بومباي (أ ف ب) – ستواجه الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع رسوما جمركية تعد من بين الأعلى على مستوى العالم، ما لم يتراجع عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة.
وربط ترامب مسائل السلم والحرب بالتجارة، مهددا بفرض رسوم جمركية نسبتها 50 في المئة على نيودلهي ردا على مواصلتها شراء النفط الروسي الذي تشدد واشنطن على أنه يساعد في تمويل حرب موسكو في أوكرانيا.
وأحدثت الرسوم الجمركية هزّة في العلاقات الأميركية-الهندية وأعطت نيودلهي حافزا جديدا لإصلاح علاقاتها مع بكين وتحمل تداعيات كبيرة بالنسبة لخامس أكبر اقتصاد في العالم.
في السادس من آب/اغسطس، حدد ترامب مهلة نهائية من ثلاثة أسابيع، تنقضي مدتها صباح الأربعاء في الهند.
– إلى أي حد سيكون الوضع سيئا؟ –
كانت الولايات المتحدة أهم وجهة للصادرات الهندية خلال العام 2024 إذ بلغت قيمة الشحنات حينذاك 87,3 مليار دولار.
ويحذّر محللون لدى “نومورا” من أن فرض رسوم نسبتها 50 في المئة سيكون “أشبه بحظر على التجارة” يدمّر الشركات الأصغر حيث “القيمة المضافة والهوامش أقل”.
وذكرت غاريما كابور من “إيلارا سكيوريتيز” أن أي منتج هندي لا يمكنه “تحقيق أي ميّزة تنافسية” في ظل رسوم الاستيراد الباهظة هذه.
ويقدّر خبراء اقتصاد أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بين 70 ومئة نقطة أساس خلال العام المالي الحالي، ما يؤدي إلى تراجع النمو لأقل من ستة في المئة، في أضعف وتيرة منذ جائحة كوفيد-19.
ويتحدّث مصدّرو الأقمشة والمأكولات البحرية والمجوهرات عن إلغاء طلبات أميركية وخسائر أمام بلدان منافسة مثل بنغلادش وفيتنام، ما يثير المخاوف من إمكان إلغاء عدد كبير من الوظائف.
وحذّر “اتحاد منظمات التصدير الهندية” الثلاثاء من أن زيادة الرسوم الجمركية قد تتسبب بـ”آثار سلبية على أسعار” حوالى 55 في المئة من الشحنات المخصصة للولايات المتحدة وتجعلها “تفتقر إلى التنافسية” أمام منتجات بلدان مثل فيتنام والفيليبين والصين.
وحاليا، تم استثناء المنتجات الصيدلانية والمعدات الكهربائية، بما في ذلك هواتف “آي فون” التي ستم تجميعها في الهند، من الرسوم.
وتقدّر “إس آند بي” بأن صادرات تعادل 1,2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للهند ستتأثّر بالرسوم، لكنها تشير إلى أنها ستكون صدمة “لمرة واحدة” لن تسبب بإخراج توقعات النمو طويلة الأمد للبلاد عن مسارها.
– هل سيتنازل أي الطرفين؟ –
لا توجد مؤشرات على ذلك بعد. في الواقع، منذ اجتمع الرئيسان الأميركي والروسي في ألاسكا، كثّفت واشنطن انتقاداتها للهند.
وكتب مستشار البيت الأبيض للتجارة بيتر نافارو في “فايننشل تايمز” في وقت سابق هذا الشهر أن “الهند تتصرف كمركز تصريف للنفط الروسي، إذ تحوّل الخام الخاضع للحظر إلى صادرات عالية القيمة بينما تعطي موسكو الدولارات التي تحتاجها”، فيما ندد بسعي شركات تكرير النفط الهندية “لجني الأرباح غير المشروعة”.
من جانبه، رد وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار عبر الإشارة إلى أن عمليات الشراء الهندية ساهمت في استقرار أسواق النفط العالمية، وهو أمر تم بموافقة ضمنية من واشنطن عام 2022.
وأشار إلى أن كلا من الولايات المتحدة وأوروبا تشتريان النفط المكرر والمنتجات المرتبطة به من الهند.
وقال في تصريحات أدلى بها في نيودلهي “إذا كانت لديكم مشكلة في شراء النفط من الهند، سواء النفط أو المنتجات المكررة، فلا تشتروا.. لا أحد يجبركم على الشراء، لكن أوروبا تشتري كما تفعل أميركا”.
ولفت إلى أنه إلى حين مهلة ترامب النهائية، لم تجر أي “نقاشات” بين نيودلهي وواشنطن طلبت فيها الأخيرة وقف شراء النفط الروسي.
ويشير متعقّبو التجارة لدى “كبلر” إلى أن موقف الهند لن يتوضّح قبل أيلول/سبتمبر، نظرا إلى أن معظم شحنات آب/اغسطس تم التعاقد عليها قبل تهديدات ترامب.
لكن الخبراء يؤكدون على أن الهند في وضع شائك.
وبحسب ناندان أونيكريشنان من “مؤسسة أوبزرفر للأبحاث” في نيودلهي، تحتاج الهند إلى “براعة فائقة ومرونة” لإيجاد مخرج “من وضع يبدو أنه لا يمكنها أن تخرج منتصرة منه”.
ويوضح أونيكريشنان أن واشنطن تقول للهند: “نعتقد بأنكم الحلقة الأضعف في سلسلة روسيا-أوكرانيا الجيوسياسية”.
– ما الذي يمكن للهند القيام به؟ –
سعت الهند لتعزيز اقتصادها وتعميق العلاقات مع شركائها في مجموعة “بريكس” وخصومها الإقليميين.
وتوجّه جايشانكار إلى موسكو حيث تعهّد تخفيف الحواجز الماثلة أمام التجارة الثنائية، بينما يستعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي لأول زيارة له إلى الصين منذ سبع سنوات على أمل إصلاح العلاقات التي تعاني من الفتور منذ مدة طويلة.
أما محليا، تفيد وسائل إعلام هندية بأن الحكومة تعمل على حزمة بقيمة 2,8 مليار دولار للمصدّرين، وهو برنامج مدته ست سنوات يهدف لتخفيف المخاوف المرتبطة بالسيولة.
كذلك، اقترح مودي خفضا ضريبيا على المنتجات اليومية لوضع حد للإنفاق وتحصين الاقتصاد.
– ما الذي يعطّل التوصل إلى اتفاق تجاري –
وتعثرت المحادثات، بسبب الزراعة ومنتجات الألبان والأجبان.
يسعى ترامب لوصول أكبر للولايات المتحدة، بينما مودي عازم على حماية المزارعين الهنود الذين يشكّلون قاعدة انتخابية مهمة.
أشارت تقارير إعلامية هندية إلى أن المفاوضين الأميركيين ألغوا رحلة كانت مقررة في أواخر آب/اغسطس إلى الهند. وأثار الأمر تكهّنات بأن المحادثات انهارت.
لكن جايشانكار قال إن المحادثات متواصلة، مضيفا أن “المفاوضات ما زالت تجري نظرا إلى أن أي طرف لم يعلن إلغاءها”.