بين هواجس الماضي وتطلعات المستقبل – نصوص – مروان راغب حميد

المدارس اللسانية

بين هواجس الماضي وتطلعات المستقبل – نصوص – مروان راغب حميد

اللسانيات ( (Linguistiqueهوالعلم الذي يدرس اللغة الإنسانية دراسة علمية تقوم على الوصف ومعاينة الواقع بعيدًا عن النزعة التعليمية والأحكام المعيارية مما جعلها علمًا حديثًا وثوريًا وفي الوقت نفسه هي إخضاع الظواهر اللغوية لمناهج البحث العلمي خلافًا لما كان عليه الحال من قبل إذ كانت العلوم في أوربا تتصف بالذاتية والتخمين والـتأمل العقلي البعيد عن الموضوعية في أغلب الأحيان ، لذلك يمكن تطبيق قواعد اللسانيات على جميع لغات العالم وهذا هو سبب شهرتها وأشتهارها بين دوال العالم ، واللسانيات تمثل نافذة مفتوحة على العالم الغربي نطل من خلالها على إبداعاته وإضافته العلمية وتساعدنا اللسانيات على الكشف عن نقاط بينها وبين التراث العربي ، وتعلمنا اللسانيات كيف ندرس اللغة ؟ ولماذا ندرسها ؟

إنَّ من أهم ما خصائص اللسانيات أنها لا تميز بين لغة ولهجة وإنما تُعنى بها جميعا ؛ لأن كلاهما يؤديان وظيفة أساسية في نظر العلماء وهي وظيفية الاتصال والتبليغ والإبداع ، وقد ورد لفظ اللسان في القرآن الكريم مرات عدة منــــها قوله تعالى في سورة الروم (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) ، وقوله تعالى في سورة إبراهيم ( وما أرسلــــنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) ، وقــــوله تعالى في سورة الشــــعراء (بلسان عربي مبــــيَّن) ، فقد استعمل مصطلح اللسان في الـــــتراث العربي للدلالة على النظام التــــواصلي المشترك بين أفراد المجتمع في البيئة اللغوية المتجانسة

ومن أهم هذه المدارس هي :

1- المدرسة البنيوية : رائد هذه المدرسة فرنارند دي سوسير وأهم جاء به أن اللغة تدرس في ذاتها ومن أجل ذاتها بعيدة المؤثرات الخارجية وكذلك ثنائياته كل هذه الاسباب وغير جعلت من دي سوسير يطلق عليه ابي اللسانيات أو رائد الدرس اللساني الحديث ؛ لأنه عمل نقلة نوعية في الدراسات الحديثة .

2- المدرسة الوظيفية : وتسمى بمدرسة (براغ) ويعدّ التشيكي فيلام ماثيزيوس هو رائد هذه المدرسة بلا منازع مع أرومان جاكبسون ، وتعد اللغة في نظر هذه المدرسة ذات طابع وظيفي وقد أفادت هذه المدرسة من أفكار دي سوسير بالرغم من اختلافات وجهات النظر بينهم .

3- المدرسة السياقية : وتسمى بالمدرسة الإنكليـــــزية ورائدها هو فيرث (firth) وقد قسَّم السياق إلى أنواع عدة ( الصوتيَّ ، الصرفيَّ ، النحــــويَّ ، المعجميَّ ، الثقافيَّ ، الإجتماعيَّ) وعن طـــــريق هذا السياق نصل إلى المعنى الدقيق للمفردة .

4- المدرسة التوليدية التحويلية : ورائدها هو نعوم جومسكي ، والنحو عنده مجموعة من القواعد الكامنة في ذهن المتكلم والراسخة فيه من محيطه الاجتماعي منذ طفولته وما تمكنه من أنتاج جمل جديدة لما يسمعها بعد (البنية السطحية والعميقة) ، ومن هنا يصبح النحو جومسكي توليديا وهو أشبه بقواعد الرياضات .

5- المدرسة السلوكية : وتسمى بالمدرسة الأمريكية ورائدها هو ليونارد بلومفيد ، وتأثر أتباع هذه المدرسة بالمذهب السلوكي ، وعدّوا اللغة مجموعة من العادات السلوكية ، ومن مبادئها (الامثير والاستجابة) ومهنى ذلك أن أي شخص يرى تفاحة على الشجرة يثير هـذا عنــــده حاسة الجوع ، كذلك الإنسان لا يتكلم إلا إذا كان هناك مثير للكلام واستجابة من قبل الآخر .

بإختصار شديد جدا هذه هي أهم المدراس اللسانية الغربية إلا إن بعض المعنيين باللغة العربية لا يزالون ينظرون إلى هذا العلم بنظرة الشك والأرتياب والخوف منه ؛ لأنه علم قادم من الحضارة الغربية ولاسيَّما في العراق ، وهذا الشك ليس في محله ، لكنَّ بعد أنفتاح المعرفة والتطور التكنلوجي بدأ الكثير من الباحثين الإطلاع والقراءة في ميدان المدراس ، ونحن نريد أن نقول على الباحث العراقي أن إلا يتعبد من محراب الثراث منطويا على نفسه غير عابئ بالحركات الفكرية والنظريات اللغوية الحديثة في عصره ، ولا ينجرف وارء التيارات الفكرية المعاصرة معطيا إيَّاها كلُّ همه وعنايته ، بل يبنغي أنَّ يسوعب معطيات الحداثة مسترشدا ومستأنسًا بما قدمه التراث العربي ، وان يكون ذلك كله في موضوعية وحيادية ؛ حتى لا يقع في دائرة التعصب لهذا أوذاك وعلينا أن نضع يدا في كتب التراث العربي وأخرى في كتب الحداثة ، ليكون الربط بين الموروث التليد والحاضر الجديد ، للوصول إلى نتائج مرضية ، فضلا عن هضم القديم والافادة من النظريات الحديثة بما يتناسب وطبيعة اللغة العربية وخصوصياتها .