النص والنص الآخر
الحضور العربي في النص الإسباني
الرباط الزمان
صدر كتاب النص والنص الآخر مساءلة الحضور العربي في النص الأدبي الإسباني للدكنور عيسى الدودي، يكشف فيه أواصر التقاطع الثقافي بين النص العربي والنص الإسباني، ومديات التثاقف التاريخي بينهما. كما يتناول أكثر من شكل للتناص والتقاطع ويسلط الضوء على الاشتباك الفكري والإبداعي بين ثقافتين ويستعير الكثير من الأمثلة في هذا الشأن.
الكتاب مسعى إلى البحث في التقاطعات ومسائل التأثير والتأثر في عدد من المتون الأدبية الإسبانية التي رامَتْ أن يكون الآخر»العربي محورَها الجوهري. وبذا فالكتاب بمنزلة لقاء مع نصوص إسبانية تخيّرها المؤلف ، ووجد فيها حَيِّزا واسعا للذات العربية، واتصالا وثيقا بين الأنا والآخر، وأرضية للتعددية الثقافية والألوان الحضارية. وقد حاول أن يستنطق بعض هذه النصوص ـ قديمها وحديثها ـ، ويعقد المقارنة بين ما هو عربي وإسباني فيها، ويوازِنَ بين تصورات الطرفين ونظرة كل منهما للآخر، ويتلمَّسَ وُجُوها من العلاقات العربية الإسبانية، ويبرزَ جوانبَ من التفاعل الحضاري والثقافي بين كلتي الحضارتين.
درس الكاتب قصيدة تنتمي إلى الشعر الإسباني القديم المسمى بالرومانثير Romancero، وهو لون شعري شاع انتشارِه في المناطق الحدودية بين المسلمين والمسيحيين بالأندلس، وهي كما يصفها المؤلف من أروع القصائد التي صورت مأساة العرب والمسلمين أثناء حروب الاسترداد. ومن الشعر الإسباني الحديث اختار ديوان الشاعر الشيلي سيرخيو ماثياس الموسوم بـ مخطوطة الأحلام ، الذي قام صاحبه برحلة شعرية زاخرة بالخيال والعاطفة إلى الديار الأندلسية الموشحة بالفن والإبداع، فكان لهذا الشاعر المعاصر من أميركا اللاتينية موعد مع الشاعر الأندلسي المعتمد بن عباد، شاعر إشبيلية الذي طبقت شهرته الدنيا لشاعريته الفذة، والأحداث العظيمة التي عاشها في حياته. وهكذا فقد نَذَرَ سيرخو كامل ديوانه لهذا الشاعر الأندلسي، ودَبَّجَ فيه أجمل القصائد،. وفي المجال السردي، كان للكاتب الدودي وقفة مع أقدم مُنْجَزٍ روائي إسباني، هو رواية لاساريو دي تورميس ، التي بالرغم من كونها مجهولة الكاتب، فإن لها بريقا لامعا وأخاذا ضمن السرد الإسباني، إذ أسست لنمط أدبي متميز هو الأدب البيكاريسكي، الذي يرى كثير من المهتمين بالدراسات المقارنة، أنه يستمد ماهيته من أنماط الكتابة الإبداعية العربية، كالمقامة وأدب الشطارين والعيّارين وشعر الصعاليك ونوادر جحا.
وتضمن الكتاب إضافة إلى ما تقدم، دراستين حول الاستعراب الإسباني، الذي يمثل العين الإسبانية التي تسلط أضواءها على العالم العربي، والفاحصة لأحداثه ومتغيراته ومنجزاته على مختلف الأصعدة. الأولى تناول فيها الكاتب الوجه الجديد للاستعراب الإسباني، الذي شكل مدرسة جديدة بعد كل من أحداث الحادي عشر من سيبتمبر بأمريكا، وأحداث الحادي عشر من مارس بمدريد، إذ من تمظهراته أنه أصبح ينفذ إلى القضايا السياسية، ويطرح قضايا الحوار، ويركز على الإشكاليات والتداعيات التي يطرحها القرب والجوار. وأسَّسَ بذلك هذا الاستعراب لتوجه جديد اتخذ مسافة مفصلية بينه وبين الاستعراب القديم الذي حصر نفسه في التحقيق والتوثيق والبحث والدراسة. وفي الدراسة الثانية، تعريف بأحد أعلام الاستعراب الإسباني، وهو فيديريكو كورينتي ، الذي قَدَّمَ خدماتٍ جليلةً للتراث العربي على مستوى التحقيق والترجمة والدراسات الأدبية واللغوية والمعجمية، بعشرات الكتب ومئات المقالات والأبحاث، وعدد لا يحصى من المشاركات في الندوات والمؤتمرات والملتقيات. ويُحْسَبُ كذلك لهذا المستعرب الإسباني، أنه يمثل رمزا للاعتدال بين الباحثين الإسبان المهتمين بالدراسات العربية، إذ تَمَيَّزَ بالموضوعية والحياد في تناوله القضايا الشائكة داخل الاستعراب الإسباني، وعُرِفَ عنه التحري والفحص والتدقيق والالتزام في أبحاثه. كما أنصف الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس، وأقَرَّ بإسهامها القوي في تاريخ إسبانيا وحضارتها، ورَدَّ على المتحاملين من المستعربين المتعصبين الذين ينفون أي فضل للعرب على حضارتهم، واعتبر الوجود العربي بالأندلس فتحا عظيما لإسبانيا غَيَّرَ مجرى تاريخها، ونقلها من عصر الظلمات ووضعها على سكة ولوج عصر النهضة والأنوار.
/4/2012 Issue 4182 – Date 24 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4182 التاريخ 24»4»2012
AZP09