تاريخ قضاء الصويرة – الجزء الأول – جزيرة سلندي 14
لخسوف القمر وقع هائل في نفوس الأهالي لأنه يثير مخاوفهم
عبد الرضا اللامي – الكوت
والنسوة يَلبَسنَ الدشداشة (النفنوف)، والملونة الزاهية تلبسها الفتيات أما كبيرات السن فأغلب لبسهن من لون واحد وأغلبه داكن، كما يعتصبن (بالجرغد أو العصابة والفوطة أو الشيلة) وتضع على رأسها العباءة. والأطفال والشباب يكتفون بدشداشه وكوفية وحزام مع سترة (بالطو).
ذلك وصف خارجي مبسط،علماً تختلف نوعيات الملابس وثمنها حسب مكانة الشخص وقدرته المالية.
وللمناسبات أزياء معينة، فملابس الأعياد هي من أفضل ما يقتنيه الفرد وملابس الحزن والحداد كلها سوداء. وملابس العمل يكتفى منها بقطعة واحدة أو قطعتين (دشداشة وسروال طويل وحزام وغترة) و الفرد المريض أو المسحور فيلبسونه ثياب خضراء أو يضعون قطعة من قماش أخضر على رأسه أو أكتافه بغية طرد الأرواح الشريرة عنه.
أما العوائل المتمكنة اقتصاديا كالشيوخ والملاكين وما إليهم فيضعون على ملابسهم بعض المنمنمات المذهبة والزخارف والمطرزات أو يعلقون بعض الأحجار الكريمة، ذلك ما تمتاز به نسائهم على الأغلب.
كانت صناعة الملابس متخلفة، فأغلبها من صنع رجل يدعى (الحائك) وأجر خياطتها غالباً ما يكون مرتفع. والى جانب الكوفية والعقال كلباس لغطاء الرأس وجِدَت العمامة أو (العِّمَة)، وهي قطعة من القماش طويلة الى حد ما تُلَف بعناية على ركبة الرِجِل بعد ثنيها، وأغلب هذا الزي نقله القادمون من الحلة، مثل (العِـمامَة) أو من بغداد (الجراويه) علماً أن تاريخ الكوفية والعقال يرجع الى العصر الأكدي وهو بنفس هذه التسمية.
وهذا ما أراه بالنسبة للعقال، لأن العقال استُحدِثَ بعد موجات الهجرة من ًجزيره العرب، إذ كانت بعض الأقوام العربية تشد رؤوسها بخيط مفتول فوق ما يشبه الكوفية وأضن أن العرب وجدوا الخيط أسهل وأخف من العمامة عملياً.
وعصّابة المرأة تكون من القماش الخفيف الناعم البراق أغلبه، ويزين بأهداب تتدلى على الجَبهة، وزوجات الشيوخ والملاكين تضع عليها الحلي، وتزين النهايات بقطع صغيرة ملونة.
كما يضاف الى تلك الأزياء لتكملة المظهر الخارجي الأحزمة كونها ذات منفعة بشقين، الأول جمالي والثاني لشد وسط قامة الفلاح عند العمل أو لشد الملابس سيما منها المفتوحة من الأمام على طولها مثل الجُبَة و الصاية والزبون.
ويمكن إجمال القول: إن الزي هو كل ملبس يغطي جسم الإنسان، جزءاً منه أو كله، وأشهرها غطاء الرأس، الرداء، الحذاء، وفي العراق تتميز الأزياء تميز المناطق جغرافياً.
فأزياء المنطقة الشمالية تختلف عن أزياء الوسط أو جنوب العراق وهكذا. ويختلف الزي في المدن عن أزياء الريف والقرى والبدو.
فنجد ملابس البدوي أو ابن الريف أغلبها تتكون من السروال الطويل والدشداشة ويغطيهما بعباءة منسوجة من الوبر أو الصوف وهي مقلمة باللون الأبيض و الأسود أو بلون واحد منهما، ويغطي رأسه بالكوفية والعقال.
