بين آثار الأكروبولس
مازلتُ أتذكر تلك السفرة السياحية التي قمتُ بها، في شتاء عام 1976، لليونان . وصلت مطار العاصمة اليونانية أثينا، مقبلاً بالطائرة من بغداد . وفوراً يحس الزائر لهذا البلد الاغريقي الجميل، بوداعة أهله وطيبتهم .
ونحو الشعب اليوناني الصديق أشعر دائماً بعاطفة محبة واعتزاز . فمنذ المراحل الدراسية الاولى، قرأنا عن الحضارة اليونانية، حفظنا نظرية (فيثاغورس) حول المثلث القائم الزاوية، وحفظنا قاعدة (أرخميدس) حول الاجسام الطافية، والقوة الدافعة لها . وغير ذلك قرأنا الكثير لعلماء يونانيين .
وفي منتصف خمسينات القرن الماضي، حيثُ بدأ النضج والوعي السياسي، تابعتُ نضال المناضل الوطني اليوناني اليساري (مانوليس غليزوس) . وفي إحد دور العرض السينمائية في بغداد شاهدتُ، عام 1968، فلم (Z) الفرنسي، وهو فلم يعري الانقلابيين العسكريين الذين إغتصبوا السلطة في اليونان . ونشرتْ بعض الصحف العراقية، في حينها، أن السفارة اليونانية في بغداد، قد إحتجتْ على عرض هذا الفلم . وبقيتُ معجباً بهذا البلد الصديق .
وكُنا شباباً، حين إحتضنت بغداد، عام 1967، بطولة العالم العسكرية بكرة القدم . وكان ختامها اللقاء الذي تم بين الفريق اليوناني والفريق التركي لتحديد الفريق الفائز بهذه البطولة . وأبدع الفريقان المتنافسان، وخلف تنافسهما الكروي، كانت هناك أرضية سياسية وتاريخية وجغرافية لهذا التنافس .
لكن الذي فاجأ الفريق التركي، لاسيما اللاعب المشهور (يوسف)، هو انحياز الجماهير العراقية التي إكتظ بها ملعب الشعب الدولي للفريق اليوناني، وكانت هتافات الألوف من العراقيين تتعـالى : يونان .. يونان .
وفاز اليونانيون بهذه الدورة، التي حضرها الرئيس العراقي الراحل عبد الرحمن محمد عارف .
وفي تصريح صحفي عقب المباراة، أوشك يوسف كابتن الفريق التركي أن يبكي ؟ ! .
تلك بعض خلفيات عواطفي نحو الشعب اليوناني . وكان في معظمها يحضر، وانا أصل العاصمة اليونانية، وأقيم فيها لنحو عشرة أيام. حيث نظمتْ الجهات السياحية في أثينا جولات للزوار، شملتْ زيارة بعض الجزر الصغيرة القريبة من العاصمة اليونانية، والمتحف اليوناني .
ومن الزيارات التي قامتْ بها المجموعة السياحية، وكنتُ ضمنـــها، زيارة الأثر اليوناني الشهير (الاكروبولس) . أعمدة صخرية عملاقة في هذا الموقع الأثري تفصح عن أنه كان ذا شأن كبير في أثينا القديمة .
كانت الشمسُ كرةً حمراء تنحدر نحو المغيب، حين كانت المجموعة أمام مشهد سياحي – تاريخي مثير . ثلة من الجنود اليونانيين، بملابس الجند القديمة وبالسلاح القديم، تجري مراسم إنزال العلم اليوناني من برج عالٍ من أبراج هذا الحصن القديم ..
مراسم رائعة تستدعي التاريخ القديم لكي يحضر بيننا، لكن لهذا المشهد المثير دلالات أخرى، تتعدى الاعتبارات السياحية، أهمهــا التواصل بـــين الماضي والحاضر .
وحسناً فعلوا .. وعندها تذكرتُ القولَ المأثور : من لا ماضي له، لا حاضر، ولا مستقبل له ..
عكاب سالم الطاهر
AZP02