بعد اللّتيّا والّتي، والّتي واللّتيّا – لطيف القصاب

 

بعد اللّتيّا والّتي، والّتي واللّتيّا – لطيف القصاب

أشدّ ما أقاسيه في هذه الدنيا مما يتعلّق بشؤون المهنة وشجونها هو وجود بعض الأساتذة المتشددين لغويًّا، ومنهم أساتذة أحدث منّي سنّا، وأقلّ تجربة وثقافة كنتُ قد تتلمذت على أيديهم في وقت من الأوقات، وأشدّ من هؤلاء غثاثة وسماجة بعض المتطفلين على الاختصاص ممن يحسبون أنّهم على شيء، وهم ليسوا بشيء! يمارسون برأسك الأستذة وهم أبعد ما يكونون عن درجة التلميذ النبيه المهذّب فضلا عن رتبة الأستاذ النابه الفاضل…

وعلى أيّة حال، وبعيدًا عن جو المهاترات الذي لم يعد يتناسب مع عمري، واقترابًا من عنوان المقال القصير هذا، فـ (اللّتيّا) هي تصغير لكلمة «الّتي» وهي على لغتين:

اللَّتيّا بفتح اللّام واللُّتيّا بضمها…

وقد ورد هذا التعبير في كلام للإمام علي عليه السلام عقب حادثة السقيفة، فقال ما نصّه:(( فإن أُقُل يقولوا: حَرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا والتي، والله لابنُ أبي طالب آنسُ بالموت من الطفل بثدي أمّه))…

وقول العرب:( بعد اللّتيّا والتي ) بمنزلة الكلام المأثور أو المثل السائر، وقد قيل في أصله أن رجلاً من العرب العاربة تزوّج امرأة قصيرة القامة فقاسى منها الويل والثبور وعظائم الأمور، وكان يعبّر عنها تكريمًا أو تحقيرًا بالتصغير! فلبث معها دهرًا ثمّ طلّقها وتزوّج بعدها من أخرى فارعة الطول، فقاسى من هذه أضعاف ما قاسى من القصيرة فطلقها بعد لأيٍ أيضًا، فلمّا عرضوا عليه التزويج من ثالثة قال على البديهة : ((بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبداً)) فجرى ذلك بوصفه مثلًا، أو كلامًا مستملحًا. وعلى المستوى الشخصي فإني أذكر التعبير آنف الذكر عادةً بصيغة: ((بعد اللّتيّا والّتي، والّتي وللّتيّا)) طلبًا للتوكيد، وبضم اللام لا بفتحها. وقد اعترض على مسلكي هذا -بلغة جازمة- أحد مشرفي اللغة العربية المتنطعين زاعمًا أن (لام اللتيا) لا تحتمل إلا حركة الفتح وحدها، وذلك حين جمعنا قبل أيام ميدان التظاهر أمام مديرية كربلاء انتصارًا لحقّ من حقوق المعلّم التي أريد نهبه، واغتصابه، ولم يفلحوا ولله الحمد من قبل ومن بعد. أقول فرددتُ ذلك المتنطّع بلغة أكثر جزمًا، وحدّة، وربما اختلط معها شيء من الوقاحة، والتبجّح من حضرة جنابي…

مشاركة