ويلبس المتمكنون عباءة مشغولة، أي مطرزة بخيوط مذهبة براقة. والمغنية تقول:
(لابس عبا شغل التيل تبرج ما بين اكتوفه).
وحري بنا أن نشير هنا الى مواد الزينة المكملة للأزياء لاسيما لدى النساء في منطقة الصيرة، إن المرأة في مدينة الصيرة أو في قراها تزين يديها وأرجلها وملابسها، وحتى جسدها بالحلي البسيطة و لكنها أصلية، وللأسف إنها اليوم شبه منقرضة.
ومن أبرز تلك الحلي، الأساور البديعة من الذهب أو النحاس أو الزجاج، والأقراط، والحجول، والقلائد، والخزام، (الخزامة)، والخرز الملون و والحزام عند البدوية والريفية يُحاك من الصوف وبألوان شتى ويكون عريضاً بعرض الكف وطويلاً له شراشيب وهدب، وإكمالاً للزينة نجد كل البدويات والريفيات يوشمنَ أيديهنَ، ويسمى (الدَك)، ويوشمنَ وجوههن وأعناقهن والصدور والبطن حول (السُرَّة) ولن ينسين وشم الأرجل.
وفي زمن الاحتلال العثماني كان يطلق على الأزياء الرجالية (باش بزغ) وهي الملابس الاعتيادية الشعبية. وكانت الحكومة العثمانية قد اتخذت لها جنوداً مأجورين من مختلف الأفراد ولم تلزمهم بارتداء الزي العسكري المقرر آن ذاك وإنما تركت لهم الخيار في ذلك وأطلقت عليهم تلك التسمية (الباش بزغ).
المبحــث الثــالث
الوضع الروحي والاثار
دراسـة ميثيـولوجية
– المطلب الاول – المعتقدات وممارسة الطقوس
– المطلب الثاني – الطقوس – المراقد – والآثار
المطلب الاول – المعتقدات وممارسة الطقوس
1 – المعتقدات: هي القاعدة التحتية للبنية الروحية، إذا جاز لنا القول، وهي مزيج من أوهام الخوف والرؤى التخيلية، إذ قام الإنسان في شتى أنحاء المعمورة بنسج ذلك الخيال المحاط بالخوف وتحويلة الى حكايات وأساطير تناقلتها الشعوب عبر مسيرة الزمن ومازالت تحتفظ بحيويتها وتأثيرها السحري.
“والأسطورة تنتمي للمراحل البدائية الأولى للفكر الانساني، وهي تفسير معترف به لبعض الظواهر الطبيعية أو بعض المشاكل المنسية أو المجهولة التي تتميز بنسبتها للإنسان أو الحدث عميق التأثير “.
غير أني أرى: إن مرارة العيش والحرمان و تعسف السلطة والقمع، والكوابح النفسية التي تحد من تطلع الإنسان على أرض الواقع، وغير ذلك من مكونات الكبت المقموع والجَور، ما دفع التخيليين، من اختراق سقف الواقع المر المعاش، والتطلع الى واقع افتراضي، ابتنوا على أرضه الرخوة الخضراء، بنية تلائم، أو تسمح لمكبوتا تهم خارج إطار الكوابح التي تقيد حركة الإنسان على أرض الواقع السفلي، أي المعاش فعلاً. وهكذا ملأ الإنسان، آن ذاك واقعة الافتراضي المتخيل بأساطير وقصص وحكايات ملأت مجالس الخاصة والعامة وتناقلتها الأجيال بكل أمانة حتى وجد البعض بها أنيساً ودواءً لعلاته المكبوتة، واستخلص من نسيج الوهم أعشابً وأخلاطاً لمداواة جرحه الحقيقي لذلك ترى ازدهارها، أي الأساطير، يكون في زمن طغيان السلطة القامعة. لما في سردها من مرموز يبز السلطة تلك، أو التهكم بكيانها القمعوي أو للتنديد بها، أو هجو الأفراد بعضهم لبعض بمرموز الحكاية، فوجد الناس في العراق (خلال فتره الاحتلالين العثماني والانكليزي) من الوقت ما فيه الكفاية للجلوس في المقاهي و التكيات والدواوين، ليتحدثوا طويلاً لسد الفراغ (قتل الوقت)… فَطَعَّموا أحاديثهم بالقصص الخرافية والأحاديث الخيالية الاسطورية.
