تاريخ قضاء الصويرة – الجزء الأول – جزيرة سلندي 15-15

تاريخ قضاء الصويرة – الجزء الأول – جزيرة سلندي 15-15

نبش تلال عشوائي يبعّثر لقى آثارية سومرية وبابلية

عبد الرضا اللامي

الكوت

  كما يقول أيضا: ” انني أؤيد الشيخ الحنفي في ما ادعاه ص 98 ” لكن العلوجي لم يشرح سبب تأييده ويبينه. وعاد العلوجي ونقض تأييده للشيخ الحنفي في الصفحة 99 من كتابة المشار اليه أعلاه، لقولة: ” إنني لا أميل مع الشيخ الحنفي الى الايمان المطلق بالأصل الذي ابتكره…الخ “.

في حين إن رأي الحنفي لم يكن مطلقاً وإنما هو مجرد رأي غير أن العلوجي طاف على عدة آراء وقال ان له مذهب خاصاً به.

أرى ان زبدة الآراء هي ان ليلة المحية، مناسبة تختلط فيها العادة الشعبية والدينية، وقيل أنها مناسبة (ميلاد الإمام المهدي المنتظر (ع)، أو عيد ميلاد السلطان عبد الحميد. وهناك آراء شتى حول أصها المقتفى.

وأنا أرى إن هذه المناسبة تعرف من مضمونها، أي من المفردات التي تستحضر ومن الكلام الذي ينثر والملبس والمأكل… الخ.

2 – ممارسة الطقوس

أ- الزيارات:  ” للأفادة مراجعة مؤلفي الكعبي والموسوي “

  انتشرت فوق ثرى منطقة الصيرة و قصبتها وقراها وأريافها، مقامات وقبور لبعض الأنبياء أو لرجال من نسل أهل البيت وأغلبها (مغـتسلات) لأن العائدة جَرَت أن يدفن الأموات في وادي السلام في النجف الأشرف وهذا ما يفسر قلة عدد قبور الأشخاص من ذوي المقامات الرفيعة، غير أن أهالي الصيرة يزورون تلك الشواخص للتبرك لما يتوسمونه بأصحابها من الوَرَعِ والتقوى والسيرة الحسنة والمواقف الاجتماعية المتفردة.

الزيارات: وتقام بالقرب من تلك المقامات، بعض الطقوس والممارسات المختلفة خاصة أيام الأعياد والمناسبات الدينية، فيقام حفلاً جماعياً، مثل رقص (الجوبي) في الأفراح ونقر الدفوف والهلاهل والأهازيج. ويقدم الزوار الهدايا النقدية والعينية، لخدم تلك المقامات، والنذور طلباً للشفاعة وتحقيق الأماني، ويضعون الحناء على جدران الأضرحة وسائر الأبنية من حولها وتحرق النساء البخور لطرد الأرواح الشريرة أو لاعتقادهن ان الملائكة تطوف حول هذا المكان وتستطيب رائحة البخور، ويوقِدن الشموع. ويشتري الزوار بعض الحلي وهي من صنع محلي أو شراء قطع من القماش سيما ذات اللون الأخضر، ويدفع بدلها مبلغاً كهدية، وتسمى قطعة القماش (علك) يشد على رسغ المريض أو على صدر الاطفال، للتبرك به. ويمكن الإشارة الى بعض النذور التي يتكفل بأدائها بعض الأهالي وهم ملزمون بأدائها في اليوم والتوقيت الذين حددا لأدائها. ومنها:

 نذور عاشوراء – أي ما يفي بتنفيذه الناذر هو وأسرته، ومن مضمون ذلك النذر (التعهد) للأمام الحسين (ع)، أو لأي شهيد من شهداء واقعة الطف يوم العاشر من شهر محرم. ويلتزم الناذر بالإيفاء خلال المدة من الأول من شهر محرم الى نهاية أربعينية الامام الحسين (ع) أو يلزم نفسه بالتنفيذ ولا يحيد في يوم يسميه، وخلال تلك الممارسات تقدم الاكلات والمشروبات، التي نذرها (الدارسين، الشربة، ماء مهيل، القهوة، الشاي وغيرها) وتقام مجالس التعزية. ومن أبرز الوجبات التي تُحَضَّر هي (الهريسة أي طبيخ الحنطة ويهرس بها اللحم، والشوربة والقيمة).

