الوطن والسياسي – علي الشكري

الوطن والسياسي – علي الشكري

ليس أعز من الوطن قيمة ، ولا أغلى منه نفيس ، به يُعز الإنسان وبغيره يُذل وأن ملك المال والعلم والجاه والتاريخ ، فيبقى يُكنى بغربته باسم وطنه تقليلاً لشأنه لا اعتزازاً بمن ينتمي إليه ، جنسية وجذوراً وامتداداً وأسرة .

وكاذب من أدعى أنه كبر قيمة في الغربة ، وزاد جاهة بالخارج ، وتبؤ قيمة اجتماعية في وطن الأجنبي ، نعم قد يأمن على نفسه وأسرته ، وقد يتعلم ، ويستنشق هواء نقياً ، ويختلط دمه بدم الأجنبي زواجاً ومصاهرة وسلالة لاحقة ، لكنه يبقى بنظر بلاد الغربة أجنبي مهاجر جاء طمعاً بمال وإن كان غني أو علمٍ وإن كان هو من يُلقن ، أو قدم من أجل مجدٍ وإن كان حامله . فلا عز خارج الوطن ولا نعيم الا في ظله ، ولا كرامة الا بين جنباته .

وبالقطع أن هناك فارق بين الوطن والسياسي ، فالوطن باقٍ وإن تداولت أيامه بين عز وضيم ، وسمو وانزواء ،  وغنى وقحط ، وتقدم وتراجع ، وتصدي ومراقب، وربما انتصار وهزيمة ، فليس المهم الوصف بقدر سلامة الموصوف ،  فبقاء الحال من المحال ، أما الساسة فإلى رحيل دون شك ، لكن شتان بين رحيل ورحيل ، رحيل يخلد ، ورحيل شائن لا يترك الا السوء والقبح ، نعم هناك فارق بين رحيل معتاد لرجل ترك السياسة لغيره فيستذكر الاقربون اثره بعد الرحيل ثم لا يلبث أن يكون ذكر حسن أو سيء للآخرين لو أستذكر بعد حين  ، وبين رحيل سياسي تصدى واساء ، تصدر وجاء على الوطن بالويلات .

والأهم التمييز بين الوطن والسياسي ، فالوطن يعز والسياسي يذل ، الوطن تنتسب  اليه بجنسيته ومواطنته وتاريخه ، ليس في الوطن ما يسيء ، لكن في الساسة السوء ، واللافت فيمن جاء وافداً الى العراق بعد الانهيار الأكبر والسقوط المدوي ، لم يحمل من ثقافة الغرب ما تغنى به ، وربما حمل ما تشبع به لكنه لم يظهر الا الوجه المشرق لما طبعت به بلاد الغرب ، قبل أن تطأ أقدامه ارض العراق حمل راية الوطن هماً ، قبّل ارض الوطن وهو ينزل سلم الطائرة ، جاء ليبني ، ويخدم ويقدم عصارة فكرة لخدمة وطنه المنهوب ، النزاهة شعاره ، والبناء همه ، وتعويض ما فات تفكيره ، ليس أهم من المواطنة أولوية ، ولا مقدم على البيئة ونقاوتها ، المحافظة على المال العام ثقافته ، وقطع يد السارق مبدئه ، وفي الميدان ، هو أول من امتدت يده الى مال المظلوم ، فراح يغترف ويسرق وينهب ويعبث بالمقدرات وهو آمن مطمأن أن السفارة ستحميه والجواز الأجنبي سيؤمن له خروج أمن مطمآن ، لا شرطة دولية تلاحقه ولا عراق منهوب سيقاضيه .

