بيوت أولادي – نصوص – عبدالرزاق عبد الواحد

ذكرياتي 62

بيوت أولادي – نصوص – عبدالرزاق عبد الواحد

تحدثت عن كثير من الغرباء وماأجدرني أن اتحدث عن بيوت أولادي وأنا أعيش معهم

……………

بيت ولدي ماجد

ولدٌ وبنتان … كرَم وعمره تسع سنوات … لأول مَّرةٍ في التاريخ يُمنح طفلٌ شهادة الأخلاق !.. وينتظره مدير مدرسته عندما يجيءصباحاً ليركع أمامه ويسلّم عليه ! هل سمع أحدٌ بمثل هذا ؟!

يصنع شيئاً من لاشيء… أمامه صندوق مليء بالقطع البلاستيكية الصغيرة ،  كل لحظة يصنع منها شيئاً جديداً : موتور سايكل عليه راكبان من قرابة ستين قطعه ،  وهو والراكبان بحجم الشخاطة  ! دبّابة من حوالي 200 قطعه وحجمها لايتجاوز قبضة اليد ! معتكف على صنع مخلوقاته بكل جدية وحماس ،  فإذا طلبت منه أن يقوم بخدمة في أسرعه إليها … وهو كلّ عام الأول في صفه .

فإذا اختصرت الحديث عن ولده لأنتقل إلى كبرى بناته (روبي ) فأنا أمام شابةٍ في السابعة عشرة من عمرها تملك قابلية مذهلة على كتابة الرواية ! قرأت لي نموذجاً من  كتابتها فذهلت لعظمة أسلوبها القصصي . قلت لها : أنت تصلحين خليفة حقيقية للعظيم أرنست همنغواي .. وأنذرتها إن لم تواصل الكتابة فسأقطع علاقتي بها .

أما ابنته (مينه) فمشروع رسامة عظيمة كانت ترسل بعض رسومها إلى عمتها رغد وهي نحاته معروفة في باريس وكانت عمتها تقول : هذه ستكون من أعظم الرسامين !.

وأغرب شيء في مينه أنها أشبه الناس بأم َّ جدها عبد الرزاق شكلاً

وشخصيّة !

كلّما فكرت بالرحيل من هذا البيت أحسستُ بأني سأترك روحي تعيش فيه !.. وأنا أعلم أنني لابّد أن أرحل فقد تركت بيتي في عمان،  وتركت فيها حياتي كلها ،  وأعز أصدقائي

ياعبد الرزاق … خمسة وثمانون عاماً ومازلت لاتعرف كيف تزن أمورك !!

ممّزق أنا بين كلَّ حبي لهذا البيت ،  وكلّ حياتي في عمان !.

63

الوحيد الذي يعيش من أولادي ،  وحيداً مع أبنته منقطعاً عن زوجته

رغم أنها معه في البيت نفسه هو ( خالد) .

ليس لديه في الحياة إلا (لارا) ابنته ،  ولهذا نذر حياته كلها ! فنشات قارئه مثقفة بشكل غريب رغم طفولتها .

تخرج خالد في امريكا .. منها أخذ الماجستير في الإتصالات من نيويورك بدرجة شرف سته سمسترات ثم نقل دراسته إلى انكلترا فأكمل الدكتوراه في اهم جامعاتها .

حكى لنا ممتعضاً أن الذي رأس لجنة مناقشته بروفيسور من أستراليا … بعد المناقشة ،  منحه الدكتوراه بدرجة شرف .

قال : أنا (مصدوم ) أن يكتب مثل هذا البحث من  طالب شرقي !!.

كنا في عمان .. وألححت على خالد أن يجيء إليها ففعل . قدّم أوّل

الأمر على كلية الهندسة الكهربائية  فطلب منه عميدها أطروحته فقلت له كيف تعطيها له واختصاصه نفس أختصاصك ؟ .. قال : بابا .. لن يستطيع فهمها وهذا ماحصل ،  ولم يعينه في كليته ،  فقدم على كلّية أهليه قُبل فيها . كان رئيس قسمه عراقياً  عندما أنتهت السنه الدراسية كتب لعميد الكلية : أرجو أن لاتجددوا عقد هذا الأستاذ لأنه صابئــــي كافر !ولم يجددوا عقده !!.

 وسافر هو وزوجته إلى ليبيا .. ثم عاد  إلى بغداد ،  وعين أستاذاً في الهندسة الكهربائيه وكان لديه ثلاثة وعشرون طالباً في قسم الماجستير جميعهم من التصنيع العسكري .. بعد شهر واحد اقترح إعادتهم إلى قسم البكالوريوس لأنهم غير مؤهلين للماجستير وقامت القيامة .

رسب الثلاثة والعشرون جميعاً ! فطلب منه العميد وكان ابن الدكتور عبد الحميد كاظم عميدنا في دار المعلمين العالية ،  طلب من خالد مساعدتهم ،  فقال خالد : نعمل كيرف للجميع فإذا نجحوا ينجح معهم كل من في مثل مستواهم !

وقامت القيامة ،  واتخذ مجلس الكلية قراراً بنجاحهم فقّدم خالد استقالته وخرج من بغداد ! .

مّرةً عاتبته فقال : أنتم أردتموني خليفة لعبد الجبار عبد الله .. إن عبد الجبار لايتصّرف غير هذا التصّرف في مثل هذه الحالة !.

خالد الأن في نيوزلندة يعيش مع ابنته ،  ومع زوجة لاتعيش معه ألا بوجودها في المنزل ! .. حتى طعامه يطبخه بيده !.. وهذا الدكتوراه شرف في قسم الإتصالات يعمل مدرساً للثانوية هناك ! .

نسيت أن أذكر ان خالداً أثناء عمله في إحدى شركات الموبايل أصيب بمرض أعصاب في يديه استّمر سنتين كان خلالهما لايستطيع رفع كأس الماء إلى فمه .. وكانت زوجته تعينه على ذلك ،  وتضع ملعقة الطعام التي كان يعجز عن الإمساك بها في فمه !.

اتفقنا على أن نلتقي في العام الماضي في الشهر السابع عند بيت أخيه ماجد .. ولكن تأخرت تأشيرتنا فسافر ولم نره !