الوطن يغرق بعبارة الموصل – ياس خضير البياتي

شهق الناس

الوطن يغرق بعبارة الموصل – ياس خضير البياتي

قلنا اكثر من مرة ،وقال اهل الموصل الكرام ، الموصل تنتظر طوفانا جديدا ،وكوارث مبتكرة، وفساد ينخر مثل سوسة الخشب، ومدينة تنظر احزانا جديدة ،وافعالا لايرضى الله ورسوله لقتل ماتبقى من حياة وشجر،وجعل ام الربيعين خريفا لاتورق ، بعدما كانت تزهو بربعيين تنثر الرياحين والمحبة والسلام والياسمين على ارض مقدسة بالانبياء والائمة والصالحين، لكن صرخات الاستغاثة تذبح ذبحا في مجازر الفاسدين ،ومزارع حقد السياسيين وامراضهم الطائفية، لأن المرسوم الجمهوري قد صدر بزوال تاريخ المدينة ،واعدام من عليها ،بعد مسرحية  دخول داعش الارهابي الآمن، وخروجهم بتدمير نصف المدينة ،وتجريف  التاريخ والجسور والجامعات والمدارس والمستشفيات ،وتهجير الملايين من البشر ،فماذا تبقى في هذه المدينة، الا عبارة قديمة تعود الى الدولة العثمانية ،لتقتل فيها آخر افراح اطفال الموصليين وابتساماتهم البريئة ،وتنحر فيها آخر آمال الاباء والامهات في يوم حزين غرق الوطن فيها بعبارة الموصل.

 لاتحدثني اليوم عن طائفتي وقوميتي وديانتي ،عندما اكتب عن مدينة عراقية كانت تسمى ام الربيعين،فقد ابيدت عن آخرها ، وبقيت مجرد أنقاض وذكرى ومواقف تشهد على فعل فاعل حاقد مع سبق الاصرار،وعلى بربرية لامثيل لها في التاريخ ، وحقد شعوبي مستورد ،وديانة مبتكرة لتشويه اصل الدين ،نعم لاتحدثني عن اسم عشيرتي وطائفتي وقوميتي لانني اكتب عنها بهويتي العراقية الوحيدة ،مثلما افعل مع البصرة والعمارة وبابل والانبار وديالى وصلاح الدين واربيل ،وباقي المدن العراقية، عراق ..ليس سوى العراق . واذا كان هناك من هو مهووس بالطائفية ،وبالاموات التي يحكمون عقولنا ومصائرنا،ومصدر موتنا وأقتتالنا وتخلفنا ،فأنني خارج هذه التغطية الجاهلية التي تفرق بين مدننا وانساننا،وتحاول رفع الخيمة العراقية من على رؤوسنا لتكون قادرة على اصابتنا بقذائف الطائفية ،وتقسيمنا الى مذاهب وطوائف وعشائر وقوميات ،ليصبح العراق هامشا بلا لون وطعم ،وخارج العقل والوجدان! لا تحدثوني عن عبارة الموصل ،فهي الرمز لعراق اليوم ،المتهالك ،المشتت،المنقسم،المريض بالفساد والطائفية ، المنخور بالحزن والفقر والجوع والعطش ،الباحث عن الامل المفقود في عبارة حديثة تنقله الى وطن يفتح ذراعيه بحنان الى اهله ، وقلب كبير متسامح ،وابوة ناضجة تتعطر بالحكمة والموعظة . فأي عبارة نتحدث عنها اليوم ،وقد قتلت الامهات والابناء ،مع سبق الاصرار ،بسبب فساد الابناء وظلمهم وجورهم وطمعهم ،لأنهم لايخافون الله والوطن . لاتقل لي كيف كانت الموصل ،ناسها ونهرها وشوراعها وأحياءها ومبانيها ،لانني لم ارى الا مدينة أخرى لاتشبهها تاريخا ،مدينة اشباه ازيلت عنها كل مقومات الحياة ، وسلبت منها تاريخها ،وطمست معالمها الحضارية ،وأختفت (ام الربيعين) الواقع والحلم ،لتظهر على أنقاضها أحياء مدمرة بالكامل مع ساكنيها ،وشوراع متهالكة ،وتلال من أكداس النفايات ،وروائح لجثث مازالت تحت الانقاض، ونسمات لهواء مثقل بروائح المجاري والسواقي ، ورايات سود وخضر وصفر ، يتنافسون بلا خجل على سرقة خيراتها واثارها ، ويتابهون على مدينة أنقاض بلا حياة! كم اشعر بالخجل والعار كعراقي ،عندما اسمع آنين الناس الاحياء والاموات ،وهي تناجيك بحرقة الفؤاد، انا ابنكم ياعراقي ،لماذا هذه القسوة المستوردة ،وهذا الظلم القاسي المزروع في حقول الظالمين . كم اشعر بالعار حقا عندما ار (المدينة القديمة)،كأنها مجرد تاريخ من الماضي،وقصص حب قديمة،ومورثوات شعبية زائلة ،ومآذن وكنائس مهدمة ، واطفال يبتسمون للحزن ،وامهات صابرات يحلمن بعودة ابنائهم الاحياء والاموات على السواء . مدينة انقاض تزدحم بذكريات الاباء والاجداد ،وتنتظر حلم التاريخ والانسان والنهر عبارة الموصل ،هي شهادة موت لضحايا الفساد والحقد ،لكنها لن تكون عبارة لموت المدينة ،ونهاية شعب متمرس في صناعة التاريخ والجغرافيا ،انها عبارة الامل لحياة مضيئة أخرى ،نعم هي احزان العبارة ،وشهادة للشهداء الاحياء،لكنها درس كبير تضاف لمدرسة الموصل، ان الناس فيها يتألقون ابداعا في اعادة الحياة لمدينتهم وأحيائهم ومدارسهم وجامعاتهم بطريقة تسر القلب ،بعيدا عن الدولة المشغولة بتقاسم النفوذ والمال وتدميرالعباد .لقد تاسست في هذه المدينة بعد هذه القيامة الكبيرة قواعد سلوك جديدة للموصلي العراقي ،هو التلاحم الاجتماعي الذي قل نظيره ،فقد برزت بقوة (نكران الذات)، وارتفع منسوب ( التضامن الاجتماعي ) الى اعلى مستوى ،وشاعت ثقافة (التطوع ) بين الشباب بين الاحياء والمدينة، وابدع الناس في ابتكار صناعة الوجود ،حتى لتشعر أن هناك مدنا جديدة ستظهر بعد الانقاض ، وان حياة جديدة ستبزغ من بين هذه المأسأة .وهذا هو تاريخ العراق ، وتاريخ الموصل . ما زلنا هنا وما زلنا أحياء!

مشاركة