الوداع الأخير – نصوص – عبد العزيز عبد الوهاب سلطان

قصة قصيرة

الوداع الأخير – نصوص – عبد العزيز عبد الوهاب سلطان

في حي من أحياء مدينة العمارة التي تتمدد على ضفتي نهر دجلة والتي يتصف أهلهُا بالطيبةِ وحُسنِ التعامل والتعاون والمحبة , هناك كان أحمد يعيش مع عائلته وهو شابٌ وسيمٌ يتطلعُ إلى الحياة بشوق ويسعى لتحقيق ما يصبو إليه ويتمناهُ لمستقبله أسوةً بالشباب.

شاءت الظروفُ أن يتعرّفَ على ( سعاد ) إحدى بنات المدينة فدخلت في قلبه وملأته حباً وشوقاً, وراح يلتقي معها  ويتصل بها ويحاورها في أكثر الأحيان على صفحة ( الفيس بوك) ويبلغُ أحدهما الآخرَ مشاعرهُ وحبه المتبادل . وأحياناً يلتقيان فيتحدثان عن المستقبل الذي يسعيان إليه , وبمرور الأيام توطدت العلاقةُ أكثر بينهما وازداد شوقه وحبه إليها .وفي أحد الأيام .. أتصل أحمدُ بحبيبته سعاد وقال لها :

سعاد … أشلونج .

ردّت عليه قائلةً : أهلاً وسهلاً حبيبي أحمد … أنتَ أشلونك … أنا مشتاقة إليك كثيراً حبيبي

ردَّ عليها قائلاً :  لا تكولين حبيبي بعد اليوم لأن هذا آخر إتصال بيني وبينك .. آني بعد ما أفيدج رجاءً ( الله كاتبلج نصيب بس مو وياي ) وهذا الوداع الأخير يا سعاد .

تفاجأت سعادُ بما سمعته من أحمد وأصابها الذهول والألم وقالت له :

أنتَ تحجي صدك ؟ مو دمرتني ؟

وبعد أن أكد لها ما قاله وما يعنيه .. اعترتها صدمةٌ قويةٌ وأجهشت بالبكاء .

واستمر أحمد يقولُ لها :  كلشي ما بيننا انتهى … عليك أن تنسين الماضي فأنا راح أروح ولا تحاولين ( الاتصال بي .. وقال لها وداعاً وأغلق الخط ) .

وبعد فترة هزّها الشوقُ إلى الحبيب فدخلت على صفحة الفيس بوك … فوجدت آخرَ صورةٍ ناشرها أحمد وعليها تعليقات كثيرة  من الأصدقاء .

( اللهُ يرحمك يا أحمد يا بطل .. لقد لبيتَ نداء وطنك .. هنيئاً لك في الجنّة مع الخالدين )

فأنصدمت ولم تصدق ما شاهدته وقرأته .. واتصلت بأقرب أصدقائه وسألتهُ عما  شاهدته على صفحة ( الفيس بوك ) من تعليقات على صورة أحمد .فردَّ عليها قائلاً : قبل ثلاثة أشهر التحق أحمد بالحشد الشعبي مع جموع من الشباب  لمقاتلة أعداء الوطن والشعب من الارهابيين داعش … وكان خائفاً عليك ولم يرغب بأن يتركك تعيشين بقلق وألم .. ولكن قبل استشهاده أرسل آخر رسالة وفيها صورة يقول فيها :

 كلولها بين الفشك       يمشي ويدَور أوصافج

كلولها الماينجرع        ضكته وجرعته اخلافج

وما بينج وبين الوطن    كلبي انثلم

نص منّه على الساتر بقى     والثاني يركض طافج

وآخر وصيتي بها القلم

لمن يلفوني بعلم        تشيليني فوك اجتافج

فانهارت سعاد مما سمعته بعد أن عرفت باستشهاد حبيبها دفاعاً عن الوطن العزيز فضربت على وجهها والدموع تنهمر من العيون  قائلةً لقد أبلغني في آخر أتصال بيننا بأنه الوداع الأخير … فالى جنات الخلود  يا حبيبي أحمد .

   و نهضت وبعبارات حزينة ترددُ بيتها وبين نفسها :

رحلتَ وما أبقيتَ لليومِ موعدا          فكيفَ تريدُ اليومَ أن تَجحدَ الغَدا