الهجرة ..قضية أمن مغيّبة

د. فاتح عبدالسلام

أعلن‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭ ‬انه‭ ‬بصدد‭ ‬معالجة‭ ‬مشكلة‭ ‬هجرة‭ ‬الشباب‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭ ‬بعد‭ ‬انفجار‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬بيلا‭ ‬روس‭ ‬وتبيّن‭ ‬انَّ‭ ‬أغلبية‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬الاكراد،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذها‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭. ‬وفي‭ ‬بغداد‭ ‬أعلنت‭ ‬الخارجية‭ ‬انها‭ ‬تسجل‭ ‬أسماء‭ ‬الراغبين‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬بالعودة‭ ‬طوعاً‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحدود‭ ‬الملتهبة،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬خصّصت‭ ‬الحكومة‭ ‬مبلغاً‭ ‬كبيراً‭ ‬لتنفيذ‭ ‬عودتهم‭. ‬والحال‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬يشير‭ ‬الى‭ ‬تأخر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬مشكلة‭ ‬عظيمة‭ ‬تستنزف‭ ‬طاقات‭ ‬البلد‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬بل‭ ‬تدين‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬كله‭ ‬،إذ‭ ‬انَّ‭ ‬هجرة‭ ‬العراقيين‭ ‬منذ‭ ‬‮٢٠٠٣‬‭ ‬ولغاية‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬من‭ ‬هجرات‭ ‬في‭ ‬زمن‭  ‬الحصار‭ ‬والحرب‭ ‬مع‭ ‬ايران،‭ ‬تلك‭ ‬الهجرات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الخميرة‭ ‬السياسية‭ ‬لتشكيل‭ ‬أحزاب‭ ‬وفعاليات‭ ‬وقوى‭ ‬عادت‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الامريكي‭ ‬الى‭ ‬تسلم‭ ‬السلطة‭. ‬

‭ ‬لم‭ ‬يدرس‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قضية‭ ‬المهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬تجاوز‭ ‬عددهم‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬ثماني‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬كونها‭ ‬قضية‭ ‬أمن‭ ‬وطني،‭ ‬بل‭ ‬لعلّها‭ ‬أهم‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الأمن،‭ ‬ولا‭ ‬تحصل‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المنكوبة‭ ‬والتي‭ ‬تعيش‭ ‬تخلخلاً‭ ‬أمنياً‭ ‬واضحاً‭. ‬حكومة‭ ‬بعد‭ ‬حكومة‭ ‬والعراقيون،‭ ‬الشباب‭ ‬منهم‭ ‬خاصة،‭ ‬ليس‭ ‬امام‭ ‬عيونهم‭ ‬هدف‭ ‬سوى‭ ‬الهجرة‭ ‬ما‭ ‬استطاعوا‭ ‬اليها‭ ‬سبيلاً‭. ‬لا‭ ‬برامج‭ ‬حقيقية‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬حقيقي‭ ‬انتاجي‭ ‬وليس‭ ‬استهلاكيا‭ ‬تضخميا‭ ‬أو‭ ‬وهمياً‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ارسالهم‭ ‬وقوداً‭ ‬لحروب‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬مقابل‭ ‬لقيمات‭ ‬العيش‭. ‬

‭ ‬الحل‭ ‬ليس‭ ‬بمخاطبة‭ ‬الدول‭ ‬الاوروبية‭ ‬التي‭ ‬تستضيف‭ ‬اللاجئين‭ ‬وربّما‭ ‬تقبل‭ ‬اندماجهم‭ ‬لاحقاً‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬حكوماتها‭ ‬لترحليهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقدوا‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬العذاب‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬استقرار‭ ‬وفرص‭ ‬عمل‭ ‬مع‭ ‬أطفالهم،‭ ‬وباتت‭ ‬إعادة‭ ‬ترحيلهم‭ ‬الى‭ ‬العراق‭ ‬عملية‭ ‬عقابية‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬ابسط‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭. ‬

‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬الهجرة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحدث،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التفكير‭ ‬بتوطين‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬اعمال‭ ‬واندماج‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬فعاليات‭ ‬مجتمعهم‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ملامح‭ ‬أولى‭ ‬لتحقيقه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكومات‭ ‬لم‭ ‬تفكر‭ ‬يوماً‭ ‬في‭ ‬انّ‭ ‬استنزاف‭ ‬الشباب‭ ‬أمام‭ ‬عيونها‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬والتنشئة‭ ‬إنّما‭ ‬هو‭ ‬خرق‭ ‬أكيد‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬من‭ ‬البند‭ ‬البشري‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عموده‭ ‬الفقري‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭. ‬

نراهم‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يرقعون‭ ‬الأوضاع‭ ‬كلما‭ ‬انفجرت‭ ‬وتردد‭ ‬خلالها‭ ‬اسم‭ ‬العراق‭ ‬دولياً،‭ ‬وحين‭ ‬تخمد‭ ‬الأزمة‭ ‬ينسون‭ ‬جذر‭ ‬المشكلة‭. ‬

رئيس التحرير-الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com

مشاركة