الوطن والمواطن والمال العام

الوطن والمواطن والمال العام

 

                 سمير الدليمي

 

قال علماء الانثروبولوجيا أن الانسان في بداية خلقه سكن الكهوف محتمياً بها من الظروف الطبيعية ومن الحيوانات المفترسة وبقي على هذه الحالة الى أن كيّف نفسه للعيش ومقاومة المخاطر، فكان يأكل الحشائش، وبعد ذلك كيف نفسه لصيد الحيوانات حتى يقتات على لحومها وكان يستخدم آلات بدائية لذلك الغرض، بعد ذلك تطورت المدارك العقلية للانسان وشكل تجمعات صغيرة فاصبحت مهمة الانسان اسهل في الدفاع عن نفسه واتخاذ التدابير البسيطة لحماية هذا التجمع الصغير وكذلك أصبحت مهمة الحصول على الطعام أسهل من خلال التعاون بين أفراد هذا التجمع، لكون أصبحت هذه المهمة مهمة جماعية واستمر الانسان بالتطور وتوسعت مداركه العقلية اكثر حسب التطور الزمني وحسب تطور حاجاته، حتى سكن المدن والحواظر واصبح مدنيا بطبعه لذلك قال ابن خلدون في نظريته (ان الانسان مدنيُ بطبعه فعمّر الاوطان والحواظر وتطور العلم والتقنية واستناداً لذلك أصبح كل انسان يمتلك بيتاً أو محل إقامة، فكلمة وطن جاءت من الفعل (وطن واستوطن) فالفعل وطِنَ موطناً اي سكن بيتاً او منزلاً. او محل إقامة الانسان حيث قال الشاعر رؤية:أ

 

وطنت وطناً لم يكن من وطني

 

 لو لم تكن عاملها لم اسكن

 

