د. فاتح عبدالسلام
أعلن إقليم كردستان العراق انه بصدد معالجة مشكلة هجرة الشباب بشكل جذري بعد انفجار الأوضاع على حدود بيلا روس وتبيّن انَّ أغلبية المهاجرين من الاكراد، ولم يتم الإعلان عن الخطوات التي يمكن اتخاذها في الإقليم في هذا الشأن. وفي بغداد أعلنت الخارجية انها تسجل أسماء الراغبين من العراقيين بالعودة طوعاً من تلك الحدود الملتهبة، بعد ان خصّصت الحكومة مبلغاً كبيراً لتنفيذ عودتهم. والحال في العاصمة أو في الإقليم يشير الى تأخر كبير في التعاطي مع مشكلة عظيمة تستنزف طاقات البلد منذ سنوات، بل تدين الوضع السياسي كله ،إذ انَّ هجرة العراقيين منذ ٢٠٠٣ ولغاية اليوم هي أضعاف ما حصل من هجرات في زمن الحصار والحرب مع ايران، تلك الهجرات التي كانت الخميرة السياسية لتشكيل أحزاب وفعاليات وقوى عادت بعد الاحتلال الامريكي الى تسلم السلطة.
لم يدرس أحد في العراق قضية المهاجرين الذين تجاوز عددهم الملايين في ثماني عشرة سنة، من زاوية كونها قضية أمن وطني، بل لعلّها أهم قضية من قضايا الأمن، ولا تحصل إلا في البلدان المنكوبة والتي تعيش تخلخلاً أمنياً واضحاً. حكومة بعد حكومة والعراقيون، الشباب منهم خاصة، ليس امام عيونهم هدف سوى الهجرة ما استطاعوا اليها سبيلاً. لا برامج حقيقية لاستيعاب الشباب في توظيف حقيقي انتاجي وليس استهلاكيا تضخميا أو وهمياً أو من خلال ارسالهم وقوداً لحروب الداخل والخارج مقابل لقيمات العيش.
الحل ليس بمخاطبة الدول الاوروبية التي تستضيف اللاجئين وربّما تقبل اندماجهم لاحقاً بالضغط على حكوماتها لترحليهم، بعد أن فقدوا كلّ شيء في رحلات العذاب في سبيل الوصول الى تلك البلدان بحثاً عن استقرار وفرص عمل مع أطفالهم، وباتت إعادة ترحيلهم الى العراق عملية عقابية تتناقض مع ابسط حقوق الانسان.
الحل في منع الهجرة قبل أن تحدث، من خلال التفكير بتوطين الشباب في اعمال واندماج حقيقي في فعاليات مجتمعهم. لكن هذا الحل لا توجد ملامح أولى لتحقيقه في ظل حكومات لم تفكر يوماً في انّ استنزاف الشباب أمام عيونها بهذه السهولة بعد سنوات طويلة من التعليم والتنشئة إنّما هو خرق أكيد في منظومة الأمن القومي من البند البشري الذي هو عموده الفقري في أي بلد.
نراهم لا يزالون يرقعون الأوضاع كلما انفجرت وتردد خلالها اسم العراق دولياً، وحين تخمد الأزمة ينسون جذر المشكلة.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية