قصص قصيرة (1)
بنات من هذا الزمان
سارة
احبته بكل جوارحها وفعلت المستحيل من اجل الاقتران به. وتحقق لها ما ارادت بعد ان لمس منها ذلك الحب المتناهي وقد رشف من ينابيع حبها ما انساه العالم وغاص في بحورها وعطائها واثمر ذلك الحب بطفلا جميلا ورغم كل ما صادفته من ويلات وعواصف ورياح عاتية عصفت بحياتهم الا انها بقيت شامخة شموخ حبها الكبير ولم تلو الايام ذراعها وكانت تقول دائما لا اريد ان يكون حبي الا صخرة تتحطم عندها كل الاشياء.
ميس
لقد تحدت الجميع ودافعت عن حبها دفاعا المستميت وكان يرى الجميع ان من تحبه ليس اهلا لها ولا يمكن ان يكون رجلا ذا مسؤولية ويتحمل مسؤولية الزواج وامام اصرارها وحبهم لها جاروها بما تحب وتريد وتم زواجها بين جبهتين جبهة رافضة وجبهة مباركة لهذا الزواج.. وتم استقلالهم في شقة لوحديهما وتوالت الايام وحدثت مشاكل كثيرة كانت الام هي من تثيرها عندما ترى ابنتها في عوز مادي او محرومة عن بعض الاجهزة الكهربائية الملحة الا ان ميس لم تاخذ مشاكل امها وتنقلها الى عش الزوجية.. حتى استطاع زوجها ان يقف على قدميه وحقق لها كل ما تتطلع له من اجهزة حتى باتت شقتها جنة صغيرة.. ورزقهما الله بطفليتين جميلتين وآمن الجميع بان الحب يصنع المعجزات.
سولاف
اقترنت به بعد حب دام سبع سنوات لقد جاهد حبيبها جهاد الابطال حتى يحقق حلمه بالاقتران بها واستطاع بناء عش الزوجية كما يقول المثل طابوقة طابوقة.. وعندما اصبح جاهزا تماما خطفها من اهلها لتكون في بيته معززة مكرمة تلك الحبيبة التي طالما كان يحلم ان يختلي بها ولو للحظات وها هي باحضان قلبه في كل لحظة وحين وهما ينعمان بدفء حبهما ويمدونه كل يوم بحياة جديدة حتى يكون زاهيا زهو ايامها الحلوة الجميلة وجمال ما رزقهم الله بثلاث وردات هي ثمرة من ثمار حبهم الكبير.. وما زالا وفي كل يوم وكانهم في ليلة عرس جديد.. وعرفت سولاف كيف ان تجعل من هذا الحب ينبوعا لا ينضب..
ساجدة
موظفة مجتهدة.. تزوجت زواجا تلقيدا ووافقت بعد ان وجدت فيه الصفات التي كانت تريدها وتتمناها.. وبالمقابل كان هو سعيدا بها لما تتمتع به من مزايا فريدة شكلا وقالبا وتمت مراسم الزواج سريعا وانتقلت ساجدة الى عش الزوجية وبداية حب كبير.. ورغم تعثر ايامها الاولى ببعض المشكلات الا ا نها استطاعت ان تتخطاها بكياستها وحكمتها.
الا انها لم تستطع ان تتعايش مع عمتها ام زوجها وهذه هي مشكلتها الوحيدة.. وصبرت حتى تمكنت من الاستقلال بحياتها الزوجية وبعيدا عن عمتها ام زوجها واوامرها وطلباتها.
ولقد كانت لزوجها خير عون في رسم مستقبله الوظيفي فجعلت منه ان يتخلى عن اعماله الحرة التي لا تكاد تنفعهم شيئا وجاهدت حتى تم تعيينه بوظيفه.. وابتاعت له سيارة ليعمل عليها في اوقات فراغه وهكذا بنت حياتها الزوجية بامن وامان ورزقت طفلا حرصت كل الحرص على تربيته وآهلته للمدرسة قبل ان يذهب اليها.. وهو الان في الدراسة الابتدائية وقد قاطعت كل المعارف والاهل لتعيش لوحدها وزوجها وابنها في عشهم الصغير وتحت جناح الحب الكبير.
