الناشطة المدنية هناء أدور :أعلى نسبة زواج للقاصرات في العراق

 

 

حوار -عبدالجبار خضير عباس

 

تختفي في ظل الضجيج السياسي، والفوضى الأمنية، الكثير من المشاكل الاجتماعية وتزداد معاناة شرائح مجتمعية عديدة، تعاني من التهميش والاقصاء، ولاسيما الحلقة الاضعف ألا وهي المرأة، وفي خضم هذه الأجواء، تهتم المنظمات المجتمعية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وتسعى لمعالجة أية ظاهرة سلبية من شأنها أن تؤثر على تماسك مؤسسات الدولة والمجتمع.. تتوزع هذه المشاكل، وتتنوع عبر تفاصيل عديدة، تتوارى في تجاويف المجتمع. تهتم منظمات المجتمع المدني باظهار مشاكلها الى النور، والبحث عن معالجات لها.. ومن أهم ما تحاورنا بشأنه أو إظهاره عبر الحوار استطلاع جرى مع 199 إعلامية عراقية بشأن التحرش الجنسي، فظهر ان نسبة 69 منهن، كانت قد تعرضت للتحرش الجنسي.. وفي دوائر الدولة هناك يمكن الاطلاع على حجم المعاناة والضغوطات التي تتعرض لها المرأة الأرملة أو المطلقة باتجاه زواج المتعة أو أية تسمية أخرى لزواج مؤقت لا يحقق سوى جزء يسير من طموحها وحقوقها كانسانة.. أما المعنفات، إذا ما ذهبن الى مراكز الشرطة، فأما يقابلن ببرود أو استهزاء وفي بعض الاحيان يتعرضن للحرشة أو يأمروهن بالعودة الى البيت، لأن الموضوع لا يعدو كونه سوى مشكلة اجتماعية لا يتدخلون فيها. وفي جانب آخر، بعض رجال الدين يعقد على طفلة في السنة العاشرة من عمرها، أو الحادية عشرة، أو الثانية عشرة.. ثمة عقد لطفلة مطلقة في سن العاشرة والنصف. وهناك مئات الاطفال من دون جنسية ومن محافظة واحدة، لأن الأم قاصر وهجرها زوجها أو كانت قد تزوجت من أمراء القاعدة، فأما قتل زوجها أو غادر العراق.. وثمة دعوات لتدخل المرجعيات الدينية للحد من الزيجات المبكرة، فمنذ زمن الأمام الخميني، وضعوا في ايران التشديدات على زواج القاصرات، ووظفوا وسائل المنع كافة، فضلاً عن وسائل التوعية الصحية..وثمة مقارنة بين ما يحدث من قتل للنساء الآن مع ما فعله فدائيو صدام حسين، وهناك محاور أخرى وتساؤلات لـ الزمان اجابت عنها الناشطة المدنية التي تحظى بسمعة عربية وعالمية وخبرة عقود من السنين هناء ادور.
