
الى وزير التعليم.. أين يموت كبرياء العلم؟ – شكرية السراج
لم أكن أعلم، وأنا أعبر نهر النيل أنني سأعبر في ذات الرحلة، جسراً من المشاعر المتعاكسة، جسراً يصل بين ضفتين، ضفة حيث يرفع قدر حملة العلم العراقي إلى عنان التكريم، وضفة أخرى حيث يغيب ذاك القدر، أحياناً، في زوايا النسيان والجحود.
جلست عضواً في قاعة المناقشات بكلية الآداب جامعة المنصورة قسم الاعلام في لجنة الحكم على أطروحة دكتوراه علمية لمناقشة موضوعا خطير يدور حول الاعلام والامن المائي في العراق، لم يكن تكريمي شخصياً مجرد لمسة ود، بل كان إشارة عميقة من علماء عرب تعلن: هنا.. يحضر العراق بكل إرثه الحضاري! ثم جاءت اللحظة الأكثر دلالة، حين أسندوا لي، بكل ثقة وتبجيل، شرف قراءة قرار التقدير على الطالبة، يداي اللتان حملتا القرار كانتا تحملان في الحقيقة صوت بغداد عندما كانت «أم الدنيا» حقاً.
لكن المفارقة التي تطعن القلب، وتذيب فرحة العودة، هي في العودة ذاتها! نعبر الحدود عائدين، فنجد أنفسنا، لدى العودة، أمام جدار من الجفاء المحلي المريب، يكرمنا الغريب لأنه يرى فينا ظل بيت الحكمة، ويصارعنا بعض بني جلدتنا لأنهم لا يرون فينا سوى أرقاماً في جداول، أو منافسين على مكاسب ضيقة تذوب في وهج الشهادة التي نحملها.
إنه السؤال المأسوي: لماذا يعرف المصريون قيمتنا أكثر من بعض أهلنا؟ ولماذا تحاصرنا في وطننا إجراءات بيروقراطية كتبت بأقلام لا تعرف رائحة الحبر العلمي، ولا تقدر وقت عالم يمكن أن يغير بمحاضرة واحدة مصير جيل كامل؟
يا سيادة وزير التعليم العالي المحترم.. نحن لا نطلب المستحيل، ولا نرغب في أوسمة مزيفة، نطلب شيئاً واحداً: أن تعامل كرامة الأستاذ الجامعي في بغداد، كما تعامل في القاهرة، أن يسمع صوته عندما يبدي رأياً، أن يقدر وقته حين ينجز بحثاً، أن يحتفى به عندما يعود مظفراً من محافل العلم العالمية، لا أن يستقبل بملفات متراصة وأختام باردة.
العالم شجرة، إذا سقيت في تربتها الأصلية، أثرت لأمتها كل الخير، وإن أهملت فحتماً ستجد من يقطف ثمرتها في بساتين الآخرين، فهل نريد لعراقنا أن يكون بستاناً لأشجاره، أم سوقاً لتجارة أزهاره الذابلة؟
لن يعاد مجد بغداد إلا عندما نبدأ بخطوة بسيطة وعميقة معاً وهي، أن نحني رؤوسنا احتراماً لكل يد تمسك بطبشورة، وتكتب على السبورة أول كلمة في طريق المعرفة: «اقرأ».


















