قصص قصيرة
بنات من هذا الزمان (2)
عمدت ابتسام على اقامة بيت جديد وضعت فيه كل خبرتها كامراة وكل ما تملكه من نقود وبمساهمة من زوجها وكونت بيتا رائعا وكانها بذلك تتحدى زوجها السابق بانها قادرة على العيش بدونه.. وان يكون لها عش اجمل واحلى من عشه ورغم كل ذلك هناك جرح عميق في صدرها وفي صميم قلبها قد تركته الايام دون ان يلتئم او يشفى وسرعان ما ظهرت بوادر جديدة على حياتهم الزوجية فزوجها اصبح يغيب عن البيت كثيرا وحتى ساعات متاخرة من الليل بقضيها برفقة اصدقاءه في النوادي والملاهي ولا يعود الى البيت الا مخمورا الى درجة لا يستطيع معها الوقوف. ثم حاولت جاهدة من منعه من اصدقائه ما امكنها ذلك فطلبت منه اذا اراد ان يشرب فليشرب في البيت.. فوافق على ذلك دون فائدة فانه ايضا يعود مخمورا ثم يكمل في البيت.. كما كان يقصر عليها ماديا.. واستطاعت ان تعرف انه وزملاءه يرتادون النوادي للعب (الدنبلة) او يخرجون وبرفقتهم واحدة او اثنتان من الصبايا من بائعات الهوى وعندما كانت ابتسام تنافشه وتشتد معه يترك بيت الزوجية لفترة شهر او تزيد ولا يرجع الا بعد مناقشات واتفاقات.. وتكرر الامر مرات عدة.. وكانت هي بالمقابل زوجة مثالية تعرف ما عليها من حقوق وواجبات ولم تقصر بحقه في امر من الامور.. ولكنها لاحظت في الاونة الاخيرة انه ينام معها دون ان يلسمها كما يدير ظهره لها وينام وكانها غير موجودة .. وعندما تحاول الاقتراب منه يعتذر لها بانه تعبان ويريد ان ينام.. وعندما ناقشته بالامر اخيرا قال لها بالحرف الواحد: اعذريني انت ممتلئة بعض الشيء وليس عندك ما يستهويني او يثيرني.. وعندما سمعت منه ذلك صاحت : حقا والان تذكرت بان ليس هناك ما يستهويك ويثيرك بي.. اليس انت من فعلت المستحيل من اجل ان اوافق على الزواج منك.. فقاطعها قائلا: كل ما تقولينه حجج لانها كانت نزوة وانتهت.. فقالت: وانا لا اعيش مع رجل لا يحبيني ولا يريدني.. فبامكانك ان تاخذ ملابسك وتغادرني فورا.. فاجابها على الفور: حسنا.. فعادت تقول له: وقبل ان تاخذ ملابسك وتغادرني طلقني فرمى عليها يميت الطلاق واخذ ملابسه وخرج وجلست هي على الكرسي والدموع ملء عينيها تبكي حظها العاثر.. مع الازواج وهي اشد الما لما ضاع من عمرها مع امثال هؤلاء الخونة.. اللذين لا يعرفون اين هي مصلحتهم..
ايمان
لقد تجاوز عمرها عقدين من الزمن وهي على جانب كبير من الخلق والايمان.. انسانة محافظة تركت الدراسة بعد ان تعدت المرحلة المتوسطة.. تؤدي صلاتها باوقاتها لا تتاخر عن مساعدة الاخرين وكل من عرفها احبها لطيبة قلبها وحلاوة لسانها حتى جاءها شقيقها الاكبر يوما ليقول لها: لقد طلبك مني صديقي ماجد وهو شاب دمث الاخلاق ولديه محلا لتصليح الادوات الكهربائية.. الا انه ضعيف الحال.
قالت: انا لا تهمني المادة بقدر ما يهمني اخلاقه ودينه.. فقال: اذا من هذا الجانب فلا غبار عليه انه شاب ملتزم بدينه اما اخلاقه فالكل يشهد لها.
فالت: اذن اترك الامر لك اخي العزيز فانت ادرى بما يناسبني.. قال: على بركة الله..
وتم زواج ايمان من ماجد ووقف الجميع في مساعدتهم حتى قاموا بتاثيث بيت كامل لهم وجاهد ماجد في العمل حتى يوفر لزوجته عيشا رغيدا بعد ان دخلت اعماقه واحبها بكل معاني الحب فوجد فيها الام والاخت والزوجة حنان متدفق ومشاعر كبيرة لا تنتهي.. كما هي الاخرى وجدت فيه فتى احلامها.. وحرصت على ادارة شؤون البيت بحكمة وسارت بهم الايام ورزقهم الله بنتا ثم ولدا وكانوا في سعادة لا توصف وهم ينعمون بالامن والامان.. حتى شاءت الاقدار يوما ووقع ماجد في المحل فاغمي عليه وتم نقله الى البيت وبعد ان اطلع الطبيب على حالته شخص المرض بانه (عجز كلوي) فتم نقله الى المستشفى وكانت ايمان برفقته ولم تفارقه حتى وهو في المستشفى بعد ان تم غسيل الكلية له.. وكانت ايمان تبكي وهي ترفع يديها للسماء تدعو له بالشفاء والعودة لبيته ولها ولاولاده.. وكانت لا تنام ولا تتناول طعاما الا بعد الحاح شديد.. وفوجئت في صباح ذلك اليوم ان ماجد قد غادرها الى الرفيق الاعلى.. وذهلت وهي لا تاكد تصدق ما تراه عينيها.. فكانت تبكي بصمت وهي تتلو ايات من القران الكريم او تنادي زوجها وتعاتبه على مغادرتها واطفاله..
وعاشت من بعده اياما عصيبة بفراقه وكان عزائها الوحيد ان ابنها الصغير هو يشبه بوالده الى حد كبير.. وكرست حياتها لاولادها والعائلة وكل العائلة من حولها يخففون عنها المصاب الجلل ومرت سنتان وهي مازالت قوية شامخة من اجل اولادها وتربيتهم ومازال صغيرها يذتكر والده ويتحدث عن ذكرياته معه.. وكثيرا ما يطلب من والدته زيارة قبره.. ومازال يلقي التحية على صورة والده المعلقة في دارهم والام سعيدة بما تراه من افعاله وكانه رجل كبيرا فالوالد لم يمت لان ذكراه قائمة دائما في هذا البيت الكريم..
محمد عباس اللامي – بغداد