عبدالهادي كاظم الحميري
من مزايا عصرنا هذا أن الأخبار بكامل هولها تدخل علينا غرف جلوسنا حال حدوثها لنعيش الحسرة والآلام مع البشر الذي يكتوي بنارها أمام أعيننا دون أن نستطيع فعل أي شيء.
دخل زلزال العراق بيوتنا يوم واحد تشرين /أكتوبر عندما خرج فتيان وفتيات العراق في حشد عارم يطالبون بحقهم في العمل والعيش الكريم. صالت عليهم قوات مكافحة الشغب تحت غطاء عجلات الماء الحار وتسلل من بينها ومن على السطوح المطلة على الساحة القتلة والقناصين فتهاوت قامات الشباب في ساحة التحرير بين جريح وقتيل. حركت الغيرة العراقية سواق التكتك المعدمين فخاضوا غمار الدخان وتجاهلوا لعلعة الرصاص ورفعوا الشهداء والجرحى الى المستشفيات ولا ينسى أبداً منظر المرأة العراقية الفقيرة بائعة المناديل الورقية التي كانت تركض ولهانة بين الجموع توزع مصدر رزقها على الشباب ليمسحوا به أجسادهم المبتلة بعرق المنازلة، لتستمر المظاهرات بعد ذلك ويستشهد فيها المئات ويجرح ويعوق الآلاف من الشباب.
ودخل زلزال بيروت بيوتنا يوم 4 آب عندما صعدت من مستوى ارض الميناء فُطرَة بيضاء هائلة اكتسحت في صعودها واتساعها وجه البحر وأميال من بيروت عديدة اقتلعت البشر والحجر ضمن قبتها ودمرت المباني والممتلكات وتركت الناس قتلى وجرحى وهائمين على وجوهم حيارى في هول هذا الحدث. ولترد بعد الحدث أخبار الفواجع بالصوت والصورة مثل فريق الإطفاء من الشباب الذي باشر بإطفاء الحريق الأول لتبتلعه بعد ذلك فطرة انفجار نترات الامونيوم والأخوة الثلاثة في ريعان الشباب ضمن هذا الفريق وحال ذويهم وغيرهم.
كان الزلزالان الضربة التي قصمت صبر الشباب والناس في البلدين وأظهرت تقصير الطبقات الحاكمة في البلدين وكشفت عُريَها كطبقات فاسدة لا يهمها أمر رعاياها وقطعت حبال ادعاءاتها وزيفها عبر السنين.
استوعبت الطبقة السياسية العراقية بعض الدرس من زلزالها فأزالت واجهتها عن الحكم وشرّعت بعض القوانين وأتت بعد مخاض عسير بشخص السيد مصطفى الكاظمي الذي يبدو أن لديه استقلالية ورأي لينقذها من مأزقها الذي أضاف له وباء كورونا ونزول أسعار النفط أحمالاً جديدة ليصبح أمر الإنقاذ شبه مستحيل. بينما شرعت الطبقة السياسية اللبنانية تبحث عن النسخة اللبنانية من السيد مصطفى الكاظمي علها تكسب به متنفسا ومنقذا من مأزقها. إن نجاح الطبقات السياسية بالعبور بلبنان والعراق الى بر الأمان بأقل الخسائر وبدون نزاعات مسلحة يحتم عليها ترك الكواظم ليتدبروا أمر البلاد الاقتصادي ويديروا علاقاتها الخارجية بدون إملاءات من تلك الطبقات السياسية والأهم والأخطر من ذلك أن تفك هذه الطبقات ارتهانها وشراكتها مع العناصر المسلحة خارج إطار سيطرة الدولة وأن تعمل على الفور على اقناع قادة تلك العناصر بالتخلي عن طروحاتهم وقبول الشكر والعرفان عن تضحياتهم السابقة والتخلي عن سلاحهم لصالح القوات الشرعية في البلدين والانخراط في العمل السياسي لطرح ما يريدون لأن الدفاع عن البلد هو واجب القوات المسلحة الرسمية فقط في كل بلدان العالم فسلاح الدولة والسلاح خارج إطار الدولة لم يسبق لهما أن تعايشا في السابق في أية دولة دون إضعاف أحدهما للآخر أو القضاء عليه. وبدون حصر السلاح بيد الدولة في العراق ولبنان لا أمان ولا استقرار ولا استثمار ومزيداً من البؤس والدمار.