لماذا ينخفض صوت منظمات المجتمع المدني ويتراجع دور الاحزاب الليبرالية والديمقراطية كلما ازداد الشحن الطائفي؟
ــ أنا اعتقد ان الاجواء التي عشناها عبر العشر سنوات الماضية بفقدان الاستقرار السياسي والتدهور الأمني، أثر على منظمات المجتمع المدني، إذ لا يمكنها ان تحيا وتعيش في ظل هكذا اجواء، ولا سيما المنظمات النسوية، بل انها تعيش في فضاء الاستقرار الامني، والسياسي، بحيث تكون البيئة متاحة للعمل الحر للمنظمات مع الالتزام بحرية التعبير، وحقوق الانسان، وحرية التجمع، والتظاهر السلمي.. ومن دون هذه الاشتراطات، يبقى العمل المدني محدوداً ومقيداً..ونحن نواجه ولا سيما في هذه الظروف الشائكة والمعقدة هجمة شرسة ضد الحريات العامة، وثمة انتهاكات فظيعة ضد حقوق الانسان، تتمظهر في مختلف القضايا الاجتماعية، وبدأت موجة من الرعب والخوف تعود لتقلق حياة الناس، حتى بدا الموت يحصد حياة الناس عبر الكواتم والمفخخات والعبوات الناسفة..كما ازدادت الاعتداءات على النساء ففقدان الشعور بالأمن، يجعل المجتمع يتراجع إزاء امكانية مواصلة تقدمه في بناء مؤسساته المدنية وتكريس الديمقراطية ومع الذي ذكرناه هناك سبب آخر هو خروج معظم المنظمات غير الحكومية المدنية الدولية من العراق، وبذلك تقلص عدد المنظمات الدولية المانحة في العراق، مما انعكس سلباً على نشاطهاً..ودوافعهم في ذلك هو انهم يرون العراق دولية غنية وهو قادر على تمويل منظمات المجتمع المدني العراقية، وفي الوقت نفسه هناك تطورات أخرى في العالم العربي جعل من المنظمات الدولية المانحة تهتم بتلك المنظمات التي تسهم في ثورات الربيع العربي بمصر وتونس وفي اليمن.. كما ان منظمات المجتمع المدني عندنا تتصف بمحدودية التجربة، والمعرفة، والخبرة فضلاً عن ضعف التمويل، هذه الأمور مجتمعة، ساهمت بتراجع دور منظمات المجتمع المدني.
أين أنتم من تمويل الدولة؟
ــ هذا ما نشتغل عليه حالياً، اليوم وبالتنسيق مع اللجنة النيابية لمؤسسات المجتمع المدني، هناك مشروع لتعديل قانون المنظمات غير الحكومية من أجل أن ترصد الدولة مبلغاً معيناً في الموازنة العامة السنوية لدعم المنظمات.
سبق وان خصصت الدولة منحة لمنظمات المجتمع المدني لكنها انحصرت بالمنظمات التابعة للاحزاب الاسلامية التي تقود السلطة الا تتخوفون من تكرارها؟
ــ لا، ليست منحة تتصرف بها رئاسة الجمهورية، أو رئاسة مجلس الوزراء، أو رئاسة مجلس النواب الى منظمات محددة. لا، هي تكون مكرسة من قبل أجهزة مؤسسات الدولة، تخصص لمشاريع واضحة المعالم، وبشكل شفاف، وهذا ما ابتدأنا به في إقليم كردستان، إذ إن في قانون إقليم كردستان ثمة مادة تؤكد على رصد مبلغ سنوي من ميزانية الإقليم تخصص للمنظمات غير الحكومية، والآلية المتبعة تخصص الحكومة المبلغ على أن يصادق عليه برلمان الإقليم والمبلغ المرصود المقدم للمنظمات يخصص لمشروع محدد واضح الأهداف، ويصرف بشفافية، والمشاريع تخدم البرنامج الحكومي وتطوير المجتمع بشكل عام.
ظاهرة في طريقها للزوال
ألا تحصل محاباة للمنظمات التابعة لهذا الحزب أو ذاك؟
ــ لا أعتقد بهذه السهولة ولو اعتدنا ان هناك نوابا أسسوا منظمات مجتمع مدني، كذلك هناك احزاب، وكتل سياسية، تدير منظمات تعمل لصالحها، وأنا اعدها ظاهرة في طريقها للزوال، وانها تتقلص مع الزمن.