فنستدل بأن الوطن هو محل سكن الانسان واقامته، فوطنت الارض توطيناً واستوطن الارض اي اتخذها وطناً ومسكناً، أما المواطن هو الانسان الذي يسكن الوطن أي الارض التي يقيم عليها وينشأ الدار أو المسكن، من خلال المفاهيم التي مرّت بنا نستدل على أن الوطن هو المكان الذي يسكنه الانسان أو يقيم فيه، ومجموعة مواطن أو مساكن تساوي الوطن الكبير وتساوي مجاميع الناس التي تسكن هذا الوطن ونطلق عليهم كلمة مواطنون فالمواطن هو الانسان الذي يسكن ويعمر الوطن، فالوطن الصغير هو البيت والوطن الكبير هو مجموعة كبيرة من البيوت وتطورت هذه الكلمة في الوقت الحاضر فاصبح الوطن هو البلد والذي يتالف من مجموعة ولايات او محافظات فمثلا وطننا العراق يتالف من ثمانية عشر محافظة فأذن أصبح لدينا وطن ومواطن فالوطن هي المساحة الواسعة من الارض التي سكنها وشغلها الانسان والمواطنون هم مجموعة السكان الذين سكنوا الارض وعاشوا عليها،اما واجبات المواطن تجاه وطنه والحقوق التي يجب ان يحصل عليها المواطن، فالحقيقة أن كل مواطن عليه واجب وله حق، فواجب المواطن تجاه وطنه هو الدفاع عنه ضد الهجمات الخارجية التي تهدد سلامة وامن البلد أو الوطن من خلال إداء خدمة العلم أو الخدمة الالزامية وكذاك التفاني من أجل ازدهار وتقدم الوطن والعمل الجاد من أجل أن يصبح الوطن فيمصاف البلدان المتقدمة والحرص أشد الحرص على مجابهة الاخطار التي يتعرض اليها الوطن او البلد من الداخل او الخارج اي ان تكون عيون المواطن مفتوحة تترقب المتربصين الذين يحيكون الدسائس من أجل تعكير صفو أمن وسلامة البلد، فكل مواطن عليه أن يخبر عن الحالات المريبة التي تهدد سلامة البلد فالدول تتخذ إجراءات متعددة من شأنها الحفاظ على أمن وسلامة بلدانها ومن هذه الاجراءات والتدابير المخبر السري أو الوكيل أو ما يسمى بالجاسوس، فمهمة هذا الجاسوس خطرة ومهمة فيجب ان يحسن اختياره، فيختارونه من العناصر الشريفة والنزيهة والمعروفة باخلاصها ونزاهتها ويدخل دورات على هذه المهمة وبعد النجاح يأخذ دوره في العمل بهذا الاتجاه، فالمخبر السري عليه أن يكون دقيقا في نقل المعلومة في وقتها وعدم تأخيرها لأن تأخيرها تترتب عليه مخاطر جسيمه فعند الاخبار سوف تقوم الجهة المختصة بإتخاذ التدابير اللازمة لمنع الخطر عن أمن البلد أو أمن الاشخاص، أما بعض الاشخاص الذين تم أختيارهم على اسس غير شريفة فهذا يؤدي الى الاساءة للدولة والمواطن فينتخب من العناصر الوصولية غير النزيهة فيلجأ الى الابتزاز ويظلم الناس وخلق فجوة بين المواطن والدولة من خلال ظلم الناس وتلفيق التهم عليهم مثلما يجري حاليا على الساحة العراقية أو نقل المعلومات الكيديه.أما مسألة حقوق المواطن على الوطن او الدولة هي اكتساب الجنسية وهي هوية هذا البلد، ومن الحقوق الاخرى حصول المواطن على فرصة عمل كي يعيش ويعيل من خلالها عائلته وان يعيش بكرامة مع الحفاظ على حقوقه الشخصيه وممارسة الطقوس والشعائر الدينية وان توفر له الدولة الخدمات والامان، اما على صعيد النزاهة والاخلاص فعلى المواطن الذي يكون في راس الهرم وكذلك المواطن الذي في أدنى الهرم وفي مفاصل الدولة المختلفة أن يعملوا بجد وتفاني واخلاص والحفاظ على ممتلكات البلد والحرص أشد الحرص على المال العام وان لا تكون هناك جسرة على أموال الدولة من آثاث ونقود ووثائق وغيرها، وان يكون المواطن في اعلى الهرم مثال يقتدى به وخاصة بقية الموظفين في أدنى الهرم فعليه ان يتحلى بأعلى درجات النزاهة والعفة والشرف والا يساوم ولا يداهن ويبتعد عن الطرق الملتوية الغير شريفة، وان يلتزم على الاقل بالادنى من مبادئ الاسلام الحنيف وتعاليمه، ان يحافظ على الامانة مثلما اراد الله سبحانه وتعالى فقال الله في التنزيل (أن الله يامركم ان تؤدوا الامانة الى اهلها) وان يضع مقولة الامام علي عليه السلام نصب عينيه عندما سُئل كيف يكون الانسان أمينا ويكسب رضى الله فقال (الخوف من الجليل، والرضى بالقليل، والعمل التنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل)، أما العامل ورب العمل فعليهم أن يخافوا الله وان يؤدوا الامانة التي بين يديهم على أحسن ما يمكن فعليهم الا يضيعوا من وقت العمل والا يغشوا لأن الغش في الاسلام محرم، والحديث النبوي الشريف واضح جداً واكبر دليل على ذلك، الا وهو (من غشنا ليس منا) اي ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد وصف الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذا الوصف الذي ورد في التنزيل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، فالعامل عليه أن يؤدي ساعات العمل كاملة دون نقصان، ورب العمل عليه أن يحرص أشد الحرص على أداء العمل حسب المواصفات المتفق عليها ولا يغش ولا يأمر ويشجع على الغش، لأن الفساد آفة تخرب البلد والمواطن وكل البلدان التي تخربت واصبحت في خبر كان، والتاريخ يذكرها فكان السبب هو الفساد وعدم الحرص