الوضع السياسي بين النجاعة والتقويض – مهند عماد عبد الستار الزبيدي
قبل أيّام قلائل أُطلق العنان لتحديد موعد الانتخابات من قبل الحكومة العراقية المؤقتة، وتم تحديد الموعد في شهر حزيران من العام القادم، إلّا أنّ هناك أصوات تعالت في الأفق حول تقريب موعد الانتخابات تحت فكرة ” انتخابات أبكر ” من قبل رئيس مجلس النواب العراقي، إلا أن هذه الأصوات قابلتها أصوات أُخرى عن طريق التلميح بحل البرلمان من قبل رئيس الوزراء، بالإضافة إلى ما صرح به رئيس الجمهورية حول امكانية الموافقة على حل البرلمان في حال تم تقديم طلب رسمي من قبل رئيس الوزراء، مما حول الموضوع إلى سجالات،
فالوضع السياسي في العراق في الوقت الراهن مترنح ما بين النجاعة والتقويض، ولا نعرف عند أيّ جهةٍ تكمن النجاعة، وعند أيّ جهةٍ يكمن التقويض!! وفي إطار هذه المعطيات نحن أمام قطبين اقسما الوضع السياسي، لا سيما تصريحات السياسيين والمحللين والخبراء وكلٍ يفسر حسب مزاجه وميوله السياسي، بالتالي أصبح الانقسام أكثر تعقيدًا، وعليه فإنّ الوضع الحالي هو قانوني ذو نكهةٍ سياسة، وهذا يقودنا إلى سؤال يقتحم الأذهان، ما هي الآليات القانونيّة التي تؤدي بنا إلى بر الأمان؟
بادئ ذي بدء، وكما قلنا بأن كُنه الوضع الراهن في العراق هو قانوني بحت، وذلك لسببين: أولهما موضوع حل البرلمان وكيفية حله دستوريًا، وثانيهما موضوع المحكمة الاتحادية هو أكبر عقبة أمام الوضع السياسي ولحد الآن لم يحسم موضعها بعد، وسنوضح ذلك بشيءٍ من التفصيل فيما يلي:
حل البرلمان العراقي دستوريًا
البعض يقول بأنّ البرلمان العراقي يمكن حله عن طريق نفسه وهذه الطريقة الأولى، والبعض الآخر يقول بأن البرلمان يمكن أن يُحل عن طريق تقديم طلب من قبل رئيس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، وهذا غير جائز ومرفوض قانونًا، لأن الطريقة الوحيدة لحل البرلمان هي حله ذاتيًا، إذ نصّت المادة ( 64) من الدستور العراقي لسنة 2005 على إنّه ” أولًا- يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية..
وبناءً على ذلك – من وجهة نظر قانونيّة -، بأن البرلمان العراقي واستنادًا إلى دستور 2005 يُحل ذاتيًا فقط؛ إمّا عن طريق طلب من ثلث أعضائه ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة، أو تقديم طلب حل البرلمان من قبل رئيس الوزراء العراقي إلى رئيس الجمهورية للحصول على موافقة الحل، ومن ثم يتم التصويت في البرلمان بالأغلبية المطلقة، ففي كِلا الحالتين نحن أمام طريقة واحدة لحل البرلمان ألا وهي الحل الذاتي، ونستسقي ذلك من خلال تحليلنا لروح النص ومقصد المشرع الدستوري، إذ نص في بداية المادة على إنّه ” يُحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءً …” وبهذا يتبين بأن حل البرلمان يكون بالطريقة الذاتية فقط، لكن المشرع الدستوري جعل” الحل الذاتي ” أمّا عن طريق طلب من ثلث أعضاء البرلمان نفسه أو عن طريق رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية، فالعبرة تكمن بالطريقة الدستورية لحل البرلمان وهي الحل الذاتي، ولا عبرة بالإجراءات الشكلية التي تؤدي بنا إلى حل البرلمان.
المحكمة الاتحادية حجرة عثر أمام الانتخابات
تتسارع الحكومة العراقية المؤقتة لتحديد موعد الانتخابات من جهة، وتلميحها بحل البرلمان العراقي من جهةٍ أُخرى، ولا تعلم بأن ذلك هو من قبيل التخبط القانوني والذي قد يؤدي بالعراق إلى منزلق ليس له مدخل ولا مخرج، وعليه فإن الأهم الأن هو حل أزمة المحكمة الاتحادية عن طريق إقرار قانونها، لكي يتم الحديث عن حل البرلمان أو انتخابات أبكر، إذ نصّت المادة (93/ خامسًا ) من دستور 2005 على أنّه ” تختص المحكمة الاتحادية بالمصادقة على النتائج النهائيّة للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب “. وبالتالي على البرلمان العراقي إقرار قانون المحكمة الاتحادية لأنّه العقبة الكبرى أمام الانتخبات القادمة، لأن الذي يفكر بمصلحة العراق عن طريق انتخابات أبكر، يُحبذ أن يلتفت للنقائص التشريعية وأن يعالجها لكي تكتمل صورته أمام شعبه وناخبيه، ومن يطالب بحل البرلمان لأسباب سياسة وتحالفات لا تغني ولا تسمن من جوع، يُحبذ أن يفكر بالانزلاقات القانونية التي سيشهدها العراق بعد حل البرلمان!! لكي تبقى صورته حسنة أمام من ظنوا به خيرًا من أفراد الشعب العراقي.
أخيرًا وليس آخرًا يجب اللجوء إلى فقهاء القانون المختصين في تفسر روح النص، لكي يكون تطبيقه بصورة قانونية متوازنة بعيدة عن الترهات السياسة والتصريحات من أشخاص لا يفقهون شيء في القانون.
توقعات حول الوضع السياسي والقانوني القادم
1/ نعتقد بأنّه سيتم إقرار قانون المحكمة الاتحادية وذلك بمساعي القطب البرلماني (رئيس مجلس النواب ) لتحقيق ” الانتخابات الأبكر “.
2/ موضوع حل البرلمان العراقي مجرد كلام سياسي وأخذ حيزًا إعلاميًا كبيرًا وهذا مما لا يغني ولا يسمن من جوع، ولا نعتقد أن يُحل البرلمان في الوقت الراهن، لأن موضوع حل البرلمان غايته ورقة ضـغط على بعض الأطراف السياسية المتنافسة لا أكثر.