وتقدم القرابين، أي نحر الذبائح، وهي إما تذبح وتطبخ أو تفرق في دار الناذر على الجوار، أو تساق الى مقام المنذور له، وتذبح هناك أو تسلم لخدم الضريح.

ب – اداء النذور:

  1. صينية القاسم: وتحَضَّر الصينية، وهي طبق واسع الى حَدِّ ما، تملأ بالحمص المُقلى والزبيب والمصقول والملبس والحامض حلو، وتقاد بينها الشموع. ويتناول الحاضرون من محتويات الصينية، لتحقيق الأماني، ويقام هذا الطقس ليلة مقتل الأمام القاسم (ع) من أيام العشرة الأولى من شهر محرم، باعتبار أنه كان ينوي الزواج غير أنه استشهد في واقعة الطف.
  2. شموع خضر الياس: وللأفراح طقس آخر تمارس فيه النساء فعاليات أبرزها إيقاد الشموع عندما يتجمعنَ على ساحل نهر دجلة ويركزن َ الشموع على (كُربَه) أي عقب سعف النخيل أو على قطعة خشب مناسبة، وتوقد الشمعة وترسل مع مجرى الماء. وتسمى تلك الشموع المؤتَلِقة (شموع الخضر أو خضر الياس) ويتبعها الدعاء ليبرأ المريض من مرضه.
  3. دعاء دفع البلاء: كما يمارس أهالي الصيرة قول الأدعية وأفعالاَ أخرى، مثل حلاقة رؤوس الأطفال المرضى في باحة صحن الأئمة أو الأولياء، ويجمع الشعر ويرمى في مجرى الماء، طلباً للشفا، ولا يجوز تركه على الأرض كي لا يداس من قبل المارَّة فيورثه وجع الرأس، ويوزعون الحلوى وتسمى تلك الحلوى(دفع البلية أوحَللاّل المشاكل).
  4. ماء السبيل وأشياء أخرى: وخلال أيام شهر محرم يوزع الناس الماء المُطَيّب بالهيل، حباً بالحسين (ع) الذي قتل عطشاناً، وطلبا لتحقيق الأماني والشفاعة.أو يداف مسحوق الحناء ويعجن بالماء ويمسح به جدران الأضرحة، وترفع الرايات على البيوت وهي بألوان شتى وأغلبها سوداء، حزناً على الحسين (ع).والرايات بعد انتهاء المناسبة أو الزيارة، وخاصة الخضراء منها، تقطع على هيئة خيوط لتوزع على الآخرين (علكَ) يشد على معصم المريض أو للتبرك به.

 5  . خبز العباس – وخبز علي الشرقي: ومن النذور المتكرر إيقاعها، أي لاتحدد بمناسبة، توزيع الخبز، ويطعم باللحم (خبز اعروك) أو يُلَف قرص الخبز على شيء من الخضار، كما يقدم في بعض المناسبات (جاي العباس – أو جاي علي الشرقي)، وتوزع الحلوى (الملبس والحمص والزبيب) – حَللاّل المشاكل -.

وعند تحقق الأمنية للناذِر يطشون، أي ينثرون (الواهلية) وآخرون يعدون بعض الأكلات، وتسمى (غداء الزهراء (ع)، شيلان الزهره) أو يطبخون الرز والماش (شله)، علماً ان تأخير أو عدم أداء هذه الواجبات يكون مدعاة للتشاؤم.

المطلب الثاني: المقامات و المراقد – الســياحة والآثــار

1 – المقامات والمراقد

 ويجدر بنا أن نشير الى أبرز المراقد والمقامات التي ما تزال شاخصة حتى يومنا هذا، كونها محط رعاية الأهالي واحترامهم، حيث يتوافدون لزيارتها وتقديم الهدايا والنذور طلباً للشفاعة. وهي على التوالي:

أ – مقام نبي الله ” شيت “(ع):

 يقع هذا المقام المقدس في الشمال الغربي من قضاء الصيرة، في منطقة – السَمْرَة – ويقال ان هذا المقام هو (خطوة) ويقصد بها أن النبي شيت (ع) مَرَّ من هنا وصلى بهذه البقعة، وكما هو معلوم ان مرقده في مدينة (الموصل)، غير ان هذا المقام لم ينل الرعاية المطلوبة، لذا الفت نظر المسؤولين في قضاء الصويرة، وكذلك وزارة الثقافة، – الآثار – للاهتمام بهذا المقام لما له من قدسية وان يحظى بكل الرعاية، كي يلتحق بركب المقامات والشواخص الدينية ليكون دالة سياحية.

