النظام الرئاسي – مقالات – عماد عبود عباس

النظام الرئاسي – مقالات – عماد عبود عباس

تبلورت خلال مئات السنين أنظمة حكم مختلفة يعود بعضها الى العصور الوسطى وضَبطت الدساتير المختلفة للبلدان شكل نظام الحكم وفق ما يلائمها فيما تحولت الكثير منها من نظام الى آخر وجدت أنه أكثر ملاءمة لها أو أن طبيعة المرحلة التي تمر بها تطلبت هذا التغيير

 في العراق كان نظام الحكم رئاسيا قبل التغيير وبعد التغيير جيء بنظام جديد يطل علينا فيه كل شهر رجل يقول لنا أنه الرئيس الجديد للثلاثين يوما القادمة يتغير قبل أن نتمكن من حفظ إسمه ليأتي رجل آخر من دين وطائفة وقومية مختلفة من أجل أن يذكروا من نسي منا أننا (مختلفون) ويترسخ في وعينا وفي لاوعيا هذا المفهوم لغاية معروفة.

تجربة مجلس الحكم لم يعرف مثلها العالم لا في الانظمة الجمهورية ولا الملكية لا البرلمانية ولا الرئاسية .. وخلصنا في نهاية الطريق وبعد مخاض عسير الى العمل بالنظام البرلماني ولتتعالى الأصوات هذه الأيام مجددا باستبداله بنظام رئاسي و كأنه كان علينا أن نجرب كل الأنظمة المعمول بها و غير المعمول بها في العالم  قبل أن نستقر على نظام يلائمنا ويبدو أننا لن نستقر قبل استنباط نظام حكم خاص بنا  يرضى عنه الجميع ، الذين يَحكمون والذين يُحكمون، الذين يمتهنون السياسة والذين يجترونها في المقاهي مع أحجارالنرد وقرقرة الأركيلة.

 ولو جمعنا ما قيل في محاسن النظام البرلماني و ملاءمته للعراق (الجديد) منذ 2003 وحتى اقراره لصنفنا به مجلدات وعاد  الذين امتدحوا هذا النظام ودعوا له ليدعو اليوم لاستبداله بالنظام الرئاسي . فلماذا دعوا للنظام البرلماني ونزهوه وعطروه وطيبوه ليعودوا فيسفهوه و يطالبوا بالنظام الرئاسي ؟ أليس النظام الرئاسي أقرب للدكتاتورية لأنه يحصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية حتى اذا كان منتخبا من الشعب ؟ وماذا عن النظام شبه الرئاسي ؟ أين تكمن العلة بالضبط  ، في النظام الرئاسي أم البرلماني؟

يمكن إحصاء اكثر من سبعين بلدا يعمل بالنظام البرلماني موزعة على كل قارات الأرض تختلف من بلد لبلد العلاقة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية فيما يعمل بالنظام الرئاسي أكثر من 40 بلدا في مقدمتها  ، الولايات المتحدة الأمريكية والصين وكوريا الجنوبية ومصر، وفنزويلا  و إيران . وهي في الغالب، الرئاسية و البرلمانية دول مستقرة انصرفت لتثبيت اقتصاداتها وتعزيز مكانتها الدولية فما هي مشكلتنا نحن ؟

المشكلة في العراق ليست في كون نظامه برلمانيا أو نظاما رئاسيا، بل بكونه ( نظاما) أم لا ، فطيلة فترة ( تمتعنا) بالنظام البرلماني لم نر شيئا من ملامح هذا النظام كما يحدث بالبلدان الأخرى العاملة به، البرلمان لم يستطع محاسبة أحد من المفسدين  ولكي يقنع وزيرا بالمثول أمامه ليجيب على سؤالين يتعلقان بقضايا غاية في الخطورة على البرلمان اقناع حزب الوزير و كتلة حزب الوزير وتمر أيام و شهور من الشد والجذب بلا نتيجة اما استضافة رئيس الوزراء – ولا نقول استجوابه لا سمح الله  – فيدخل في خانة الكفر .

ويبقى البرلمان عاجزا عن تأدية دوره في الرقابة وفي التشريع لأنه مكبل بقيود المحاصصة التي يعبرون عنها بالتوافق لتجميلها و اقناع الناس بها بينما يطيلون امد استثماراتهم و مشاريعهم الفضائية وما ينطبق على البرلمان ينطبق على مجلس الوزراء أما رئاسة الجمهورية هذه المؤسسة الضخمة بميزانيتها و حجمها وعدد موظفيها فهي مؤسسة تشريفية  لا أكثر  .

 النظام الرئاسي قد يكون اكثر ملاءمة لنا لكن ليس الآن نظرا لطبيعة وتوقيت الدعوة اليه، الذين يدعون اليوم للنظام الرئاسي يعتقدون أنهم لم يعودوا بحاجة لشركاء الأمس ولم تعد المحاصصة تلبي طموحاتهم  وأن الوقت قد حان لتبني منطق الحصة الواحدة بديلا للمحاصصة المتعددة  فهم يرون أن العراق أصبح حصة واحدة هي حصتهم  ومع شيوع السلاح وتسقيط الجيش كمؤسسة وطنية محايدة يصبح هذا البديل أكثر خطورة  أما البديل الحقيقي فهو بالتخلي عن منطق الحصص والاغلبية والاقلية واختيار الكفوء والنزيه ليأخذ مكانه الطبيعي في قيادة دفة السفينة حتى وإن كان من غير طائفتنا وقوميتنا ودينــنا عندها تصبح كل أنظمة الحكم ملائمة لنا ، لكن هذا البديل لن يكون ممكنا قبل عودتنا من قواربنا الصغيرة ومشاحيفنا الى رحاب سفينتنا الكبيرة التي تركناها وحيدة تنتظر أبناءها في عرض البحر.

مشاركة