كيف؟
ــ المشاريع التي تديرها المنظمات أعمال واضحة، وإدارتها تعمل عبر الشفافية بجميع التفاصيل، خذ مثلاً وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في لبنان مجمل نشاطاتها تديرها منظمات المجتمع المدني، فالوزارة تتعاقد مع المنظمات لإدارة مشاريعها التي هي بحاجة إليها، فالمنظمات تصل إلى أماكن أبعد وأعمق من أن تطالها الوزارة أو يصلها الموظفون، لذلك توكل مهماتها لمنظمات المجتمع المدني بالتعامل والشراكة. وهذا شيء مهم، إذ من الضروري أن يكون هناك تعاون وتفاعل بين المنظمات والوزارة. هذه الأيام بدأنا بصيغة جديدة للعمل مع منظمات مجتمع مدني، إذ اشتغلنا مع عدد من منظمات المجتمع المدني ضمن برنامج للامم المتحدة ضمن ميثاق الشراكة بالتعاون والتنسيق بين المنظمات ومؤسسات الدولة، وهذا هو الشكل الصحيح، فالشراكة لا تعني ان المنظمات عبارة عن ديكور أو مؤسسات شكلية تمنحها التمويل وتذهب، بل الشراكة في صنع السياسة، وصنع القرار، وفي تنفيذ البرامج، وتقديمهما من أجل احداث تغيير حقيقي لبناء الدولة العراقية..
إذا كنت تعتقدين أن المناخ السياسي والأمني والاجتماعي غير ملائم لعمل منظمات المجتمع المدني ترى كيف تعمل المنظمات الأخرى التي تعيش ظروفا أمنية وسياسية أكثر ارباكاً واضطراباً من العراق مثل مصر المضطربة، وبعض الدول المستبدة أيضاً فيها منظمات المجتمع المدني تعمل بفعالية ومؤثرة في صناعة الرأي العام، والحراك الاجتماعي، كيف تفسيرن ذلك؟
ــ صح، في البلدان المستبدة دائما أجواء العمل المدني صعبة جداً، لكن لماذا المنظمات في مصر تعمل وبشكل فاعل على الرغم من الظروف الصعبة التي يعاني منها الشعب هناك؟ الجواب، لأنهم يملكون اتحادات، ونقابات ذات تقاليد عمل عريقة وراسخة، لذلك تجدها فاعلة ومؤثرة، أما نقاباتنا واتحاداتنا فقد تعرضت بعد التغيير في العام 2003 الى قرار مجحف، إذ جمدت ارصدت وأموال الاتحادات والنقابات المهنية التي تضم مئات الآلاف من المنتسبين، كما أن النقابات انحصر نشاطها في القطاع الخاص فقط وانت ترى كم هو بائس وضع القطاع الخاص حالياً، فضلا عن أن نظام صدام حول العمال إلى موظفين، وبذلك تقلص دور نقابة العمال التي تعد من المنظمات العريقة والكبيرة في العراق، إلا انها الآن بحال مختلف والمعلمين في العراق يصل عددهم إلى أكثر من مليون معلم ومدرس، لكن نشاطهم حُجم بسبب تجميد أموالهم وبذلك فقدوا فعاليتهم وتأثيرهم الذي يتناسب مع امكانياتهم وحجمهم. والأمر ينسحب كذلك على نقابة المهندسين والاطباء وهذا التجميد والحجز على أموال المنظمات، مازال ساري المفعول حتى الآن، إلا بعض المنظمات التي تمكنت الحكومة من شرائها للأسف الشديد، حينها تكون تحت السيطرة وتحركها الحكومة على وفق مشيئتها. وهناك نقابات واتحادات وقعت تحت تأثير الايديولوجيا الحزبية مثلاً نقابة المهندسين الحزب الفلاني.. ونقابة الاطباء حزب آخر، ونقابة المعلمين انشقت.
لو كانت هذه المنظمات تمول من الدولة ألا يكون الحال مختلفاً؟
ــ طبعا، حينها ستدافع عن حقوقها عن مصالح اعضائها ولكن اذا كانت رهينة بيد هذا الحزب أو ذاك فانها ستهتم بالدرجة الأولى بمصالح الحزب الراعي.
