قراءة في أحداث تشرين
النتائج المتوقعة من الإنتخابات المبكّرة – سيف ابراهيم
شهد عراق التجربة الديمقراطية الحديثة احتجاجات و تظاهرات بشكل واضح في منـــــــتصف الــعام 2011والتي وصفت حينها بأنها مشبوهة النوايا و معلومة الدعم (حيث تم الإدعاء انها بتخطيط بعثي) سرعان ما انتهت بوعود المئة يوم الحكومية للاصلاح و ما شهد العراق منها شيئا .
و على هذا المنوال كان ذات التعامل مع كل سخط شعبي ضد الفساد و المحاصصة و قلة الخدمات و انعدام فرص العمل و ما استطاعت السلطة من إيجاد حلول جذرية لهذه المشاكل طيلة الثمان سنــوات حتى وصولنا العام 2019- تشرين الاول ، حيث شهد هذا التاريخ سخط شعبي مناهض للسلطة بشكل مختلف تماما عن سابقاته .
بغض النظر عن التسمية المناسبة لهذا الحراك الشعبي سواءا اكان احتجاج ، مظاهرة ، انتفاضة او ثورة ، فإن المطالب كانت حقة وتعبر عن معاناة كل مواطن من فساد هذه المنظومة الحاكمة بمعظمها و من جميع المكونات ، رغم المحاولات الاصلاحية من داخل النظام .
لكن ، أبرز ما يعاب على هذا الحراك هو انعدام وجود الممثلين عنه وغياب الموجه والقائد الفعلي له ، و لم نجد أن هناك من يعبر عن الكل فردا او مجموعة ، بل حتى المتظاهرين لم يعمدوا إلى تاسيس مثل هكذا منظومة تحمي حقوقهم و تبرز مطالبهم و تتفاوض مع الحكومة أو البرلمان او حتى مع المنظمات الأممية ، إنما كانت اللقاءات تكون اما بشكل فردي او مجموعات صغيرة غير متفق عليها ولا تعبر عن كل الاراء بل سرعان ما يتم تسقيطها من قبل متظاهرين آخرين .
هذا الأمر لم يكن وليد صدفة ، إنما عملت عليه قنوات إعلامية صفراء وسياسيين مرتزقة وإعلاميين مأجورين وناشطي الخارج ، كل من هؤلاء وبالقدر الذي يؤثر فيه ، كان ينادي بضرورة أن لا يكون للحراك قائد او مجموعة تتحدث عنه و تمثل المتظاهرين .
ما نتائج ذلك ؟
النتائج كانت انحسار كبير للحراك دون تحقيق المطالب الشعبية الحقيقية التي خرج من اجلها المواطن الفقير ، فالبطالة والامراض والفقر والمحاصصة والفساد لا زال موجودا بل تزايدت بنسب اكبر ، وما تغيرت سوى الحكومة ( شكليا) ، انتهت التظاهرات لان الإعلاميين المأجورين اصبحوا جزءا من الحكومة الان وتسلموا مناصب رفيعة المستوى ، وناشطي الخارج قد انجزوا المهمة التي كانت إسقاط الحكومة حينها ( فقط لا غير) ، أما الشباب البسطاء الذين خرجوا حبا في الوطن فعلا ، دونما مزايدات او تبعية لاحد ، اصبحوا بلا حول ولا قوة و لم يجدوا المساندة كما السابق .
ومن لم يستفد من المتظاهرين في الوصول للمناصب العليا ، يحاول الان استمالة عواطفهم واللعب على مشاعرهم ، بخطاب التطرف والكراهية ضد الطبقة السياسية الحالية و لمكون سياسي محدد دون غيره ، كي يحصد أصواتهم في الانتخابات القادمة ولا يعود يعرفهم في شيء ، ويبقى حال الإنسان البسيط بذات المعاناة دون تغيـــير .
والسؤال هنا : ما غايتهم في عدم السماح لوجود قيادة موحدة للمتظاهرين ؟
السبب في ذلك يعود إلى أن هذه الاصناف التي ذكرناها آنفا والتي جعلت الكل مقتنع بضرورة أن يبقى الحراك دون قائد ، هي من أرادت ان تدير المشهد كي تكون هي المحرك له والموجه وبالشكل الذي تريد وبما يحقق غاياتها وأهدافها المرسومة والوصول الى منافع شخصية وغير شخصية (مصالح دول) دون أن يكون أمامها اي عشائق فيما لو تشكلت قيادة للتظاهرات.
كذلك ، ان لوجود شخوص تمثل هذه التظاهرات ، من شأنه جعل التظاهرات أكثر سلمية وانضباطا ومحددة المطالب ، بذلك قد تتبلور مطالبها وتتحول إلى منظومة على شكل حزب سياسي ممثل حقيقي عن الشعب الثائر وبذلك تحصد مقاعد لا بأس بها في الانتخابات و تكون البذرة الحقيقية للتغيير ، وهذا ما لا يروق للاطراف المشبوهة التي تسعى إلى حدوث احتراب داخلي (شيعي – شيعي) ، فإن كانت الثورة منظمة و الحراك سلميا ، كيف سيتمكن هؤلاء من تنفيذ المخطط والوصول الى حالة من الفوضى !
