تلك الكتب
الوثيقة والنشر
لقد عانت الوثائق العراقية الكثير من المشكلات والظروف التي ادت الى فقدان العديد منها، فالاهتمام بها قبل وبعد الحكم العثماني كان ضعيفا او معدوما ولم يحدث في حقبة الاحتلال البريطاني للعراق ما يشير الى وجود اهتمام بارز وفاعل ومؤثر لهذه الوثائق، كما هذا الاهتمام لم يعد عن نفسه باجراءات عملية فاعلة من اغلب الحكومات العراقية التي اعقبت الاحتلال البريطاني للعراق.
وقد اسهم هذا الموقف من الوثائق في فقدان وضياع وتلف بعضها، كما ادت انعكاسات وتداعيات الحربين اللتين شهدهما العراق في سنتي 1990 و2003 الى سرقة وفقدان واتلاف الكثير منها، وتعريض المتبقي منها الى الاضرار كما ان اغلب الوثائق المتوافرة عن العراق تتعلق بالعهد العثماني والبريطاني والمراحل التي اعقبت ذلك، وما تزال الوثائق ذات الصلة بالاحتلال الفارسي للعراق، ومواقف الدول الغربية من هذا البلد بعيدة عن الترجمة والتوثيق والدراسة والبحث من الباحثين العراقيين بمختلف اختصاصاتهم التاريخية والسياسية والادارية والاقتصادية.
ان ضياع وفقدان وتلف وثائق مهمة في مراحل سابقة بسبب الاحتلالات والحروب، وبسبب عدم ادراك الجهات المعنية باهميتها يستوجب ابتكار واتباع صيغ من شأنها معالجة هذا الضعف وتداعيات الحروب والازمات السياسية، ومن شانها توفير صيغ ومؤسسات تساعد على حفظ الوثائق وجلب الوثائق الموزعة خارج العراق الى العراق، واصلاح وترميم وصيانة المتضرر منها.
ومع ان الحاجة مازالت ماسة وملحة الى تاسيس مركز ارشيفي وطني لحفظ الوثائق وصيانة وترميم المتضرر منها الا ان عدم تاسيسه لم يترك الساحة فارغة من اي نشاط يخص هذا الموضوع، فقد بادر بيت الحكمة الى جلب الكثير من الوثائق العثمانية والبريطانية ذات الصلة بالعراق ونشر البحوث والدراسات عنها، او نشرها دون اضافة وتعديل وكما وردت في نصوصها الاصلية، ويمكن القول: ان نشر الوثائق يمكن ان يوفر وسيلة لحفظها وتوفيرها للباحثين، وان ضياع وفقدان وتلف الكثير من الوثائق وغياب اية معلومة عنها انما يرجع في بعض الاسباب الى عدم نشرها، ذلك ان النشر يمكن ان يوفر الكثير من النسخ المطبوعة عن الوثائق بشكل يصونها من الفقدان والضياع، ويحفظ المتوفر منها من معلومات.
ومع اهمية الوثيقة، الا ان جانبا من اهميتها يرجع الى ما تحتويه من معلومات وحقائق، والنشر يساعد على تحقيق ذلك، وقد كتبت الكثير والكثير من الدراسات والبحوث عن مراحل ودول الحضارة العربية الاسلامية، وعن حضارات ما قبل الاسلام استنادا الى مصادر ومراجع تتمثل في كتب معينة، وليس في وثائق معينة، ومازالت الدراسات والبحوث تتوالى عن التاريخ وحقبه وتطوراته استنادا الى غيرها من الدراسات والبحوث. وقد صدرت عن بيت الحكمة كتب حافظة للوثائق مثل كتاب (العراق في الوثائق البريطانية) وكتب تدرس الوثائق مثل كتاب (الايام الاخيرة من حكم عبد الكريم قاسم من الوثائق البريطانية) وكتاب (سجلات المحاكم الشرعية والطابو العثمانية المحفوظة في دار الكتب والوثائق ببغداد- دراسة وفهرسة). والحقيقة ان ما تعرضت اليه الوثائق من ضياع وفقدان وسرقة وتلف يتطلب عدم التعامل معها بصيغة الوثيقة فقط، وانما باية صيغة تحفظ شكلها، وخصائصها، وتعكس طبيعة مرحلتها، وتحفظ ما تنطوي عليه من معلومات وحقائق ثم ان النشر يمكن ان يكون محفزا على البحث عن الوثائق الضائعة والمفقودة والمسروقة وارجاعها الى الجهات المسؤولة عن حفظها. ان من المعروف عن العراقيين انهم كانوا يحتفظون في بعض البيوت بالكثير من المخطوطات والوثائق، ولعل بعضهم لم يبادر الى تسليمها للجهات الرسمية، ويجد ان الفرصة قد اصبحت سانحة لذلك، كما ان المهم والضروري ان تبادر جهات مثل بيت الحكمة ودار الكتب والثائق الى تصنيف الوثائق المتفورة لديها على هيئة كتب ودراسات واصدارها لكي تكون في متناول الجميع من الباحثين والقراء، ولكي تحفز على التحرك على الوثائق الموجودة خارج العراق، وجلبها، واصدار الكتب الوثائقية والبحثية عنها.
رزاق إبراهيم حسن
بغداد