وتأثرت عاداتهم وتقاليدهم بإيحاءات تلك الأساطير والقصص، حتى انها غيرت خيارتهم، وسنت لهم أعرافاً، (تحفظاً من الاصطدام بالطنطل والسعلوه) وقد وضع العامة أُسُـساً لا يمكن الحِيد أو التخلي عنها… فيمكنك تجنب (الطنطل) فلا تتجول منفرداً في الليلة الظلماء، ولا ترتاد المقابر ليلا ولا تمسك قطاً أسوداً مساءاً، ولا تضربه نهاراً .
كما خلق الفكر الاسطوري حيوانات مختلفة، فوق قدرة تصور الانسان العادي من حيث تعدد رؤوس تلك الحيوانات، و أذرعها وأرجلها، وما تملكه من قدرات هائلة لا يمكن مقاومتها وردعها، إلاّ من كان يحمل بعض الطلاسم السحرية أو التعاويذ وغيرها.
وقد أعتقد عامة الناس في هذه المنطقة كغيرهم من المناطق الأخرى في العراق، بعظام بعض الطيور أو الحيوان لما تنطوي علية من قوى سحرية للشفاء أو لحل المشاكل أو لتقوية الشكيمة، كما هو شأن الأحجار الكريمة مثل السليماني وغيره. وأظن إن تسمية السليماني نسبة الى النبي سليمان (ع) الذي سُيِّرَت له الريح وخدمه الجان والطير والحيوان كما ورد في التنزيل المبارك. كذلك التعوذ (بكعب الذئب) والتجمل بسنه. وقد شاهدتُ العديد من مصوغات الذهب على سن الذئب معـلقة على صدور الأطفال لتقيهم شر الأعين الحاسدة، وتمنحهم العافية. و(عظم الهدهد) طلباً للجاه أو توثيق حبٍ عاثر.
ومارس الأهالي بعض العادات والتقاليد بعد أن وضعوا لبعض المشاهدات أو الحركات اللافتة والغريبة أعرافاً.
هذا هو حال الناس في منطقة الصيرة كحال العراقيين سواءً في الريف أو في المدن مأخوذون ومأسورون لتلك العادات والتقاليد، اعتقاداً منهم ان في خرقها مجلبة للمخاوف من نتائج عدم الإيمان بها، أو الإقدام على خرقها وهكذا فهم منسجمون مع الجمع المؤمن بتلك المعتقدات، الجمع الذي بنى قواعد التخلف وأدى الى إحباط الوعي وقدرات الإدراك الثقافي. ما جعلهم يتمسكون بخوارق والأساطير، والظواهر الطبيعية والمشاهدات والأصوات المنفرة أو المفزعة وغير المعتادة والمفاجئة كالهزات الأرضية والزلزالية سيما وإن منطقة الصيرة يندر حدوث الزلازل بها وتخضع في الحالات النادرة لبعض التداعيات لها، فهي مروعة.
كما يخاف الناس من قصف الرعود وما يتبعها من برق يخطف الأبصار، بل حتى العواصف على انها تحمل في طياتها بعض الجن لقوتها التدميرية. وكل ما يُكَوِّر سحب الاكتئاب والحيرة والقلق. والعديد من الأهالي من يفسر حركات الطيور والحيوان على انها نبوءات سعيدة أو سيئة أو نذيرة شؤم. وكذلك في رؤية الطيور المهاجرة.
