر لسكن العائلة.
2 – العائلة: تعتبر الأسرة حجر الزاوية لأي تجمع سكاني، والعائلة في مدينة الصيرة أو في قراها واريافها من المدائن الى جنوب الزبيدية، ومن جبلة الى العزيزية داخل، تقوم على نظام عائلي منبثق من نظام عشائري ومتساوق معه. إذ الأسرة في منطقة الصيرة تتشكل نتيجة للالتزام العرفي بنظام القرابة، لذا تتكون الأسرة من الزوج والزوجة والأولاد، وهو ما يعرف بالعائلة (البسيطة).
أو تتكون من الزوج والزوجة وأبنائهما المتزوجين وأطفالهم ويعيشون في بيت واحد وباقتصاد مشترك تحت قيادة الاب، وفي غيابه تكون القيادة لأكبر الأبناء سناَ وتسمى هذه العائلة (المتحدة). أو يعيشون في بيوت متعددة لكنها متقاربة، وباقتصادات غير مشتركة فتسمى هذا العائلة (الممتدة).
إن العيش في (نسق اجتماعي) مميز يتجلى (باحترام العلاقات الاجتماعية) التي تبني العائلة وتسورها ولا تسمح بانفصام عراها، وتؤسّس حسب (نظام أبوي) قائم على احترام تلك العلاقات حسب تسلسلها من الأبوية والأخوية فالزوجية، وبعدها تشمل ذوي القربى، ومن ثم العشيرة فالقبيلة.
إن عيش الأسر المستقلة اقتصاديا لا يؤثر على النسق الاجتماعي بين الأسر قربويأ، ويبدو ذلك جلياً من تصرف الأسرة داخل اطار وحدة اجتماعية متماسكاً أثناء (دفع الدية – الفصل) أو الوقوف متلاحمين في كل المناسبات الاجتماعية على اختلافها، فالعائلة في منطقة الصيرة التي تسكن بيت الطين أو التي تسكن الأكواخ أو بيت الشعر في القرى والأرياف تكاد تتماثل في الادوار التي ينهض بها السكان في البيوت يومياً. ولو توغلنا في أعماق تلك البيوت، لوجدنا ان هناك تقسيماً للأعمال والواجبات اليومية بين الزوج والزوجة والأولاد. وقد يطرأ بعض الاختلاف بين واجبات المرأة في المدينة عنه في الريف فشؤون البيت عموماً تنهض بها النساء أما أعمال السوق أو المزارع التي تتطلب جهداً عضلياً أو شاقاً في من واجبات الرجال، أو قد يكون العمل مشتركاً بين الجنسين مثل (حش الحشيش)، السقي (الارواء)، الحصاد، أو القيام ببعض الحرفِ كالنسيج وغيره أو تربية الحيوانات وحلبها وتحويل منتجاتها الى مشتقات أخر.
وقد يتعاونا في بعض الصناعات اليدوية كالحياكة والغزل والخياطة، أو عمل بيوت الشعر وملحقاتها. وتقوم المرأة بجمع الحطب ويشكله الرجال على هيئة صيرة أو يستخدم للطهي والتدفئة.
ويبقى الاب هو رئيس الأسرة، والمسؤول الأول عنها في جميع الوجوه، فهو مطلق التصرف وعلى بقية العائلة تقديم فروض الطاعة له واحترامه.
فطاعة الوالدين مدعمة بالعرف العشائري والشرع الديني ” وقضى ربك أن لا تعبدوا ألاّ إياه وبالوالدين إحسانا “. و ” اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالولدين احسانا “. أما الأولاد، الذكور فمهمتهم خدمة الضيوف من الرجال ومساعدة الأب في أعماله الحرفية في دكاكين الصيرة أو في المزرعة والريف والقرى، والابن الكبير له درجة بعد أبية ومنزلته أعلى من منزلة البنات المتدنية، لأن الولد عندما يكبر فأن رجولته (اتشيل الراس وتبَيّض الوجه). إن البنات كأمهاتهن تأتي منزلتهن كسائر النساء في العراق منذ ذلك الزمن والى يومنا هذا لدى العديد من الأسر متدنياً. رغم ما تنهض به المرأة من الواجبات، خاصة في الريف لكن حضها عاثر لأنها (تجلب العار وتكسر الناظر)، كما ان المرأة المتزوجة ولا تنجب فحسابها له شأن آخر إذ تصبح (ذليله) وحتى التي تنجب (بنات) فقط تبقى (مهضومه) . في حين تقول النساء (إن الرجال ما عليهم أمان).
ثانياً- مظاهر ” – التراص – والتساند الاجتماعي “
من أبرز المواقف والأعمال التي تستدعي التساند وقيام ” الحشد المتراص ” هي (ساعات الشدة، ومواجهة الأخطار والمناسبات الأخرى في الأفراح أو الأحزان) وما اليها.
