باكستان من أزمة إلى أخرى – هشام داود
الوضع الباكستاني المضطرب سياسياً واقتصاديا منذ أكثر من عام تقريباً ما هو إلا مؤشراً واضحاً على عدم الاستقرار الداخلي. إضافة إلى تدخل الجيش الباكستاني في السياسة الداخلية والإطاحة بقيادته المنتخبة (حكومة عمران خان) يعد امراً مؤسفاً للشعب الباكستاني الذي يعاني من دولة عميقة ويعتبرها ثالوث غير مقدس مكوناً من (الجيش + المخابرات + العديد من المنظمات الإرهابية العاملة تحت رعاية الجيش) والتي تضع في اعتباراتها مصالحها فقط وتتجاهل كل ما ينفع الشعب.
ان حالة عدم الاستقرار السياسي المتزايد في باكستان ترجع إلى نيسان 2022 عندما خسر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان التصويت الخاص بمنح الثقة لحكومته، ويلقي عمران خان باللوم على قائد الجيش آنذاك الجنرال (قمر جاويد) بتدبير مؤامرة مع كل من رئيس الوزراء الحالي (شهباز شريف) وقائد الجيش الحالي (عاصم منير) وهو أحد مساعدي قمر جاويد والذي منعه عمران من منصب رئيس المخابرات، كما ألقى عمران باللوم أيضا على الإدارة الأمريكية في الإطاحة به لشعورها بأنه يقترب من روسيا، وخاصة عندما قرر زيارة موسكو في اليوم الذي هجم فيه الرئيس بوتين على أوكرانيا ورفضت أمريكا ذلك وتمكنت بعجالة من تشكيل حكومة ائتلافية تضم الخصمين السابقين شهباز شريف ووزير الخارجية الحالي بيلاوال زرداري.
من الواضح بشكل صارخ أنهم كانوا في حالة مبالغة لمضايقة عمران واستبعاده قانونيا من الانتخابات البرلمانية المقبلة اواخر 2023، ما أدى إلى تزايد عدد أنصار عمران الذين أصبحوا هائجين داخل باكستان وقاموا بأعمال تخريب كثيرة بما فيها مواقع تجميع الجيش ولأول مرة على الإطلاق في تاريخ باكستان.
وفقاً للإحصائيات فإن شعبية عمران خان تزداد وتقترب من 60 بالمئة بين الباكستانيين، ولذلك فلا الجيش الباكستاني ولا النظام السياسي يمكنهما أبدا تقبل شعبية عمران وسيبذلان قصارى جهدهما لتهميشه.
مع خروج عمران خان من السلطة جاءت الولايات المتحدة بحجة مساعدة باكستان من خلال التأثير على صندوق النقد الدولي للموافقة على مجموعة من المساعدات المالية، كما عرضت كل من الصين (صديقة باكستان) ونوعاً ما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة انتشال باكستان من أزمتها المالية.
نفوذ باكستان
منذ أكثر من ثلاثين عاما كانت المخابرات الباكستانية ترعى طالبان في صراعاتها ضد القوات الأمريكية، ولكن عند اجلاء القوات الأمريكية لاراضي أفغانستان في آب 2021 تخلصت حركة طالبان الأفغانية من نفوذ باكستان واتبعت سياسات داخلية وخارجية مستقلة، وهذا التجاهل من قبل طالبان اعتبرته باكستان بمثابة انتكاسة وخاصة الجنرال منير الذي كان مفرط النشاط في وقت سابق ويدير عمليات استخباراتية خلف الكواليس.
وباكستان الآن تشرب من ذات الكأس نتيجة ما زرعته، اذ بدأت بتلقي هجمات في الداخل وبدعم من طالبان الأفغانية، والغريب أن مركز السلطة الجديد في باكستان بيد الجنرال منير الذي وصف الهند مراراً بأنها تهدد الامن الإقليمي (ربما لإرضاء حلفائه الصينيين) لكن الهند تجاهلت ذلك حتى انها لم تعلق على ما شهدته باكستان من اضطرابات قبل عام.
ومنذ آب 2019 لحد الآن والهند تتجاهل التصريحات من هذا النوع، خاصة وأن الوضع الأمني في كشمير قد تحسن بشكل كبير وهذا يدفعها نحو الابتعاد عن التصعيد إلا أنها تراقب مكائد باكستان بشكل جيد، وباكستان تدرك ان العقاب عسير إذا ما تورطت بأعمال ضد الهند.
وبشكل عام ينذر السيناريو السياسي في باكستان بأن الجنرال عاصم منير الذي يزداد حزما سيكون الشخصية الحاكمة حتى بعد إجراء الانتخابات العامة، سواء في تشرين الأول أو بعده، والمثير للدهشة أن الولايات المتحدة التحفت الصمت بشكل عام بشأن الفوضى في باكستان بسبب تزويد الأخيرة ببعض الأسلحة والذخيرة لأوكرانيا المحاصرة المدعومة من أمريكا، وكما هو الحال يستعد الجيش الباكستاني للعب دور أكبر بكثير في حكم البلاد وهذا يعني ان لا انفراج محتمل في العلاقات الهندية الباكستانية في المستقبل القريب.