هل تأثر بيكاسو بالمصورات الإسلامية في مرحلته التكعيبية
الهنداوي يترجم للمكتبة العربية نصاً يشير الى تأثر الفنان الاسباني – عادل سعد
هل يكون أحد أجداد الفنان الإسباني بيكاسو من أصل عربي ؟
ان يكون بيكاسو قد تأثر بالمصورات الفنية الاسلامية واستمد منها بعض التماثلات الاقوى للمرحلة التكعيبية التي طبعت جزءاً مهما من ابداع هذا الفنان الباهر وميّزت قدرته الالهامية الواسعة ، اقول ان يكون ذلك هو الراجح فانه قد اعترف ضمناً بالنسق المنمنم المدهش الذي اختصت به الفنون التشكلية الشرقية. لقد بعث لي الصديق الدكتور حسين الهنداوي قبل ايام بحثاً ترجمه عن الفرنسية وكان منشوراً في مجلة الفنون الجميلة الصادرة عام 1932 كتبه المؤرخ اوستاش دولوري المهتم بدراسة الفن الاسلامي وكان مديراً للمعهد الثقافي الفرنسي في دمشق بين عامي1922 و1930.الحال اشعر بالتقدير لهذا المنجز البحثي للسيد دولوري والترجمة التي اضطلع بها الدكتور الهنداوي فأنا اعرفه خبيراً متميزاً في ثقافته ذات الجذور الفلسفية والمعرفية العامة وصدرت له عدة مؤلفات ذات ثقة علمية ومتابعة دقيقة امدَّ بها المكتبة العربية ضمن عدد من العناوين الفكرية والسسيولوجية (الاجتماعية) والتاريخية والسياسية ايضاً .
يتضمن البحث مجموعةَ استنتاجات في مقدمتها اقتباس المؤرخ اوستاش دولوري عن غيوم ابولينير الناقد الفني الفرنسي من اصل بولندي وأحد رواد الموجة السريالية الذي لم يستبعد ( افتراض وجود مسلم شرقي بين اجداد بيكاسو قادهٌ تلقائياً نحو شيطان التجريد ، وهكذا بعد مرور اكثر من عشرة قرون، يكون بيكاسو قد بدأ مغامرةً شبيهً بمغامرة تجريد الرسم من اي بعدٍ تصويري) ، ويتوقف الباحث عند حقيقة ان الفنانين المسلمين ابتعدوا من الاشكال الحسية وعن فن المحاكاة والامتناع عن العالم الفعلي مقابل ابتكار (فنٍٍ لا مادي متخلص من ثقل الموضوعات الى اقصى حد ، لكنه مدرك من العين والروح في بعض الزخارف الاسلامية حيث يجري اقصاء اي عناصر طبيعية تتولد عن التواءات وتعرجات الارابسك (خطوط هندسية ساحرة متداخلة ومتقاطعة) توحي بلذة ابداع مطلق للعين) ، وهكذا (فان اعمالاً لها كثافة محض ذهنية كهذه هي على وجه التحديد مازعم كثير من التكعيبيين تحقيقه) . يتناول الباحث ايضاً عدداً من الاشكال المستمدة من الطبيعة، ولكن اضيف لها بمزيج من البعد الهندسي عالماً من فتنة الاشكال الهندسية،(فالشجرة المقدسة رمز الحياة والخلود… ابتعد عن مجرد الاستلهام الرمزي للطبيعة ليصبح الانسلاخ في الاخير كاملاً في فترة لاحقة ، كما في الصرح المقام في دمشق الذي يعود الى القرن الحادي عشر، اذ ان التكوين فيه تحول الى مجرد لعبة خطوط رائعة،) وفي اطار ذلك يرى الباحث ( ان اللوحات الثلاث التي تحمل اسم (طبيعة ميتة) التي رسمها بيكاسو عام 1931تناظر في خصائصها التمثيلات المتتالية لشجرة الخلود الاسلامية) .
مبدأ تحريمي
وفي جانب من البحث يعتقد دولوري ان الرسامين المسلمين يعتمودن مراوغة المبدا التحريمي من خلال عملية استبدالية تشكيلية كرسم حيوانات خيالية ، طير برأس انسان ، طائر العنقاء الخرافي الذي نصفه نسر ونصفه الاخر اسد ، ويتوقف الباحث عند رد ابن عباس ( عندما سأله رسام فارسي ، اذا كان علي ان امتنع عن رسم الحيوانات فكيف اواصل مهنتي ، فرد عليه ابن عباس ، اقطع الحيوان الى اجزاء كي لايبدو حقيقياً ،أو أجعله على شكل زهرة)،ويذهب الباحث في اشارته التقريبية بين المصورات الاسلامية والرسوم التجريدية التى ترمز اليها اللوحات الحديثة فيشير الى ما اصطلح عليه دغدغة عين الناظر من خلال (الطابع الخطوطي المحض للزخارف بوجه عام مما يعطي الانطباع بوحدة لا نهائية بين الصرامة والحرية وبين الانتظام والابتكار ، وهذه تظل احدى مميزات الفن الاسلامي غموضا….. وكأن هناك مخيلة هندسية تحرس اهمية المفاجأة والكشف في هذه الشبكة الواسعة حيت حركة الخيال حرة تماماً ً) .
ويمضي الباحث ليقول (نستطيع الاستطراد في ذكر التشابهات وايحاءات العلاقة التي تطبع اعمال بيكاسو عن وجودها بين الشرق الاسلامي والفن الحديث ، وبداهة تظل الاختلافات قائمة نظراً لأنه من غير الممكن حجب الفن عن التغيرات التي فرضها توظيف التقنيات الحديثة بشكل كلي تقريباً .
مهارات جديدة
وعن ابتكار مهارات جديدة وعن تأثير سبعة قرون مليئة بالاعمال الرائعة والنماذج التي ليس لفناني اليوم الرغبة او القدرة على الاستهانة بها)،وهكذا فان بيكاسو (يبدو فعلاً قد استلهم كل ذلك من الاسلام كعطاء وراثي معيداً اثارة السحر فيه ودافعاً مزاياه وفضائله الى اقصى الحدود)، والحال، ان بيكاسو ليس وحده الذي اغترف من المعين الفني الاسلامي ، انما هناك فنانين اوربيين اخرين استلهموا من تلك الخطوط الفنية الزاخرة بالخيال والمقاربات التشكيلية الهندسية ، فقد اعترف الفنان الفرنسي هنري مايتس (من جانبه بتناغمات تجعل بعض لوحاته قريبة من المنمنمات الاسلامية، وهي تناغمات منتقاة ولكنها ليست ابداً مصادفة غريبة طالما نعرف أنه درس التقنيات الشرقية في نتاجاتها الاكثر ندرة) .ويعود الباحث دولوري الى الاستعانة بغيوم ابولينير مستقطعاً منه اعترافاً (ان المنحوتات المصرية والمتوسطية (نسبة الى البحر المتوسط) والروائع الحثية( الالواح والنقوش المسمارية) والسومرية والقبرصية ، كان لها تأثير كبير على الفنانين الشباب وتطلعاتهم)، وبحدود معينة (ان علم الاثار بالنسبة للفن فرصة لأكتساب الكثير من الجرأة ومصدر للخصب) .