1 – الفيضانات: تُعد منطقة الصيرة من المناطق المنخفضة أمام ارتفاع مناسيب المياه في نهر دجله أثناء مواسم الفيضانات، إذ أن أخطار الفيضان تعتبر اختباراً حقيقيا (للتعاضد، والتماسك، والتراص الاجتماعي) من قبل الجميع لكبح الخطر الداهم الذي يهدد الجميع بالتساوي. فارتفاع مناسيب المياه المفاجئ وبكميات هائلة وذات زخم كبير واندفاع دافق، يحدث تيارها خروقات أو هي أوهى من أن تصمد أمام ثورة دجلة وسيلها العرم.
عند ذلك ينهض أبناء الصيرة (ويتناخون) مجردين عن ساق ومشمرين عن ساعد (لمة زلم)، لردم الثغرات التي يحدثها تلاطم الأمواج لكن، في العديد من الفيضانات تذهب تلك الجهود بين طيات الأمواج التي تكتسح المنطقة برمتها، غير أن أبناء الصيرة تعودوا، كما يظهر، أن يعاودوا الكرة بعد كل سيل جارف لبناء ما خربته السيول بعزائم وهمة قعساء، إذ أن الماء يكتسح دورهم وهي من الطين.
إن أخطار الفيضانات تُوَلِد في صفوف أهل الصيرة الخوف والذعر ما يدفع بهم لتكليف الشباب لحراسة السداد ومراقبتها كي لا يأخذهم السيل وهم عنه غافلون، وإذا ما حدثت كسرة (أي ثغرة في السداد) فتجد أهل المدينة يتناخون ويصيح المنادي ليوقظ النيام (فيلتحم جمعهم، مُتراصاً) لردع تجاوزات دجلة المتكررة الغاشمة. وترى الرجال بين حامل للمسحاة أو الفأس أو الحطب وكل ما يمكن أن يساعد في تمتين السدة أو ردم الكسرة لكبح جماح ثورة دجلة غير أن الفيضانات كثيرا ما تجتاح الديار وتغرق الداني والقاص وتخرب البناء والزرع وتهلك الضرع، وكانت السبب الرئيسي في انتقال سكان الصيرة الى الموقع الحالي (الصويرة) لارتفاعه، وإن السدود من حولة أجدى وأنفع.
2 – الأفراح: ومن (دواعي التراص الاجتماعي)، ساعات الأفراح في الأعياد والأعراس والختان والولادات وكل ما من شأنه أن يستدعي (وكفة فرح ولمة إخوان) لإعلان مشاعر الفرح والسرور.
في الأعراس تقام الولائم كما هو الحال في الأعياد والمناسبات الدينية المفرحة ويدعى الأقارب والجيران والمحبين من أهالي المدينة أو القرية و الريف وأرباب العشيرة وتطلق العيارات النارية، وبين الهوسات المدعمة بالزغاريد من النسوة تقام الاحتفالية، فأن كانت (زفة عرس) فيشكلون موكباً رائعاً مشياً على الأقدام، كما هو شأن (زفة العروسة) وعند الصباح في الأعياد يتبادلون القبل والتهاني ويشربون الشربت ويلوكون الحلوى، وفي الأعراس تهدى الى العريس (الصبحية) إن الناس كانوا يبالغون كثيراً في الإعلان عن أفراحهم
3 – الاحزان: وكذلك (يتراص الحشد ويتساند) ساعات الحزن وتقام المآتم على الأموات أو في المناسبات الدينية الحزينة كمناسبات استشهاد الإمام الحسين (ع) والأئمة الأطهار تقام مجالس (التعزية) أي العزاء واللطم.
في تلك الساعات والأيام يحتشد الجيران والأقارب بل كل المدينة أو القرية أو العشيرة لإعلان أحزانهم (والإفراط والمبالغة بالحزن الشديد)، لقد كان موت إنسان آن ذاك فاجعة و ليس كما هو الحال اليوم حيث (الموت المجاني) وبالعشرات، إذ أغرقت الفواجع الحشد وأصبح الحزن رد فعل نسبي يقتصر على إقامة الفاتحة (مجلس العزاء) واستقبال المعزين وكانت الفاتحة تقام لمدة أسبوع ولكثرتها الآن أصبحت يوماً واحداً، وقبل كان الأهل والأقارب يلبسون السواد حداداً على موتاهم، أما اليوم فيلبس في المناسبات الدينية (عاشوراء فقط) كانت الناس (تتداعى بعضها لبعض) عند قيام الفاتحة وتسمع العويل والصراخ من النساء وتطلق العيارات النارية (ويتراص الجميع خلف الجنازة) لتشيعها وتجتمع النسوة للبكاء ولطم الخدود وشق الجيوب وتعداد مناقب المتوفى، والفاتحة حسب المقدرة الاقتصادية، وحسب الموقع الاجتماعي وتنحر الذبائح وتقام الموائد الغنية بالثريد والطبيخ، ويفرح الفقراء في دواخلهم لأنهم سيكلون الطبيخ واللحم الذي حرموا منه طيلة الأيام الاعتيادية.