انكسارات مرئية لياسين شاملسرد واقعي بصيغة متخيلة

انكسارات مرئية لياسين شاملسرد واقعي بصيغة متخيلة
قراءة ربيع عودة
بعد مجموعته القصصية الأولى ــ كرسي بالمقلوب عشر قصص التي صدرت عام 2008 أتحفنا القاص ــ ياسين شامل ــ بمجموعته الثانية ــ انكسارات مرئية ــ تسع عشرة قصة في 2012.
أطلّ علينا قلمه من جديد عبر نافذة الواقعية في الأسلوب والمحتوى والرؤى، رغم تفرد بعض قصص هذه المجموعة بصياغة التخيل القصصي، إلا إنها جاءت وكما تعودناه مرصّعة بشذرات الواقعية المحضة بطريقة السهل الممتنع .
أي إن ديناميكية النص القصصي توحي عن بدء ولادة ــ الرواية ــ التي ما زالت تستمر تحت جلباب الواقعية ذات النفس الطويل في عملية السرد الفني.
من هذا تنبئنا كتابات ياسين شامل عن تبلور وصيرورة بدء الرواية التي لابد منها فقصصه جميعاً، هي انطلاقة البدء لثمار مرئية روائية تتحرك وتتوق إلى إن تظهر من بين أغصان شجرة الكتابة السردية، ابتداءً بتجربة كتابة القصة شأنه شأن الكثير. الكتاب، تماماً كالذي يمسك بين يديه مسكة انهار جاريه لا تتوقف هي تتأمل في لجاجة وعباب البحر و حتماً ستبحر أشرعته التواقة بسفينة واقعيته العذراء نحو ذلك الحلم.
القصة عند ياسين شامل عجلتها تدور وينابيعها تتدفق بدراية نحو محور ــ الرواية ــ كأنه في حلم تتبلور فيه رؤى أفواج النحل على عسلها المنشود الغابة ، وحتما سيبدأ العوم عبر المسافات الطويلة مبتدأ من مرفأ القصة نحو بحر الرواية الواسع بما يمتلكه من جدارة وخبرات واضحة حد الإقناع بأنه سينجح حتماً في هذا المضمار.
حينما اقرأ سطور قصص ياسين شامل تعود بي الذكرى للروائي عبد الرحمن منيف الذي كتب قصة حب مجوسية ــ حتى سباق المسافات الطويلة وغيرهما. ولم لا يكون هذا القاص روائياً، فهو الذي عرشت فوق رأسه عساليج النخيل ، والعنب الياقوت، وعام في مياه الشطوط وطاف بين الريف وأزقة المدن المكتظة ولمحت عيناه بعض صور ومفردات الحياة اليومية لبعض دول آسيا وأوربا، وهو الذي التهب قلمه الحاذق بحرارة شظايا الحروب والتدمير والنزف وبآلام البسطاء من الناس المغلوبين على أمرهم أمثال أحمد العراقي ــ قصة الوجوه في مجموعته الأولى ــ كرسي بالمقلوب ــ والأستاذ عبد الدايم ــ في مجموعته الثانية انكسارات مرئية ــ ناهيك عن قصص مشاهد الحرب والأزيز والدماء المسفوكة ببرود.
وحسبي أن اعترف بالقول حول مدلولات عنواني مجموعتيه الهندسيتين ، كرسي بالمقلوب ، انكسارات مرئية ، فلقد جاءتا باللاشعور من عقل مهندس
قوائم وأضلاع ومقاسات هذا الكرسي المقلوب، المقننة حسابياً، وبتلك الانكسارات المرئية، لا يحسن وصف دقتها إلا المهندس الأديب حقاً.
الذي سكب سايكلوجيته المهنية بغير قصد منه إلا من عرفه عن كثب، يستطيع اكتشافها بشكل ذكي وكذلك الآخرون.. فهو يختار المكانات المفروزة المحددة ، وغيرها من الصور والبيانات ذات الأبعاد الواقعيه وكأنه يرسم خرائط القصص رسماً بالكلمات على الورق.. ، ولكن بباصرة أديب مفتوحة الفضاءات وكأنه يعطي الحرية للمتلقي إن يكمل ما انتهى به.
إن كتابات القاص ياسين شامل هي كغيرها في عوز إلى ــ نكهة الوصف الرومانسي ــ رغم ارتباطها بخيوط الواقعية المحضة. على الرغم من إن كتاباته السردية لا تعني فقط نقل الحالات كما هي فحسب، بل يعطيها من إحساسه ونفسه ويتفاعل وجدانيا مع الحدث بحيث يبدو موقفه واضحا جليا دون تردد. وهذا سر جماليات كتابات ياسين شامل . مضافة إلى ذلك انه حين يضع يده على مواضع الجرح، نراه بالمقابل يحمل في يده الأخرى أدوات معالجة مثل هكذا جرح إنساني ومعنوي فيحشر نفسه عن عمد في خضم الحدث والمأساة بلمسات واضحة، وهذا هو لسان حال الأديب والشاعر، فهو المرآة الصادقة التي تعكس الحدث وبنفس الوقت يعطي وجهة نظره الصحيحة من خلال سياقات الدراما القصصية.
/8/2012 Issue 4274 – Date 11 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4274 التاريخ 11»8»2012
AZP09

مشاركة