الوجه الآخر لإلغاء البطاقة التموينية ـ عبدالستار رمضان
ردود الفعل الكبيرة والمباشرة من قبل المواطنين والحركات السياسية والدينية والتي هددت بالخروج في تظاهرات شهدتها فعلا بعض المدن العراقية الى جانب رفض مجالس محافظات بعض المدن تنفيذ قرار الحكومة العراقية وتعهد البعض منها بالاستمرار في توزيع مفردات البطاقة التموينية على مواطنيها وعدم تنفيذ قرار الحكومة الذي صدر الاسبوع الماضي بإلغاء البطاقة التموينية ابتداءً من شهر آذار القادم.
هذه الردود اجبرت الحكومة على التراجع عن قرارها حيث افادت الانباء الواردة يوم 11 تشرين الثاني عن قرار مجلس الوزراء العراقي في جلسة طارئة عقدها التراجع عن قرار الغاء البطاقة التموينية، وان قرار الغاء البطاقة التموينية تم التراجع عنه وقرر المجتمعون العودة بنظام البطاقة الى ما كان عليه مسبقا أي قبيل صدور القرار الاخير الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي والذي قرر الغاء نظام البطاقة التموينية والاستعاضة عنها بمبلغ 15 ألف دينار لكل فرد والذي واجه رفضا شعبيا دفعت رئيس الحكومة نوري المالكي الى محاولة امتصاص حالة الغضب والرفض الشعبي وتأكيده أن مبلغ التعويض البالغ 15 الف دينار قد يزداد الى 25 الف دينار.
ولسنا بصدد تقييم نظام البطاقة التمويينة او بيان فوائدها او مميزاتها او عيوبها التي يعرفها العراقيون جيداً ولكن ردود الافعال والتي وصلت الى حد وصف بعض العراقيين على شاشات التلفزيون بأن قرار الغاء البطاقة التموينية يمثل اعداما للفقراء والمحتاجين، وهو ما يدعو الى التساؤل هل كانت الحكومة مدركة لنتائج القرار الذي لم يستطع الصمود اكثر من اربعة ايام؟ والذي لم يشهد العراق توافقا او تطابقا في موقف كما اجتمعت عليه آراء ومواقف المواطنين مع السياسين ضد قرار الالغاء.
ولكن من الانصاف ايضاً القول ان قرار الغاء البطاقة التموينية اذا لم يكن له اي فائدة او جدوى فانه ابرز واوضح قوة الفقراء والارادة الشعبية التي يمكنها فعل الكثير اذا ما تم المساس بالأساسيات والهموم المشتركة لاغلب المواطنين، كما اظهر الموقف الضعيف والمهلهل للحكومة العراقية التي بدا انها تعيش في واد ويعيش الشعب في واد آخر، كما اظهر احراجا للحركات والاحزاب السياسية التي ولدت وجاءت منها الحكومة ، حيث سارعت الى التبرؤ من قرار الحكومة بل ودعتها الى التراجع عن قرارها وهو ما ظهر واضحا بجلاء في بيانات حزب الدعوة والقائمة العراقية ونواب التحالف الكردستاني واعتذار السيد مقتدى الصدر بسبب تصويت وزراء كتلته على القرار، رغم كل ما قيل من ان قرار الغاء البطاقة التموينية قد صدر باجماع السادة الوزراء الذين يبد انهم يعيشون في عالم آخر غير العراق، كما يبدو انه لا توجد اي علاقات او اتصالات بين الوزراء واعضاء مجلس النواب من اعضاء كتلهم واحزابهم التي اوصلتهم الى كرسي الوزارة.
كما اننا لا نعرف كيف تم التصويت على مثل هذا القرار وبعد اكثر من سنة ونصف من الدراسات واللجان المالية والاقتصادية التي قدمت تقاريرها الى مجلس الوزراء والذي يعمل من دون نظام داخلي او طريقة للتصويت، بل وحاول البعض صراحة او ضمنا القاء المسؤولية على عاتق وزير التجارة الكردي الذي كاد ان يتحول الى كبش فداء للبطاقة العزيزة .