بذلك وبعد كل هذا الكم من الشهداء والاف الجرحى لم يكن المكسب سوى تغيير حكومة ، يعني ذلك أن المطالب الفعلية التي خرج المتظاهرون من أجلها لم يتم تحقيقها ابدا ، وما يجعلهم في شيء من الهدوء وعدم التصعيد هو أملهم المعقود على التغيير من خلال صندوق انتخابات مبكرة منتصف 2021.
بواقعية اقول ، إنه حلم بعيد المنال و الأمل بالتغيير من خلال الانتخابات القادمة هو ضرب من الجنون و لعدة أسباب :
-1 وجود نسبة كبيرة من الفقراء و التي تقدر ب 40% من الشعب العراقي ، تعني أن استغلال هذه الشريحة من قبل معظم الأحزاب الحالية هو أمر واقع لا محاله حيث هم دون غيرهم يمتلكون المال والنفوذ والسلطة ، وبذلك ستعاد ذات الوجوه وان اختلفت .
-2 أحزاب السلطة لديها باع طويل في خوض الانتخابات وتمتلك من التنظيم الحزبي والقدرة على التحشيد ، ما يجعلها شبه ضامنة لمقاعدها وفوز مرشحيها على العكس من حديثي المشاركة و مبتدأي التجربة .
-3ستعمد معظم الأحزاب المخضرمة على جلب وجوه شابة وشخصيات عامة حديثة العهد بالعمل السياسي ولا مؤشرات فساد عليها ، وتدعمهم بالمال والتوجيه الغير مباشر وبمسميات حزبية جديدة ، وسرعان ما يتم لم الشمل بعد نهاية الانتخابات واعلان النتائج .
-4 لا تزال نسبة كبيرة من الشعب العراقي غير مؤمنة بالانتخابات ولا تعقد الأمل على نتائجها في التغيير ، فهي واثقة من ان النظام السياسي الحالي فاسد بسواده الاعظم ولا خلاص منه بالطرق الديمقراطية ، لذلك ستعزف عن المشاركة في الاقتراع .
-5معظم موظفي المفوضية المستقلة للانتخابات و تحديدا أصحاب المناصب العليا فيها ، قد تم تعيينهم وفق المحاصصة و الانتماء للأحزاب ، هذا التشكيك يصل حتى إلى قمة هرم المفوضية من القضاة المنتدبين .
-6 عدم وجود ممثلين حقيقيين للمتظاهرين و بوزن شعبي كبير ، يجعلهم مصطفين في قائمة انتخابية واحدة ، تعزز من حظوظهم في الفوز و تدعم قضيتهم بشكل مستمر حتى عندما يكونوا تحت قبة البرلمان ، و هذه إحدى عوامل الوهن التي ذكرناها آنفا بخصوص عدم وجود قيادة .
-7 المحاصصة و انعدام سطوة القانون وكثرة الامتيازات التي يتمتع بها النائب في البرلمان العراقي وعــــــــدم وجود المحاسبة الحقيقية ، سيجعل حتى الذي كان مطالبا بالتغيير و رشح من أجل ذلك ، سنجده يغوص في الفساد والتلذذ بنعيم السلطة و ترفـــــــها ، ناسيا من أتى به وصوت له والقضية التي كُلف بها ، والشواهد التي تدل على ذلك نمـــــــــاذج كثيرة جدا بحيث لا تحصـــــــى ، ومن صلب تظاهرات التشرين ذاتها و للاسف .
ماذا يعني ذلك ؟
يعني أن العراق مقبل على تظاهرات لاحقة ، تطالب بذات المطالب و تثور من أجل ابسط الحقوق التي جزعوا وهم يطالبون بها دونما تحقيق ، وسنشهد كذلك تكالب الأجندات وتعاون المرتزقة من أجل استغلال أوجاع الناس لتحقيق الغايات والمآرب الشخصية والإقليمية والدولية ، ما لم تصل الطبقة السياسية الحالية إلى مرحلة من النضج ومحاولة الإصلاح والقضاء على المحاصصة والفساد ، إنها بداية الشروع ستكون نحو التغيير التدريجي حتى في بنية المجتمع الفكرية و السلوكية ، فالتغيير على شكل انتقالة حادة لن يكون له مكان في الواقع ، وإن حدث فسيكون اسوا من النظام الذي سبق (خير مثال الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى ديمقراطي) ، فالعبرة ليست بتغيير الأنظمة بل بتغيير طبيعة المجتمع و بما يتلائم مع النظام المنشود تطبيقه.
{ باحث سياسي