والعراق يُسب ويذم ويشتم واليه تنسب السيئات وهو بريء معتدى عليه ، واللافت أن أول من سن هذه السنة السيئة القادم من بلد الطيبات التي تطبع بطبائعها واقعاً وتظاهر بغيرها بقصد التضليل ، فراح يغرد بصوت عالي وهو في منفاه الذي شب فيه فشاب عليه ، يسب ويشتم ويذم ويلحق بغيره التهم وهو بريء مصلح ، ولا عجب في سارق لم يغشى الله في مال الفقير ، ذليل تنقل بين الأصقاع ، فصار بطل في مواجهة المظلوم ، فذهب به خياله بعيداً ، وصار يختلق البطولات ، ويبتكر الروايات ، وينسج الأكاذيب التي لا وجود لها الا في عقله المريض ونفسه المتأزمة ، حتى اضحى ينقد كل ما في العراق ، وكيف لنا وكان لبيته في الغربة بداية وليس له نهاية ، فاض عنده المال حتى راح يبذره لتضخمه ، تزاحمت عليه مجالات العمل حتى وقف حائرا أي الأعمال يفضل وايها يغادر وهي تلاحقه وهو يذهب مولياً عنها ، وبالقطع أن ليس من عتب على من تشبع بالذله فمرضت نفسه جاهاً ، فراح يهاجم كل عزيز وأولها العراق ، وليس غريب على من تلطخت يداه بدماء العراقيين في زمن الدكتاتور ، وسبح ببحر دماء الأبرياء  وهو يبايع ويمول وينصر وينظر لكل تنظيم ارهابي ، فقد خسر ملك الريل بعد رحيل الدكتاتور ، لكن العجب كله فيمن قاسى ظلم الراحل ، ووقف يصحح وهو يرى مسيرة البناء تنحرف ، فراح يهاجم كل مظهر في العراق لا لكونه يبغض العراق ولكن لان فيه أثر الساسة ، فلم يعد يميز بين العراق وساسته وفي ذلك ظلم كبير ، فالعراق أكبر ممن افسد وظلم وقهر واساء ، بل هو ضحية مراهقو السياسة ، ومحترفيها من بقايا الديكتاتور ، الذين نسبوا الى الطائفة كل مفاسد المنظومة ، فأضحى المضطهد في زمن الديكتاتور جلاد ، وفي زمن التغيير سارق قاتل ، وهم من قتلوا وظلموا واحرقوا وأرهبوا وأراقوا الدم وسرقوا المال ونهبوا الثروة وتحاموا بالجنسية الأجنبية وبأسيادهم الذين أغدقوا عليهم من اجل هلاك العراق ، ويحدثونك عن الوطنية والمواطنة وشركاء الوطن جزارون ينسبون للشريك ما يفعلون ، اساؤا للوطن ولما يزالون ، تأمروا ويتأمرون ويحدثونك عن الوطن المنهوب المخرب وهم اسياده وساسته . لقد تعرض العراق ولما يزل لظلامات كبيرة على يد من ادعى الوطنية وتصدى للمشهد بعد أن خلع لباسه الذي تلطخ بدماء شعبه من الأبرياء في زمن الديكتاتور ، ليلبس ثوب جديد ابى الا أن يلطخه مرة أخرى بدماء الأبرياء كيف لا ومن شب على شيء شاب عليه ، وبالقطع أن هذا الشيطان لا يروق له أن يرى عراق معافى وقد راحت تباشير الانفتاح تظهر عليه بعد أن غابت على يد ساسة لم ينصفوه ، فقد روت دماء شهداء التحرير من احتلال داعش ارض جدبت واضحت قاب قوسين او دنى من احتلال الجرذان ، وراحت جثامين الشهداء تتوالى تترا من أجل تصحيح مسار سياسي انحرف ، ووعاظ الديكتاتور يهدون بمعاولهم ما صححت الاجساد الطاهرة ، حتى فقدوا صوابهم وقصر بغداد والزقورة يحتضنان الرئيس الفرنسي الذي جاء داعماً ومسانداً وناصراً لوطنٍ أثخن جراحا بسكاكين من ادعى الوطنية وهو اول من خان القضية مرة بنصرة الديكتاتور وأخرى بتآمره مع الأجنبي بأمل أقصاء الشريك والعودة متفرداً متحكماً ، وبدل من نصرة العراق راح الأفاق المأزوم مرة يختلق الأكاذيب بإدعائه تسائل الرئيس الفرنسي من شيد قصر بغداد ؟ وكأن الرئيس الفرنسي قادم من بلاد قحط فيها البناء والتشييد ، وهي بلاد الريادة والعمارة ، وتنسى المأزوم ومن هلل وصفق وبشر للديكتاتور أن القصف الأمريكي حول قصر الإيمان سابقا بغداد حالياً الى ركام وحجر مهدم بسياسات الراحل وخيانة من نظّر ، لقد أعاد المظلوم تشيد ما تهدم برعونية العملاء ، وتهليل الإذلاء ، نعم قصر بغداد بث فيه ابن الوطن الحياة ليثبت وطنيته بعد أن هدته سياسة العملاء ، وراح المأزوم يتصيد بعض سقطات التنظيم إن ارتقت لهذا الوصف ، فمرة يهلل ويزمجر ويرفع الصوت عالياً للسهو في وضع المترجم الفوري بين يدي الرئيس الضيف ، وتارة ينشر صورة الحجر الذي رفع بقصد تنظيم صعود الضيف ، فكشف بصغائر ه غيضه الذي كاد يقتله ، متغافلا اناقة اعادة البناء والترميم التي أبهرت الضيف والوطن ، وحفاوة الاستقبال ، التي ذهبت بالرئيس الزائر مغرداً للتعبير عن شكره لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة ، ويقيناً أن شهادة بهذا الوصف هي دليل شروع بتعافي طال انتظاره ، فللوطني التبريكات وللعميل المأزوم العزاء ، فالناس على دين ملوكهم ، فالعراق باقٍ والعملاء راحلون الى اظلم صفحات التاريخ .

مشاركة