الوجه الآخر للبطاقة التموينية اثبت انها وثيقة عزيزة ومهمة يصر الكثيرون على التعلق بها رغم انهم يشكون من فساد موادها وقلة كمياتها وتذبذب اوقات تسلمها، لكنها تبقى رغم كل الكلام الذي يقال في نقدها وبيان مساوئها انها افضل الحلول الموجودة للعوائل الفقيرة والتي تشكل الحلقات الاضعف والافقر في المجتمع العراقي الذي اصابه الكثير من الامراض والعلل النفسية والاجتماعية من جراء سنوات الحروب والصراعات والحصار والتغيير الاحتلال الذي لم يأت الا بالقليل من الخير للفقراء.
واظهرت قنوات التلفزيون التي سألت العديد من المواطنين من مختلف المدن والمهن والمستويات الاقتصادية عن رايهم وموقفهم من قرار الغاء حيث اكد معظمهم ان البطاقة بكل مساوئها تمثل افضل واحسن الموجود امام حالة الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعصف بحياة العراقيين والذين تعتمد غالبيتهم على البطاقة التموينية في حياتهم اليومية منذ بدء العقوبات الدولية على العراق في العام 1991والتي كانت مفرداتها تشمل الرزوالطحين والزيت النباتي والسكروالشاي ومسحوق الغسيل والصابون والحليب المجفف للكباروالصغار ، والبقوليات كالعدس والفاصوليا والحمص، والتي اختزلت في السنوات الاخيرة الى الرز والزيت والسكر والطحين حاليا.
اخيراً لا بد من القول ان العراق يمر بمرحلة حرجة ودقيقة وظروف صعبة وازمات متعددة ومستمرة، وليس من الحكمة زج الناس وخصوصا الطبقات الفقيرة والحلقات الاضعف في المجتمع العراقي في ازمة جديدة وجدية تمس قوت يومه وعياله بعدما تعود واستقرت احوال الكثيرين على التموين والعيش من خلال سلة البطاقة التموينية التي تمثل حلقة ودائرة تجمع افراد الاسرة الواحدة، وهي بالتاكيد افضل واحسن من البدل النقدي الذي سيثير مشاكل جديدة وعديدة بين من يتسلم هذا البدل، ومدى تقبل باقي افراد العائلة لهذا الامر، وكيفية التصرف والشراء والتبضع؟ وامكانيات الاستغلال وجشع التجار الذين ربما سيكونون المستفيد الاول والاخير من هذا القرار.
ان المطلوب اليوم من الحكومة العراقية والكتل والأحزاب السياسية ومراكز وقوى التأثير في العراق ان تستفيد من درس البطاقة التموينية وتعلم ان لصبر الشعب حدود ولابد ان تكون بمستوى وعي وهموم قواعدها الشعبية التي باتت تقف على الضد والنقيض من كل ما تقرره الحكومة حتى لوكان الامر فيه خير وصلاح، وهو ما يتطلب من الجميع خطوات فعلية وحقيقية تتمثل في
1ــ محاربة الفساد الذي لايقل خطره عن خطر الارهاب وتشريع قانون مكافحة الفساد كما هو الحال في قانون مكافحة الارهاب، وتشريع عقوبات شديدة ومصادرة اموال المداني وتنفيذ العقوبات بصورة علنية ونشر الاحكام من اجل فضح الفاسدين.
2ــ تدخل الدولة في المفاصل الرئيسية والاساسية في الاقتصاد فالتجار قد جاوزوا كل الحدود، ويحتاج العراق في هذه المرحلة الى الاقتصاد الموجه والمسيطر من قبل الدولة في السلع والغذاء والدواء والوقود والحاجيات الاساسية.
3ــ اجراء التعداد العام للسكان وتدقيق البطاقة التموينية التي يشوبها الفساد الكثير، وتشريع عقوبات رادعة للمزورين والمتلاعبين بالوثائق الرسمية وعدم شمولهم باي قرار عفو وبما يعيد للقانون سيادته واحترامه من الجميع.
نائب المدعي العام ــ اقليم كردستان العراق
AZP07