على المصلحة العامة فعلى المواطن أن يحرص على ممتلكات الدولة ولا يختلس ولا ينهب لأن ممتلكات الدولة هي ملك الجميع والمواطن عندما يختلس فانما يختلس من بيته او جيبه فعلى المواطن ان يتجنب هذه الافة والحذر منها ويخبر عن المفسدين، فعلى كافة العمال والموظفين ان يتحلوا بالمواطنة الصالحة وان يكونوا المثل الاعلى الذي يقتدى به. صدرت في السنوات الماضية فتاوى مريضة وحاقدة ومن جهات تحمل الحقد والضغينة على بلدنا، الا وهي (ان سرقة اموال الدولة حلال) فعلى جميع المواطنين ان يعوا لمخاطر هذه الفتاوي ولا يصدقوا بها، لأن الحلال بيّن والحرام بيّن اما شريحة الفلاحين عليهم أن يكونوا بمستوى المسؤولية وان يكونوا مواطنين صالحين من خلال الاهتمام بارضهم وزراعتها واتباع الطرق الحديثة في الزراعة واستخدام المكننة والاسمدة الكيمياوية، وعلى الدولة الاهتمام بهذا القطاع المهم وتوفير المكننة الزراعية من اجل توفير القوت لابناء البلد وعدم الاعتماد على استيراد الحبوب من الخارج فاذا كانوا بالمستوى المطلوب الذي يتمناه بلدهم وابناء شعبهم فسوف يكونون مواطنين صالحين، اما اذا كانوا على العكس من ذلك فسوف يساهمون مساهمة فعالة في تهديم اقتصاد البلد شاءوا أم أبوا هناك سؤال مطروح على الساحة مفاده هل هناك قوانين صارمة موجودة في البلد تحاسب المفسدين؟ أقول ما فائدة القوانين اذا كانت موجودة على الورق ولا تطبق على المفسدين، فالقوانين يجب أن تترجم على ارض الواقع حتى تكون محترمة ولها هيبة في قلوب كل الناس وعليه يجب أن يكون الراعي الذي هو في راس الهرم حريص أشد الحرص على تفعيل هذه القوانين، لكن اذا كان الراعي فاسداً ويشجع على الفساد فسوف يكون الادنى فالادنى هم فاسدون، ولا يهابون القوانين أو يحترمونها فلذلك صارت الايدي طويلة على المال العام واول الايدي هم المسؤولون الكبار، لذلك أصبح الفساد في بلدنا ثقافة، وهذا أخطر ما يمكن على الوطن والمواطن لأن اغلب موظفي الدولة رفعوا شعار الاستفادة من وجودهم في الوظيفة أو شعار تكوين المستقبل للموظف من خلال سرقة المال العام، فلذلك لا ديوان الرقابة المالية له تأثير ولا ديوان المفتش العام له تأثير ولا النزاهة لها تأثير فكل هذه المسميات لا تتمكن من عمل اي شيء طالما الهرم فاسد والموظف الادنى محمي من الموظف الاعلى فلذلك ومن أجل حماية الوطن والمال العام رفع شعار المواطن الصالح هو الذي يؤدي واجبه بكل دقة واخلاص وان يكون مسؤولا عن حماية المال العام وان يشعر بالوطنية والايمان بالله والوطن، فالوطن له حق على كل مواطن صالح وشريف وان يبتعد عن المواطنة الزائفة.وكذلك بقية العناوين من الوظائف الاخرى، فالمهندس عليه أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فالمهندس المعماري ومهندس الطرق والجسور والى آخره عليهم أن يضعوا الله في نصب اعينهم اولاً والوطن ثانياً، عليهم أن يكونوا خدماً لبلادهم وشعبهم بتأدية واجباتهم على أتم وجه وكذلك الطبيب وخاصة الاطباء المقيمون في المستشفيات عليهم أن يباشروا مرضاهم ويعالجوهم نفسياً وطبياً وان يبتعدوا عن المنافع الشخصية واما الاطباء في العيادات عليهم أن يبتعدوا عن الجشع ويراعوا الفقراء وان يتذكروا (قسم أبي قراط)، على الطلاب أن يجدوا ويجتهدوا من أجل أن يصبحوا عناصر نافعة في المجتمع وان يبتعدوا عن اليأس والا ينتبهوا الى المقولة التي مفادها (عندما يتخرج الطالب سيصبح عاطلاً) ويذرع شوارعاً، صحيح أن الفساد الاداري يؤدي الى هدم البنى التحتية للبلد ويقلل من الفرص المتاحة للعيش لكن اذا تظافرت الجهود وتعاونت من اجل الارتقاء والنهوض بالبلد فسوف يقف البلد على قدميه ويعم الازدهار والرفاهية في كل نواحي الحياة، وكذلك يجب الابتعاد عن المصطلح الهدام الا وهو (آني شعليّ) بل على كل مواطن يجب ان يكون مسؤولا عن سلامة البلد الامنية والاقتصادية والبيئية والاخبار عن اي حالة شاذة تؤدي الى الاضرار بالبلد لأن كلمة آني شعليّ سوف تشجع ضعاف النفوس وتسوغ لهم العبث بممتلكات البلد وسرقة المال العام، وان واجب كل مواطن ان يكون عيناً ساهره لحماية البلد من ضعاف النفوس أما مسألة اختبار الاصلح فيجب أن يطبق شعار (الرجل المناسب في المكان المناسب) والابتعاد عن المحسوبية والمنسوبية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية وتثقيف الناس على اختيار الاصلح لخدمة مصالج البلد ثم اشاعة الوعي عند الناس على عـــــــدم التهرب من تادية الضرائب لانها تساهم في تقوية اقتـــــصاد البلد وكذلك الالتزام بالانظمة والقوانين وعدم استـــثناء اي أحد منها بل يجـــب ان تطبق على الجميع ثم اشـــــــاعة روح العمل الجـماعي وتنظيم حملات عمــــــلٍ من اجل الاهتمام بالبيئة والتعامل مع النفايات بشكل حضاري وصحي وحملات لتنظـــيف الشوارع من النفايات، فالمواطن الصالح عليه أن يكـــــــون خادماً صغيراً من أجل ابناء شعبه وبلده.

 

مشاركة