وبسبب ذلك الإهمال ترى ان أغلب الأهالي لم يجعلوا منه مزاراً كغيره من الأماكن المقدسة، واني عرفتُ ان أغلبهم لا يعرف بل لم يسمع به.

إن هذا القام بحاجة الى بناية تليق به وعناية شخصية، واستصلاح الأرض من حوله واستثمارها زراعياً لتشكل مورداً مالياً لإدامة المبنى وتوسيع صحن له والى كل ما يحَوِّل مكانه الى موقع سياحي جيد.

2 – مشهد نبي الله ” ابراهيم الخليل ” (ع):

 يقع هذا المشهد في منطقة آثارية تدعى – تل العقير – على نحو (51 كم) الى الجنوب من بغداد، وشمال غرب منطقة الصيرة، وشمال شرق مدينة جْبَلَة، بالقرب من ” أطلال كوثا ” المعروفة في المنطقة – تل ابراهيم -.

كان هذا المشهد، المزار، على هيئة بناية بسيطة للغاية، غير أنها طورت لاحقاً، ويقال أنها تظم – رماد محرقة – أُعدت لإحراق النبي (ع)، والواقعة معروفة لدى الجميع حيث ورد ذكرها في – القرآن الكريم -. والنبي ابراهيم هو أبو الأنبياء، خليل الله.

أما منطقة – كوثا – فإنها عبارة عن مرتفعات – تلول – شمال ناحية المشروع – جبله – والتابعة حالياً الى محافظة بابل، غير أنها كانت تتبع ادارياً الى قضاء الصيرة.

وقد أُشير الى هذا المزار في كتاب (مراقد المعارف) لمؤلفه محمد حرز الدين، ج1: 25.

وجاء به: ” وهاجر ابراهيم مع ابويه الى بابل وأقاموا في قرية كوثي رُبى، وكان فيها نموه ونشأته، وفيها صار ينكر على النمرود وقومه حيث اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله تعالى، وهنا رماه النمرود بالنار التي اعدها، وقد جعلها الله برداً وسلاماً”.

كما ذُكر هذا المشهد في (معجم البلدان) للحموي، ج 7: 291.

وبه قال: “و كوثي رُبى بها مشهد ابراهيم الخليل (ع) وبها مولده، وهما من ارض بابل وبها طرح ابراهيم في النار “.

وقد ورد اسمه في الذكر الحكيم ” ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين”- سورة الأنبياء، آيه: 5.

” واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقاً نبيا “- سورة مريم، آيه: 41.

أمّا الخليل، صفة اطلقها الله تعالى في سورة النساء، آيه: 125 ” واتخذ الله ابراهيم خليلا “. والخِلَة ُ هي غاية المحبة.

3 – مرقد السيد تاج الدين(ر):

 يقع هذا المرقد في منطقة – ناحية الحفرية – والتي غير اسمها حاليا ًلترفع لافتة تحمل اسم السيد الجليل – تاج الدين -. وعلى بعد (7كم) شرق مفترق طريق (بغداد – الصويرة – الكوت).

كانت بناية المرقد عبارة عن شاخص بسيط (غرفة)، وقد شملتها الرعاية لاحقاً وازيحت الغرفة وشيدت على القبر قبة عالية، وتوسعة للفناء فصار صحناً واضيفت ملاعب للأطفال وغيرها.

وقد عُلِقَ لوحاً عند مدخل المرقد ثبت على صفحته نسب – السيد تاج الدين – ذكر أنه: – ابو الفضل محمد بن مجد الدين حسين بن علي بن زيد بن علي بن حسين بن الحسن البح بن علي بن الحسن ابو محمد الرئيس النقيب بن علي بن محمد الحرزي بن الحسن الافطس بن علي الاصغر بن الامام علي زين العابدين بن الامام الحسين بن الامام علي بن ابي طالب (عليهم السلام).

كان السيد تاج الدين من ابرز علماء عصره في امور الدين والدولة، فولاه السلطان (اولجانيود) نقابة العلويين، وقد انتهت حياته قتلاً، كما ذُبِحَ نجليه أمامه قبل قتله، وذبح هو الآخر من بعدهما، بتحريض من – يهود – منطقة الكفل.