إن الوضع الروحي في عموم منطقة الصيرة ملبد بهذه المفاهيم التي لا يعارضها أحد، فكانوا يبنون حالاتهم النفسية، من تفاؤل أو تشاؤم على ذلك الإيقاع الرتيب المتكرر والناس كانوا وحتى اليوم يتشاءمون عند سماع نعيب البوم أو الغراب، ويتفاءلون لدى سماع بعض أصوات الطيور، فزقزقة العصافير عند احتشادها تعني زيارة مرتقبة لزائر (خطار).
كما ان العطاس فأل مشؤوم، فمن يَقْدِم على سفر ويسمع (عطسة) فعلية أن يتريث قليلاً وإلاّ فسوف يقع له ما لا تحمد عقباه، هذا في العطسة الواحدة وإذا سمع عطستين متلاحقتين فلا مانع من مواصلة السفر، لأنها (سَفْرَّه) ولظاهرتي (الخسوف والكسوف) تأثيران بالغان، فعـند خسوف القمر يهرع الصبية الى الطرقات وهم يطرقون على الصفيح أو على أواني الطبخ ويرددون بأعلى أصواتهم (يا حوته يا بلاعه هِدِّي كَمرنه بساعه) أو (يا حوته يا منحوته هدي كمرنه العالي)، أما إذا اعترض الأرنب طريق مسافر فذلك نذير شؤم، والمثل عندهم يقول (عُرضَة أرنب)، وإذا تشاجرت القطط في داخل المنزل فيرتبون على نتائج هذا الشجار نذير بوقوع مكروه.
رفة العين
وهكذا ترى الأهالي مرتهنون لأصوات وحركات وأقوال ما أُنزل بها من سلطان، وهي التي تحدد وتوجه حركتهم وتصرفهم واقوالهم. فالعطاس ورَفَّة العين وحَكَّة كف اليد أو القدم، ولليمنى تفسير ولليسرى تفسير آخر. كل ذلك تبنى علية توقعات سارة أو منحوسة. وتجد الفلاح تقيداً منه بتلك الاشتراطات الصارمة، مثلاً، لا يبدأ الحراثة إذا ما شاهد أحداً قادماً نحوه الى أن يسأله عن اسمه، فيساء أو يُسَر حسب دلالة ذلك الاسم، أو إذا رأى أحدهم في المنام رؤيا تنطوي على ما يُسِر فَسَرها على عكس حالتها، أي لِما يسوء، وهكذا العكس أيضاً.
كما لا يحق للنسوة الحاضرات اثناء المخاض (الوضع) أن يدور حديثهن أو يتلفظن ببعض الالفاظ مثل (حاس) أي تحرك الطفل، والبعض الآخر يتشاءَم من طيور الحمام و (المطيرجي)، وتمنع المرأة من تنظيف دارها (كنسها) ساعة المغرب إذ قد يؤدي ذلك الى كنس حياة أحد أفراد العائلة ولا يحق لها أن تطلب من الجيران الملح ليلا.
أ -الطقوس: ومن جانب الالتزام والتقيد بأوامر ونواهي الدين الاسلامي فقد كان الأغلبية من الرجال والنساء يحافظون على أداء فرائض الصلاة والصوم وإحياء الشعائر وممارسة الطقوس الدينية وزيارة العتبات المقدسة وأضرحة الأولياء والمقامات القريبة من مدينة الصيرة.
وكانت أيام الأعياد أو المناسبات الدينية تشهد احتفالاً واحتفاءً جدياً بها، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى ودورة السنة والمحيه.
أما المناسبات الدينية الحزينة مثل استشهاد الإمام الحسين (ع) (الأيام العشرة الاولى من شهر محرم). وإحياء ليلة (العاشر من عاشوراء) وأربعينية الإمام الحسين (ع) (مَرَد الرؤوس)، وفي شهر رمضان تخصص أيام (19 – 20 – 21) لإحياء ذكرى استشهاد الإمام علي (ع) إضافة الى (صفر وشعبان)، ويتخلل تلك الاحتفالات والطقوس تقديم الهدايا والنذور ووجبات الأكل بشتى أصنافه خاصة الشوربة والهريس والقيمه. وتلك أيام نعمة للفقراء.
