الواقعية الغرائبية وموجة التجديد

الواقعية الغرائبية وموجة التجديد

 

 

 

يوسف عبود جويعد

 

حافلات السفر الصدفية , قشر الرمان , اثبات ما حدث , برغي اصم , ما حدث , السنة القواقع ,اضافة لما حدث , ما سيحدث, ولادة الرمل , اظنه قد حدث , قواطع ليلية النيران , وقائع ما حدث ,شحاذة السحر المنفلق , صرخة الغرين , القصر هذه الممرات او المداخل التي يدعونا فيها الروائي حميد الربيعي لروايته دهاليز للموتى لكي نكون مع احداث الرواية التي وظف فيها خبرته في مجال الرواية لنرى قدراته الابداعية في مجال السرد فلم يكن نسيج الرواية طرحاً واقعياً خالياً من اللمسات الابداعية بل كان ينم عن قدرة الروائي باستخدام الموروث الشعبي والصور الاحيائية والرموز والدلالات التي طغت على واقع الحدث الروائي اضفت عليها نوعاً من السحر فلم يعد المتلقي بحاجة الى رواية سهلة الطرح بل انه يحتاج الى مبدع وروائي متمكن من ادواته في صناعة فن الروائي ليحلق معه في عوالم خلابة وساحرة مليئة بالالغاز والرموز فعبد الله الافطس هو ذاته الحاكم المستبد الذي جر البلاد الى ويلات وحروب والبرغي هو رمز يشير الى الاشارة التي من خلالها تم غزو الكويت عندما  الصق كتلة الحديد الصغيرة مع الكبيرة وورق التوت وظهور السيد مالك هذا السيد الجليل الذي هو محط احترام ومحبة الجميع في مضمون الرواية وبقائه طيلة احداث الرواية هذا فضلاً عن الاسرة التي كانت تسكن في قرية الخطيم في الكوت والتي يتواجد فيها السيد مالك فنحن داخل دوائر تبدأ صغيرة وتكبر فالعائلة التي كانت مكونة من الاب والاخوين والبنت وبسبب احداث البلاد وماجرى فيها خلال الحقب الزمنية المنصرمة فالوالد يموت في حريق ولم يصدق الصبي الصغير وفاة ابيه وظل يتوقع ظهوره وغياب الابن الاكبر الامر الذي دعا الصبي الصغير حمل مسؤولية اعالة اسرته لينتقل الى العاصمة بغداد ويعمل في الكرادة وتسكن الاسرة في بغداد الجديدة ويصف لنا الروائي بشكل فوتوغرافي جميل حياة بغداد القديمة وباص مصلحة الركاب ذات الطابقين والمقاعد الخشبية ودار السلام التي هي ساحة الاندلس الآن وحياة المواطن البغدادي واحداث الرواية لم تكن مقطوعة بل انها متصلة لسنين مضت هذه الاحداث هي الداثرة الصغيرة ثم تظهر دائرة اكبر فوقها حياة البلاد والامها وويلاتها وكوارثها ثم دائر ة اخرى تحيطها هي الموروث الشعبي ولم تكن الاحداث السردية للاسرة اساساً لمحور الرواية الا انها اداة يرى من خلالها المتلقي حياة الشعب الذي كان يدخل في الحروب مغلوباً على امره ليخرج فيدخل ثانية وبهذا فأن الروائي يضع امامنا حقيقة مهمة وهي اننا لانملك الارادة او الحرية او العيش بأمان بل اننا لانملك حياتنا انما نعيش للسلطة وحكامها هم يرسمون لنا مسار الحياة ( ارجعني الضابط النجدي وبي حسرة على ضياع التاريخ قبائل عبد الله الافطس لن ترحم ان عدت ما هو المخرج اذن ؟ انا معلق بين جيشين وحدودين , امعجزة تنقذني من الورطة ؟ ايتها الزوجة المحاصرة بقبائل الغزو والخائفة على مهاجر في طريق صحراوي احضري العدة اوراق خضراء وحناء ولا تنسي التراتيل هلمي الى البحر فالشاطي قريب وليكن القمر دليلك ) وهو وخلال احداث السرد يبقى لصيق للطقوس والمناسبات التي تبقى مع دورة الزمن وعندما ينقل لنا الطقوس الحسينية وايام عاشوراء فانه ياتي عليها ونحن نحسها لجميع ابناء الشعب وليس لفئة دون اخرى ولمعرفته وخبرته في مجال الرواية وقراءاته لروايات عالمية وجد ان المتلقي يحتاج الى سرد الرواية باسلوبها الفني الجميل مع مراعاة بقاء الموروث الشعبي كجزء مساعد في السرد ( لقد كان يا ما كان كما في الحكايات  خرافة تجر خرافة محافل صومعة سرية  دهاليز خفية تحت الارض  روايات عن جن غير مرئيين تتشابك باعاجيب غريبة مكونة نسيجا لن تتضح خيوطه الا بعد حين ) كما انه وزع مهمة سرد الاحداث للبطل الذي يظهر في المدخل ( انا سومر انشر المحبة على الثلاثة الاب السائر فوق الغيم او الناهض من القيعان الرجل الذي عرضه عريه كان ياخذني من يدي ويقعدني بجانب الاوجاع لاسمع طقطقة الجمر وهو يتفتت نارا زرقاء معطرة برائحة بخار زكية تفوح من القوري وتشد شمي ساعات في مقعدي ) تدور احداث الرواية في الكوت قرية المخطم وبغداد والبصرة والكويت وكما يصف لنا الروائي البارع غزو الكويت باسلوبه السحري  الممزوج بخليط من الصور الايحائية والرموز وخروجه عن السرد المباشر فانه يصل بنا الى نهاية الظلم والطغيان ( القوات الدولية تحاصر القبائل عبد الله يحاصر المدينة جنود الغزاة تحاصر الناس في البيوت حلقة تلو حلقة حتى يضيق علينا الخناق صارت الدور جحوراً مظلمة نلتحف جدرانها من الخوف يحيط بنا  الهلاك لامحالة انتهت الحكايات لنواجه مصيرنا المحتوم التسلية الليلية ماعادت مجدية شح الحديث وبتنا ننتظر المجهول القادم ) .

 

هكذا فاننا مع الروائي حميد الربيعي نطوف في سياحة ممتعة وسط روايته ذات الطرح الجديد والحديث والذي يشير الى ان موجة التجديد قادمة وان الر وايات الجيدة تطرح رحلنا معه في مطاف ونحـــــن نرى حـــــــياتنا وسط موجة من المناقضات .