وسبب قتله، انه كان قد ابتنى مسجداً قرب مشهد النبي الكفل (ع)، وبذلك امتنع على اليهود طريق زيارة – المشهد – فتربصوا له ودبروا أمر قتله نهاراً جهاراً، أن حرّضوا السلطان ضده، فقتله شَرَّ قتلة في نفس هذا المكان، كما نُحر ولديه أمامه بكل وقاحة.

ويتوافد لزيارة هذا المرقد العديد من أهالي المنطقة والمناطق المجاورة للتبرك، فيقدمون الهدايا والنذور، وتقام في صحن المرقد احتفالات شعبية في المناسبات المختلفة، وتزوره عوائل عديدة من بغداد والكوت والحلة وديالى.

ملحوظة: للتزود بمعلومات أكثر حول الزيارات والمراقد والمقامات،مراجعة مجلة الايمان النجفية: 9 لعام 1964 السنة الأولى وجريدة واسط: 11 لعام 2001 إضافة الى مؤلفي الكعبي والموسوي.

ثانياً – السياحة و الآثــار:

 1- مدخل: ما من أحدٍ يقع نظره على شواخص الآثار لحضارة قامت هنا ثم اندثرت، ولا يخطر على باله، ان هذه المرتفعات المتواضعة، على سطح هذه البطاح المقفرة، وهي تعصف بعرصاتها الرياح، وتذرو حبات رملها، وتلفحها الحرور، حتى غيرت رسومها تصاريف الزمن، كانت عامرة ودالة على علو شأنها.فإن هي صارعت الموت من أجل البقاء. فأرى ان قولنا ينسجم مع قول (ول ديورانت) صاحب موسوعة – قصة الحضارة -:” الحضارة كالحياة صراع دائم مع الموت، وكما ان الحياة لا يتسنى لها أن تحتفظ بنفسها إلاّ إذا أُخرجت عن صورها البالية القديمة واتخذت لها صوراً اخرى جديدة فنية، فكذلك الحضارة لا تستطيع البقاء مزعزعة الأركان بتغيير موطنها ودمها “.

 نعم تبنى المدن، بل الممالك، وتشيَّد العمارة، فيأخذ العقل الإنساني مداه متوسعاً بالإبداع، فتبذل الجهود تدفعها الهمم،وترتفع القامات لتكون في زمن ما راية فوقها نار،لتدل على نفسها. غير انها سرعان ما تتوالى عليها ضربات معاول الانحلال لأسباب عِدة، فيتحول إرثها الى الآخرين. لكن كثيراً ما نجد الوارثين أقل همة وجهداً من البناة المنشئين. فتتحول تلك الحضارة والعمارة، الى أثر بعدعين.

ودراستنا لآثار منطقة الصيرة، لا تتعدى جوانب الوصف للأماكن الأثرية، لكثرة المستوطنات القديمة الضامة لبقايا آثاريه لمختلف الأطوار الحضارية. إن الأمبراطوريات بطبيعة تكوينها سريعة الانحلال، وإن الذين يرثونها تعوزهم جهود الذين ينشئونها. إنه وصف مبسط ومركز، لآثار المنطقة، وموجز لجغرافيتها الطبيعية والتاريخية. وإن الخوض في مجال الآثار، في دراستنا هذه، لا يعني اننا سنقدم دراسة (جيولوجية)، أو تعرضاً تاريخياً لتلك المتروكات العراقية والأجنبية في هذه المنطقة. وإنما هي محولة متواضعة للتعريف بآثارها، – كما رأيتُ وقرأت ُ- لما تنطوي عليه تلك الآثار من غنى وثراء ثقافي، وكذلك لتشجيع من يهمه الأمر، بغية إبرازها كمعالم سياحية.

 2 – لمحة سياحية: تقول السيدة – نضال عبد العال أمين -:

” التاريخ القديم وما خلفه الأنسان من المواقع الأثرية والتاريخية والمأثورات الشعبية كلها تمثل المادة الخام الأولية التي تقوم عليها السياحة والتي تخلق من مكان ما مركزاً سياحياً يُقبل عليه الناس ويمكن للبلد الاستفادة منه “.

إن منطقة الصيرة، ضمت هي الأخرى، آثار مقامات وأضرحة لبعض الأنبياء والأولياء، الى جانب الآثار السومرية والبابلية وغيرها. ويمكن ملاحظة ذلك من الُلقى التي عثر عليها الأهالي تحت أطلال التلال المنتشرة هنا وهناك، عن طريق النبش العشوائي، لعدم وجود سلطة تحمي هذه المتروكات.