ابتسام
جميلة حلوة الحديث ذات عقل وقلب كبيرين واعتبرها الجميع حلالة المشاكل لحكمتها وجرأتها ولكن رغم جمالها وحكمتها الا انها اخفقت في حياتها الزوجية المتكررة.. فزوجها الاول رغم حبه لها الا انه كان من اصحاب النصب والاحتيال مما عرضها ذلك الى مشاكل كثيرة.. وكانت تدفع الغرامات والاموال من اجل ان لا يصيبه سوء.. وحاولت جاهدة من اصلاحه الا انه كان مغامرا كبيرا ولا يمكن اصلاحه واخيرا دفع حياته لطيشه.. وزواجها الثاني والذي كان عن حب عنيف لم يباركه احدا لانها كانت اكبر منه عمرا من جانب ومن جانب اخر ليس هناك تكافئ اجتماعي او مادي.. فكان زوجها من عائلة محافظة جدا ومسحوقة ماديا.. بينما هي من عائلة منفتحة ومستواها المادي جيد ولانها كانت تحبه الحب كله وحاولت اعطاءه شخصية جديدة ومكانة لا تليق به ولا يستحقها.. فلذلك استطاع ان يدرك الاخر مدى حبها له فاستغل هذا الجانب منها ومسح شخصيتها تماما واصبح هو ذلك الرجل المهيمن المتسلط الذي يحكم وينهي بما يريد ويشاء.. حتى في اكثر الاحيان يعاملها بعنف ويقوم بضربها لاتفه الاسباب ويقوم بطردها ليلا فتلجأ الى الجيران او لاهلها.. ورزقت منه باطفال عدة وكانت تتقبل كل ذلك منه وتعتبره رجلا يمارس رجولته.. الى ان وصل الحال بهما الى حد الشكوك.. فكان هو يمارس كل رغباته ونزواته خارج البيت وكثيرا ما كشفت خيانته لها وكانت له علاقات كثيرة مع بائعات الهوى فاصبح يحاسبها حتى على انفاسها وما ان زراهم زائر حتى اتهمها بخيانتها له.. ووصلوا بذلك الى طريق مسدود.. وبعد ان ندمت على كل ما فعلته معه تركت بيت الزوجية واطفالها وخرجت بروحها تنشد الحرية والامان وكان لها ذلك وتنفست الصعداء..
وكانت معاناتها كبيرة بعد ان خسرت الانسان الذي احبته بكل قواها وبعد ان خسرت اولادها الخمسة وكانت بينهم طفلة مازالت في سنتها الثالثة.. فبرز على الساحة قلبا حنونا كبيرا يعرف من اين تؤكل الكتف.. ووقف معها مواسيا ملبيا كافة طلباتها ورغباتها.. واستطاع فعلا اخراجها من دوامتها واحزانها.. وجعلها ترى الدنيا بمنظار جديد من الحب والتفائل والورد والياسمين.. وكان محبا لها وراغبا فيها ووجدت فيه قوة الشخصية مثقفا متمكنا انيقا على عكس ذلك الذي كانت تحبه.. وقضت احلى ايام عمرها معه.
وكان قد وعدها بحياة لا يمكن ان تجد فيها شيئا من الماضي.. وانما حياة مليئة بالافراح والمسرات.. وبكل ما هو جديد واول قواعدها الاحترام والحب المتبادل وتم الزواج على كل تلك الاسس والاتفاقات.. ودارت الايام وعاشت ابتسام حياة جديدة وشعرت لاول مرة بقيمتها كامراة حرة تعبر عن ارائها وطلباتها ورغباتها.. واخذت شيئا وشيئا تستعيد شخصيتها التي ذهبت ادراج الرياح في ذلك الزواج..
وعمدت ابتسام على اقامة بيت جديد وضعت فيه كل خبرتها كامراة وكل ما تملكه من نقود وبمساهمة من زوجها وكونت بيتا رائعا وكانها بذلك تتحدى زوجها السابق بانها قادرة على العيش بدونه.. وان يكون لها عش اجمل واحلى من عشه ورغم كل ذلك هناك جرح عميق في صدرها وفي صميم قلبها قد تركته الايام دون ان يلتئم او يشفى وسرعان ما ظهرت بوادر جديدة على حياتهم الزوجية فزوجها اصبح يغيب عن البيت كثيرا وحتى ساعات متاخرة من الليل بقضيها برفقة اصدقاءه في النوادي والملاهي ولا يعود الى البيت الا مخمورا الى درجة لا يستطيع معها الوقوف. ثم حاولت جاهدة من منعه من اصدقائه ما امكنها ذلك فطلبت منه اذا اراد ان يشرب فليشرب في البيت.. فوافق على ذلك دون فائدة فانه ايضا يعود مخمورا ثم يكمل في البيت.. كما كان يقصر عليها ماديا.. واستطاعت ان تعرف انه وزملاءه يرتادون النوادي للعب (الدنبلة) او يخرجون وبرفقتهم واحدة او اثنتان من الصبايا من بائعات الهوى وعندما كانت ابتسام تنافشه وتشتد معه يترك بيت الزوجية لفترة شهر او تزيد ولا يرجع الا بعد مناقشات واتفاقات.. وتكرر الامر مرات عدة.. وكانت هي بالمقابل زوجة مثالية تعرف ما عليها من حقوق وواجبات ولم تقصر بحقه في امر من الامور.. ولكنها لاحظت في الاونة الاخيرة انه ينام معها دون ان يلسمها كما يدير ظهره لها وينام وكانها غير موجودة .. وعندما تحاول الاقتراب منه يعتذر لها بانه تعبان ويريد ان ينام.. وعندما ناقشته بالامر اخيرا قال لها بالحرف الواحد: اعذريني انت ممتلئة بعض الشيء وليس عندك ما يستهويني او يثيرني..
محمد عباس اللامي- بغداد