الوجود عند الإقتضاء

الوجود عند الإقتضاء

أسراء الجزائري

بغداد

الغريب والمختلف، مرادفان جل ما نتعثر بهما بحياتنا، فوجودها امر طبيعي فالامور بطبيعتها لاتكون متماثلة برمتها لابد من وجود شيء يميزها عن غيرها فمن الطبيعي ان نتميز عن غيرنا بالاختلاف، ولكن الغير طبيعي ان نبقى مختلفين لدرجة الانفصال عن الواقع، فتلازمها مع حياتنا هو غير الطبيعي، وغير الطبيعي اكثر ان يصبح الواقع بوجودها افتراضآ، والافتراض احتمالآ، والاحتمال استدلالاً، حتى استقرينا بفجوة الحياة الافتراضية المزيفة، والاوهام المطردة، فحياتنا لاتتجاوز بضع مرادفات تتكرر دون كلل، ودون اعتراض، لاول مرة ادرك اننا لم نكن، فنحن لانمارس سوى فن التقدم بالارواح، ولانتقن سوى فلسفة المغادرة نغادر بصمت كعيشنا بصمت، كوجودنا بصمت.

بطبيعة الحال انا اؤمن بالسببية، فمهما كان هناك من اختلاف وفرضيات وتداعيات لا التمس وجودها ولاادرك ماهيته، ولايمكنها ان تستقر بمجامير مخيلتي دون ان يكون قد شيع بسببية مقنعة، فالسببية وسيلة تمرير، مهما كانت تحوي هذه الوسيلة من لعب عقلية مخادعة، الا ان اقترانها بها يجعلنا نعود لها عند الاقتضاء، ونتذرع بها عند الضرورة!

على ارضنا للاسف وداخل واقعنا ظهر الفشل الذريع بتأقلمنا مع الحياة او فهم ابسط متطلباتها اوحتى تفاصيلها البارزة مما جعلنا على جرف اخر منها، منفصلين بشكل قطعي عنها، فواقعنا الضحل، فصلنا كليآ عن معالم الحياة المادية، جعلنا نعيش بمنكون الروحية، والنسيان الاجباري، الذي قدسناه بخضوعنا المسمتر لحالة اللاوعي حتى كنا باستمرار خارج اسوارها وخلف جدرانها، نراقب عن بعد كيف يمارس الجميع مجريات حياتهم بحذافيرها، مكتفين بدور المراقب كأطفال الذين يسترقون النظر للبالغين ويحاولون تقليدهم في ممارساتهم لعلهم يذوقون طعما ونكهة لواقع ولتجربة لم تمر عليهم بعد، حتى سطت علينا فكرة الاغتراب عن الواقع، واقترنت بأجناسنا، جعلتنا ككائنات مبهمة كل من يلمحنا او يستشعر بوجودنا يذهل من امكانية اختراقنا، لفلسفة العدم وتجاوزنا سياسة النفي، التي بوبنا داخل اقامتها الجبرية عنوة، ودون جناية اوجنحة واضحة، فقدنا بزجنا بها كل مراسيم الحياة الطبيعية، فأصبحنا، نمارس الوجود بمخيلتنا، لا اعلم حقا ان توصلنا للحقيقة اليقينية التي تنص على  اننا غير موجودين على خارطة الوجود البشري وان وجودنا العرضي لم يغادر دائرة الفرضيات، غاضين البصرعن ان الفرضيات مهما تعددت وتكررت تبقى مجرد اخيلة لاتشكل اي جزء من الواقع!!!ومهما حاولت ان اجد تبريرا لكل هذا التعتيم لا المح سوى فكرة النيرفانا التي بادرت لذهني وجعلتني التمس بوجودها وطفوها على السطح بواقعنا، فهذه الفكرة التي تتجسد بالحالة التي يصل لها الانسان بعد طول تأمل عميق، وبعد الانطفاء الكامل عن الحياة، اي يصبح منفصلا تماما بجسده وذهنه عن العالم الخارجي، فلا يشعر بالمؤثرات الخارجية على الاطلاق،  ففي مدينتنا هذه البقعة السوداء المتوغلة بالحزن القاتم، لم يبق للحياة بها عنوان ليس فقط الفرضيات الذي آثرناه على الواقع ولكن حتى الموت امتزج مع الحياة على ارضنا، فلم يسبق ان اقترن نقيضان على الارض وتحتها وتماثلا الا على ارضنا التي سمحت له بان يحط رحاله ويستقر افترشها متخذها كموطنآ له، واصبح اهم معالمها و ابرز مشيداتها، اتقنوه سكانها واصبح يجيدون فنونه بحرفية تفوق ابجدية الحياة، حتى امسى اسمه ووجوده يمتزج بها ويشير اليها.الى مدينتنا الباهتة بذهننا الشارد، كم ارهقتني التحام فكرة الاستعداد الدائم للموت بفكرة التواجد على ارضك وتحت سمائك، فعندما اخترقت مسمعي لم تسعفني اي كلمات تلتها، لم استشعر سوى بمبدأ نعمة الوجود هي ان تعيش لتموت، استذكرت الجانيية (احدى المقدسات الهندية) الذين يقدسون الموت اكثر من الحياة لان يحيوي الصمت المقدس، لانهم يحيون بصمت لعلنا وصلنا لمرحلة تقديسه (الصمت والموت) دون ان نشعر، فلا احد يختار ان يعيش خارج اطار الحياة، ويعدم نفسه بالوجود الا الاشخاص الذين خذلتهم الحياة بأستمرار، تهالكت جميع امنياتهم بألانتظار فبقوا عائمين، على اطلال احلام لاصلة لها بالواقع، احلامآ انتهت صلاحياتها قبل ان تبدأ، وهم مازالوا ينتظرون تحققها بشغف، حتى اصبحوا غرباء داخل الوجود، لاصلة لهم بمفاصيل الحياة كعابري السبيل، لايملكون ذكرى منها سوى انقطاعهم عنها، ولايتركون اثرآ عليها سوى المرور بها، فهم يعيشون على ، بقايا احلام، بقايا وجود، بقايا احياء، بقايا ارواح، بقايا وطن.

مشاركة