إن للسياحة تأثير في عدة جوانب، فهي أداة تعريف بالمنطقة، وتعميق الأيمان بأنها عريقة، لذا فإنها تلزم المسؤولين الالتفات اليها وتفعيل صناعة السياحة فيها، بالاهتمام جدياً بها والمحافظة على تلك الشواخص والمتروكات، وجمع اللقى من الأهالي وتهيئة مكان لائق لعرضها.

إن صناعة السياحة من العوامل التي تنعش الاقتصاد في البلد المعين، فكيف إذا كانت آثارنا من القدم والعراقة ما جعل العالم بأجمعه يجمع على أن وادي الرافدين يكتنز من الرموز والشواخص واللقى، ما لا يُعد، ذلك لتعدد الحضارات التي تعاقبت على أديمه، وعلى تعاقب الأعصر، على الرغم مما تعرضت له من حملات منظمة وعشوائية في النبش والنهب والتخريب.

إن العراق ملتقى السياح بغية التعرف على الماضي، أو للدراسة من قبل المتخصصين في علم الجيولوجيا. فالآثار شاهد حي على حركة الانسان الذي كان فاعلاً واندثر، إنها الماضي الذي تولى، وما زال يتحرك بسحر وجاذبية من حولنا، وما هذه وتلك من المتروكات إلاّ سطور قصة حضارته التي كانت وما تزال موحية. فالتاريخ هو رواية الماضي بكل تفاصيله.

 3- توصيف جيولوجي: إن القـائِل: ان أُولى الحضارات نشأت في بلاد ما بين النهرين، أبطل التزوير وأَجاد الوصف والتعريف،وأصاب مرماه بدقة محسوبة، فبلاد الرافدين، أرض السواد، ما بين النهرين – موسوبوتيميا – وعاء لذاكرة حية على امتداد الحياة، على الرغم من تعاقب – سِنيِّ يوسف – على بلدنا،  تُـفـَـعِّـلُها الشواهد التاريخية المختلفة والمتباينة، للعصور المتراكمة في جوف الماضي.

وكما أسلفت ُ، سأكتفي بوصف المناطق التي انطوت على الأطلال والشواهد، وأُحدد أماكنها. كبقايا الأطلال والتلول واليشن، وعلى امتداد أراضي منطقة الصيرة. كما أُشيرُ لرسوم مندرسة لأنهر وترع، كونها تؤكد أنها كانت شبكة للري آنذاك. غير أنها اندثرت بسبب الإهمال والتعرية، لكنها تبقى مؤشراً جيولوجياً لأقوام بائدة كانت قد استوطنت هنا، وإن مجمل أوضاع المنطقة آنذاك كانت ملبية لحاجات المستوطنين.

وبالرجوع الى خرائط الحقب المندثرة نشاهد الحقائق التي تؤيد مذهبنا القائل: ان اقواماً عاشت و تسيدت، وشيدت العمارة، وغادرت أو بادت، اعتز التاريخ بآثارها وسجل ما لها وما أدانها، كالآشورية والبابلية والسومرية، الى جانب حضارات غزاة سال لعابهم على سواد أطيان النهرين على أرض السواد.

إن بقايا طاق كسرى (طيسفون) ماثلة للعيان حتى يومنا هذا على أرض المدائن جنوب غرب امتدادات الدولة البابلية، كما تركت مدن مثل (سلوقية – السور – تل عَمَر) بعض الشواهد على انها كانت هنا مدناً عامرةً، شيدت زمن القائد – سلوقس – الذي ارسل – الاسكندر المقدوني – بحملة الى هذه المنطقة.

ونشاهد كذلك الى الغرب والجنوب الغربي منها آثاراً يطلق عليها أهالي منطقة الصيرة – تل جَبّاب النار – أي كَباب النار، وهي آثار (المعبد المجوسي الكبير) الذي تُوقَد على قمته نار المجوس في المناسبات الدينية آنذاك.

ومما يؤسف له، ان معظم الحَجَر والطابوق ومكونات البناء الأخرى، التي كانت ترسم وتشير الى تلك المدن الغابرة، قام الأهالي بنبشها وجمعها وبشكل عشوائي،مما الحق بالبنية المتبقية تلفاً وتدميراً ضَيَّعَ صورة الهياكل الأصلية، ونقلوا ما جمعوا مما خربوا، وابتنوا لهم منها منازل وحضائر – صِيّرْ – لمواشيهم.