ولابد من تسجيل بعض مظاهر الطقوس التي ترافق تقاليد إحياء تلك المناسبات، ففي الأعياد يتزين الرجال والنساء والصبيان ويلبسون كل ما هو جديد، ويغنون ويرقصون (الجوبي) ويركبون الخيول ويطاردون عليها في ساحة عَرَضات قرب مدينة الصيرة. وفي القرى والارياف، فإن أغلب مظاهر الاحتفالات تجري قرب مضيف شيخ العشيرة.
في المناسبات الدينية الحزينة، يقيمون مجالس العزاء لقراءة صفحات من تاريخ أهل البيت، وأخيراً طورت الى تسيير مواكب العزاء (اللطم) وتأثرت وتطورت بعض الممارسات الى حد (التطبير) أي ضرب الرؤوس الحليقة بالسيوف والقامات (السكاكين الطويلة) والسير مشياً الى أضرحة الأئمة (لكن بشكل غير ملفت) كما علية الحال اليوم.
ولنا نظرات في صغيرات الأمور التي تجلب الانتباه حقاً كانت وما تزال تعتبر من خلاج النفوس، والتقيد بممارستها من ألأمور التي لا يتهاون العديد بها، مثل تعليق (أُم سبع عيون) على باب الدار أو الدكان، والصغيرة منها تعلق على صدر الطفل، وهي لوح دائري من الطين المفخور فيه سبع ثقوب ومطلي باللون الأزرق، وفائدته طرد العين الحاسدة، والغريب ان الفقراء يتقيدون بها، علماً أنهم لا يملكون ما يحسدون علية. وإذا شاهد أحدهم حذاءً مرمياً بالمقولب فعلى من يراه أن يقلبه على وضعه الصحيح كي (لا يغم السماء) ويعتقدون إن النظر بالمرآة ليلاً يولد الهزال، أي ضعف البدن، كما في نهاية شهر (صفر) تكسر القوارير (الشَربَه أو تِنكَة الما ء) ويضربون صفحات البيوت بالعصي وهم يصيحون (إطلع يا صفر) كي يخرج النحس من بيوتهم ويحرقون العصي في النهاية.
وتبقى التعويذة (الحرز) وهي التميمة ملازمة للمرضى والمصاب (بخفة النوم أو القلق، للتهدئة.
ويمكننا الإشارة الى أبرز الممارسات والطقوس بشيء من التفصيل في مدينة الصيرة.
1 – أ – صوم زكريا:
أو (صوم البنات) ويصادف يوم الأحد من أول أسبوع لشهر شعبان من كل سنة. إن صيام زكريا، طقس تمارسه أغلب العوائل العراقية وهو صيام أي انقطاع عن الأكل والكلام إيفاءً لنذرٍ تحقق به دعاء من نذرته، أو إن الفتاة أو المرأة العاقر تـنذران، عسى أن يحقق الله للناذرة طلبها وأمنيتها.
وهذا الصيام جاء تمشياً مع (نداء النبي زكريا (ع) وكان نداءً خفيا) كما جاء في قولة تعالى ” كهيعص (1) ذكر رحمت ربك عبده زكريا (2) اذ نادا ربه نداءاً خفيا (3)… ” الى قولة تعالى ” قال رب اجعل لي ءاية قال ءايتك ألاّ تكلم الناس ثلث ليال سويا (10).
وكما أسلفنا إن ممارسة هذا الطقس تبدا ليلة أول أحد من شهر شعبان، وفي مدينة الصيرة حيث أن سكانها وكما ذكرنا وافدين من مناطق تختلف في اسلوب ممارسة بعض الطقوس أو أداء الفعاليات في إحياء المناسبات، فأنهم في مدينة الصيرة كذلك، غير أن الممارسات تجري دون تعارض حاد أو اختلاف كبير. الى أن انتهوا الى تعشيق المختلفات لإنتاج ممارسة موحدة.
