بلاغة الكلام.. وبلاغة إلقاء الكلام – نهاد نجيب

بلاغة الكلام.. وبلاغة إلقاء الكلام – نهاد نجيب

يمثل فن الكلام قطاعا رئيسيا في حضارة الانسان وهو لذلك يرتبط به في رحلته الطويلة عبر الاجيال من خلال التطور الثقافي الحاصل ..وفن الكلام او الالقاء يتشكل بالتبعية وفقا لملامح كل عصر وفكره واحاسيسه ووفقا لملامح كل بيئة.. ولقد اعتبر بعض الفلاسفة ومنهم العالم (الجاحظ) فن الكلام احد المحركات الرئيسية السامية للبشر….

هناك صلة وثيقة بين الكلمة والقائها وجو الالقاء وظروف الاداء..وهنا لسنا في حاجة الى تفعيل ذلك مادمنا سنصل بهدفنا في فن الالقاء الى الغاية المرجوة..وهي القدرة الكاملة على الكلام في حروفه وكلماته.. ثم نبراته ونغماته.. وفي مخارج حروفه وصفاتها.. ومن اجل تحقيق الفخامة والبلاغة اللفضية وفي حاجتنا الماسة الى تطبيق رقابة (الالقاء) وخاصة فيما يتعلق بصناعة المذيع بعد توفر شروط مقوماته الاساسية (الصوتية واللغوية) نحتاج الى اساتذة خبراء من الرواد الاذاعيين المتمرسين في علم الصوت وفن الالقاء وقواعد اللغة العربية وليس كل من حصل على شهادة الدكتوراه في الاعلام واللغة العربية (نظريا) يصلح ان يكون استاذا (عمليا)في مجال تدريب المذيعين..

وانا شخصيا من خلال تجربتي وممارستي العملية الطويلة التي تمتد الى نصف قرن اعلم علم اليقين ان هناك من حملة شهادات الدكتوراه يصرحون بين حين واخر انهم بصدد اقامة دورات لتدريب المذيعين ومن المضحك الباكي انهم هم اساسا بحاجة الى التدريب ومعالجة اعوجاج ادائهم ومخارج حروفهم ونبرات اصواتهم..

ومن هذا المنطلق اخاطب من يغامر ان يضع نفسه مدربا للمذيعين بحجة انه قد حصل على درجة الدكتوراه في هذا المجال الخطير..اقول له:

عزيزي الدكتور..هل انت مذيع بمستوى شيخ مشايخ المذيعين الراحل سعاد الهرمزي؟ وهل انت فقيه في اللغة العربية بمستوى العلامة الراحل الشيخ جلال الحنفي؟

وهل انت بمستوى بمستوى المشاهير كلادس يوسف ..امل المدرس.. هدى رمضان.. ابراهيم الزبيدي.. احمد الحسو.. سليم المعروف.. عبداللطيف السعدون.. رشدي عبدالصاحب..مقداد مراد..غازي فيصل وغيرهم فهم كثر..؟

اذن هل عرفت تأريخ اساتذة الالقاء ؟هل عدت الى الجذور واستكشفت البذور الاولى؟ فاذا لم تتطلع على ذلك التاريخ فاسرع لقراءة كل ما كتب عن الثقافة الأدائية الرصينة بكل تفاصيلها اذ ليس من المعقول ان تمتهن مسؤولية صناعة المذيع وتدريبه وانت بحاجة الى التدريب ولا تستشير اساتذتك الذين تتلمذت على ايديهم وانت لا تعرف شيئا عن ماضي مهنتك وسيرة اسلافك..لا تقل ان ذلك لا يهمك ان تعرفه ولا تقل لي انك حاصل على شهادة الدكتوراه فمئات الذين حصلوا عليها وخاصة بعد عام الاحتلال 2003 الى يومنا هذا معظمهم لا يفقهون شيئا عن اختصاصهم ولا يعرفون معنى كلمة (الجنة) بكسر الجيم..

عزيزي الدكتور انصحك قبل ان تباشر بتدريب المذيعين المساكين الذين وثقوا بك ..درب نفسك على فن الالقاء وسلامة قواعد اللغة العربية ومخارج حروفها لتعينك على ان تعرف مقومات صناعة المذيع وان تعرف الاداء السوي من الاداء المريض.. ومن حسن الوفاء وصدق العاطفة وكرم التقدير ان نذكر دائما اساتذتنا الاذاعيين والاعلاميين الذين اثروا بلاغة الكلام وبلاغة القاء الكلام ومقومات مهنتنا الادائية الراقية باثارهم الخالدة..اننا ندين بالفضل والامتنان لاساتذتنا الرواد الاعلام النابهين الذين استطاعوا ان يحافظوا على هوية فخامة الاداء السليم للغتنا الجميلة وفتنة نبرات اصواتهم التي اصبحت مدارس للمتعلمين والتي لم يستطع ان يحافظ عليها الكثيرون في يومنا هذا وزمننا هذا..وهناك فرق كبير بين من يدعي الاستاذية في الاعلام بحجة حصوله على الدكتوراه وهو لا يفقه شيئا في التطبيق العملي في علم الصوت وفقه اللغة وادائها (عمليا)ايضا وبين اساتذة اذاعيين مقتدرين ممن لم يحصلوا على شهادات عالية بل كان البعض منهم فطريا لم يتعلم اصول المهنة في اي معهد اوكلية ولكن موهبته كانت تشفع له فيسمعك ثقافة ادائية رصينة ولغة سليمة تبدو وكأنها من صنع دارس قدير وقد استثمر مذيعونا الرواد مواهبهم احسن استثمار فطارت شهرتهم عبر حناجرهم الذهبية واتخذنا تجاربهم واساليبهم في بلاغة الكلام والاداء نهجا ثابتا لنا لا يتغير وهذا لا يعني ان الاعلاميين الرواد لم يكونوا من حملة الشهادات العليا بل كان معظمهم من خريجي الجامعات ومن حملة الدكتوراه ايضا ومن اساتذة الكليات المختلفة ومن الاطباء والمحامين ومن الشعراء والكتاب المشاهير…

واخيرا لا نملك الا ان نقول..

رحم الله امرءا عرف قدر نفسه.

مشاركة