إن ذلك التجاوز العشوائي، المعتاد، قد أثَّرَ سلباً على هياكل تلك الأطلال التي كانت ماثلة، وكاد يمحوها. حقاً لقد خربوا خرائط الزمن والمدن والشواخص، وعُمِيَت مواقعها، وهي بقايا طللٍ دارسٍ.

وعلى الرغم من أني توليتُ بالتفصيل أسماء المواقع والتلال وغيرها، أجد من الضروري والنافع أن أمرَّ عليها مرة تذكيرية وبشكل دلالي، إن جاز التعبير، وتلميحاً:

4 – دليل سياحي:

 أ- مرقد ” سلمان الفارسي ” الصحابي الجليل (ر):

يقع المرقد شمال قضاء الصويرة – في قضاء المدائن حالياً – بالقرب من طاق كسرى، وكانت المدائن ملحقة بقضاء الصيرة، وبعد الاحتلال الإنكَليزي الحقت ببغداد. ب- مقام ” النبي شيت (ع) “:

يقع المقام في منطقة الحرية شمال غرب قضاء الصويرة، ويطلق على مدخل المنطقة (الكَص) أو (السمره)، والمقام أثر شبه منسي كأن لم تَمُرَ عليه يَدٌ العمارة، ولو مَرَّت عليه لوجدت به آية النفع العام، وذكرى طيبة،

ج – مقام ” النبي ابراهيم الخليل (ع):

يقع المقام على تلةٍ عند مدخل ناحية المشروع – جبَلَه – التابعة الى محافظة بابل حالياً، وكانت بالأصل تابعة الى قضاء الصيرة،والى الغرب من قضاء الصويرة، غير ان يد مديرية الآثار امتدت اليها وعَمَرَت بعض أنحائها، والمفروض وأنها شاخص لأبي الأنبياء، أن تكون من بين أكبر المزارات والحواضر السياحية.

د – مرقد ” تاج الدين (ر):

يقع المرقد شرق ناحية الحفرية، والتي غُيِرَ اسمها حاليا ًالى – ناحية تاج الدين – وعلى بعد (7كلم) من الطريق العام بين بغداد – الصويرة- الكوت، شرقاً.

 5 – الأطلال:

ومن خلال هذا المسح الجغرافي لتركة الماضين، لابد ان نقف على الأطلال ونكشف عن وجهها الذي كان بهيجاً ذات زمان. وسأستدرج المكان من الشمال الى الجنوب، وكما سيرى القارىء الكريم.

 أ – أطلال طاق كسرى ” طيسفون “:

 في أقصى شمال مدينة الصويرة، والى الجنوب من بغداد، يشاهد السائح قوساً ضخماً عالٍ، معقوداً على اكتافٍ ضخمة، وقد تآكلت، وتهدمت بعض انحائها، لكنها تحتفظ بزهو الماضي وهي تناغي النخيل المرابط أمامه والشجر الملتف، وترى هذا الجمع وتسمعه وهو ينشد أسطورة الماضي على أنغام دجلة الباهر.

والطاق بقايا مُسَقَّفٍ لإيوان يشبه في هيكله – مضايف شيوخ عشائر جنوب العراق – وله امتدادات مهدمة، وعلى الرغم من قربها من دوائر الدولة المسؤولة عن التراث والآثار، لكنها ما حظيت بالرعاية المطلوبة.

ب- أطلال ” المعبد المجوسي الكبير”:

” جَباب النار “أي كَباب النار – هكذا يعرف في منطقة الصويرة، وهو بقايا لبناء غير واضح المعالم، لعوامل التعرية التي أكلت أركانه، يقع على ربوة متراخية تشبه التل وليست هي كذلك، الى الجنوب الغربي من مدينة الصويرة، والى الغرب من ناحية الشحيمية.

كان كما يقال هنا، أن المجوس زمن الاحتلال الفارسي للعراق آنذاك، يوقدون النار وسط فناء ذلك الأثر على الربوة، ابتهاجاً بأعيادهم الدينية.