فبعض البيوت تهيء (تِنْكَه) أي وعاء من الفخار (شَرْبَه) صغيرة لكل ولد ولكل بنت يضعون في فوهتها (صُرَّة من الشعير) بعد ملئها بالماء، قبل أيام من يوم الصوم كي تنموا. وأضن إذا لم يتوافق مع موسم زراعة الشعير فيستغنى عنه ببديل مناسب.
اناء واسع
وعند المساء من يوم الصيام تهيئ العائلة صينية، وهي إناء واسع منبسط تثبت على ساحتها الشموع والتنك ومواعين (صحون) صغيرة ولكل حاجة ماعون يوضع فيه (اللهوم) أي مسحوق السمسم والسكر وآخر (للمخلط) أي الزبيب والحمص والملبس والحامض حلو وهي أنواع من الحلوى و (زردة وحليب) أي طبيخ الرز بالحليب، وبعض الخضار. و الناذرة يهيأ لها إفطاراً خاصاً أوله (خبز شعير) و (ماء بير) أي ماء بئر وتتلو الصائمة (سورة مريم) وتبدأ الإفطار و وتقوم العائلة بتوزيع بقايا الحلوى في الصينية على الجوارين، أي الجوار.
وبعض النساء من تستعد لهذه المناسبة قبل وقوعها، ولا يُذَكِرُهُنَّ بها أو بغيرها أحد، اتكالاً على الذاكرة الناشطة،ودون الرجوع الى تقويم (روزنامة) فهن يعرفن المواعيد، للبكاء أو للضحك على السليقة، وإنهن يؤدين الصلاة والصوم والنذور والزيارات بكل دقة .
2 – ب – خسوف القمر:
لخسوف القمر وقع هائل في نفوس وعقول الناس وإثارة مخاوفهم وتشاؤمهم، أي ان الوضع والحالة هذه، وبجميع مكوناته آيلٌ للمحنة وتوقع وقوع المكاره. والفزع من ظاهرة الخسوف قديم وله جذور عميقة في بطن التاريخ.
وفي زمن الرسول الكريم محمد (ص)، بعد أن لاحظ قومه وقد ركبهم الخوف. قال: ” إن الشمس والقمر آيتان من آيات الناس لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رئيتم ذلك فأفزعوا الى ذكر الله والصلاة “.
إن أهالي الصيرة كسائر الشعب العراقي عندما يرون خسوف القمر يخرجون من بيوتهم وهم يضربون على أواني الطبخ، والأطفال يرددون بأصوات عالية (يحوته يا منحوته هدي كمرنه العالي) والنساء تصيح (يا قريب الفرج يا عالي بلا درج، عبدك بشدة، نطلب منك الفرج).
ذلك الضجيج كله مرده خوف الناس مما يتوقعون أن يسببه الخسوف من وقائع فوق قدراتهم العقلية، حسب تصورهم، والحقيقة أنه لم يقع شيء من ذلك القبيل.
3 – ج – ليلة المحية: هذا الطقس جلبة بعض سكان الصيرة الذين وفدوا اليها من بغداد وفي تصوري كون هذه الليلة تعتبر على الأغلب من التراث الفولكلوري البغدادي.
يقول عبد الحميد العلوجي: ” إن الشيخ جلال الحنفي أو من كشف عن بعض الجذور الدينية والتاريخية لهذه الليلة البغدادية… وهي أن أبناء الشعب يتأهبون لاستقبال هذه الليلة المجيدة ب ” الطَرَقات ” و ” الزنابير ” و “الشخاط “… ويستجاب الدعاء فيها وهي ليلة النصف من شعبان من كل عام حيث تفتح أبواب السماء “.