  ج – أطلال ” تل العقير “:

تقع تلك الأطلال بالقرب من أطلال – كوثي أو كوثا – والمعروفة في المنطقة ب – تل إبراهيم- الى الغرب من مدينة الصويرة، وقد جرت في أنحائها تنقيبات واسعة من لدن الجهات المختصة، وعثر بين طياتها على لقى متنوعة، وثمينة، ويرى السائح بقايا جدران لمدينة كانت قائمة واكلها الزمن، وتظهر بجلاء بعض النقوش على الجُدُر والزخارف، كما عثر في أطرافها على مقبرة، تعود الى فجر السلالات.

د – أطلال كوثا أو ” كوثي رُبى “:

تُشاهَد هذه الاطلال شمال شرق ناحية جْبَلَه (المشروع)، وعلى شمال غرب مدينة الصويرة، على تل يدعى – تل ابراهيم -، وتضم كما اسلفنا، مقام انبي ابراهيم الخليل (ع).

وقد كانت مدينة عامرة، احتضنت نشأة النبي الكريم، ابو الأنبياء، كما ترويه قصة التاريخ، وواقعة النبي ابراهيم (ع) مع النمرود معروفة لدى الجميع.

وقد رمم المقام وشيدت علية قبة متواضعة، ولعدم الاهتمام به أضحى قليل الجاذبية للسياح.

6 – مشاريع الري المندرسة:

وتتمثل في مجموعة الأنهار والسدود المندثرة المنتشرة في انحاء منطقة الصيرة، والتي لا يتبين منها سوى بقايا أكتافها، حيث طمرتها الرياح بما تحمله اليها من اتربة ورمال، ولعدم استصلاحها والعناية بها، ومن أبرز شواخصها:

  أ – مجموعة أنهار (كوثي رُبى)، و الا نهار المحيطة بتل العقير، وبفعل عوامل التعرية، الرياح، إنطمرت ولم تعد ذات منفعة.

 ب – مجموعة أنهار مندرسة، تقع وسط المنطقة الممتدة الى الغرب من مدينة الصويرة.

  ج – مجموعة أنهار مطمورة، تقع الى شمال غرب الزبيدية، وهجرت بسبب شق مشاريع تلائم توزيع الأراضي حسب القوانين اللاحقة.

  د – مجموعة أنهار شرق العزيزية والحفرية، وأبرزها شبكة أنهار متفرعة عن (مشروع النهروان) والذي كان مشروعاً إروائياً يعتد به ذلك الزمان.

وفي المنطقة العديد من المشاريع والأنهار المطمورة و المندرسة، ومما يؤسف له انك وانت تتجول في هذه الأراضي المسفوحة، بلا استثمار، تشاهد غزو التصحر لأرضٍ كانت خضراء.

7 – التلول واليّشن:

 أ – تلول غرب منطقة الصيرة: وأبرز تلك التلول، تل الثابتي، تل الجُبَيل، تل أمدينه، تل الجحيشيات، تل الطواكَيات، تل المتثالثات، تل أُم النار، تل العقير، تل كوثي.

 ب- إيشان تريم، إيشان الدرغلي، ويقعان الى الغرب من مدينة الصويرة

 ج- تلول جنوب وشرق الصيرة: أهمها، تل الضحاك، تل رشادة الشط، تل رشاد العرّاك، تل البرغوثيات، تل شالوك، تل الحداده، تل المكَعد، تل ابو عيون.

  د – تل الرصاصي الكبير وتل الرصاصي الصغير، تل سويبيط.

 ه- إيشان أُم العقارب، إيشان المَدَر، إيشان البسمه، وبسمة اسميان، إيشان داود.

ملحوظة:

ان هذه الآثار المتعددة، المختلفة، لقرونٍ مضت، والمطبوعة على جسد هذه المساحة المحددة من وادي الرافدين – موسوبوتيميا -، تدل على حضارة بلدٍ عَلَمَ الانسانية الأبجدية الأولى، واخترع العجلة التي دفعت الحضارة الى الأمام.

هذا هو العراق المفعم بالآثار، والصويرة جزءٌ عزيز منه، تزهو بالآثار وتبحث عمن يعيد الألق لآثارها وإحياء تاريخها. إنها آثار أبناء الرافدين، إن أعمال الناس ومتروكاتهم أمانة بأعناق خَلَفَهِم لو كانوا يعقلون.

اخاطب ضمائر المسؤولين بعد ان فقدنا درة الآثار والتراث على ايدي الوحوش التي صنعتها (دعاة الحضارة) الغربية !.. صونوا الأمانة. فمن لا تاريخ له لا مستقبل له.

مشاركة