أما اذا تحدثنا عن الوضع في مصر فهناك جمعية القضاة وهي ناشطة ومؤثرة في الفضاء الاجتماعي والمهني كذلك عندك نقابة المحامين هي فاعلة وبمهنية عالية وهناك نقابة الصحفيين التي تلعب دوراً مؤثراً وخطيراً في تحريك الرأي العام والدفاع عن اعضائها، فضلا عن نقابة الفنانين ومنظمات أخرى مؤثرة في الشارع المصري.. ناهيك عن انهم لم يتعرضوا مثلما تعرضنا له من قمع ووحشية نظام مستبد خاضع لرؤية حزب واحد وفكرة واحدة ولون واحد لا يؤمن بحرية التعبير ولا يقيم وزنا لمنظمات المجتمع المدني بل حول النقابات والاتحادات الى ادوات حزبية. وبعد التغيير في العام 2003 جمد نشاط هذه المنظمات والاتحادات والنقابات، ونحن الآن في العراق غير مسموح لنا بتشكيل اتحادات طلابية لا في المدارس ولا في الجامعات، أنا تكونت وتكاملت ونضجت كناشطة مجتمع مدني عبر العمل في اتحاد الطلبة منذ الدراسة في المتوسطة.
هم يعتقدون ان المدارس والجامعات خصصت للدراسة والعلم والنشاطات المهنية تتعارض مع ذلك.
ــ بالعكس الوعي المبكر تبلور عندنا عبر انخراطنا بهذه المنظمات والآن الوضع أكثر ملاءمة اذ كنا نعمل بظروف عمل سرية في حين الآن العمل تطوعي والمناخ مختلف والاساليب تغيرت والعمل علني ووسائل الاعلام مفتوحة فضلا عن تطور وسائل الاتصال الاجتماعية وشيوع مفاهيم جديدة بالعمل، لذلك اجد ان الفرصة متاحة لانخراط الطلاب بتنظيمات تعبر عن مصالحهم ودورهم المجتمعي.
الضغط النفسي
الذي يعيشه الشباب
هل لك أن تفسري لنا سبب جرائم القتل التي تستهدف النساء والمتزامنة مع موجة التفجيرات وتصنيف وزارة الداخلية لها ضمن الجرائم الجنائية؟
ــ نلاحظ انها تندرج ضمن حملات الاعتداء على النساء والتي مازالت مستمرة فمنها حملات الحشمة، وحملات الحجاب، وتزويج الأرامل، ومنها قتل النساء بحجة الشرف، وهذه الأمور رصدناها بمدن متعددة في العراق عموما، بدأت هذه المشاكل تتمظهر بشكل واضح .. السؤال لماذا تتبنى الحكومة قانون الاتجار بالبشر والنساء بشكل خاص لأنها اصبحت ظاهرة اجتماعية كذلك ظاهرة اغتصاب الاطفال التي جرت في مناطق متعددة لزيادة العنف، فالمرأة كائن ضعيف بل الحلقة الاضعف في المجتمع، إذ لاتوجد لها حماية، ومن السهل التركيز بالهجوم عليها، فضلا عن فقدان الأمن، وضعف سطوة القانون، وهيمنة مشاعر الكبت والحرمان، هذه الأمور ساهمت في تفاقم هذه الحالة فلا توجد عندنا ملاعب رياضية باشتراطات دولية تغطي مساحة الوطن، تساعد على التخفيف أو تسريب الضغط النفسي الذي يعيشه الشباب ناهيك عن افتقارنا للمكتبات، وقاعات الرسم، والمسارح. مثلاً، إذا كانت بغداد العاصمة تفتقر لصالات العرض السينمائي تخيل انت ذلك؟ ومن جانب آخر يجب تطوير المرأة دائما وتمكينها وليس بوصفها عورة كما تعتقده الغالبية، ونراه في الشارع بشكل يومي، وهذا الأمر يصل حتى الى القيادات السياسية وعلية القوم حيث يمارسون زواج المتعة أو المسيار أو تخريجات دينية..أخرى وبشكل ملفت ناهيك عن تعدد الزوجات..
ألا ترين طرح هذا الموضع وبهذه الصورة يأتي بتأثير تهويل اعلامي؟
ــ لا بتأثير إعلامي ولا هم يحزنون، بل عبر واقعنا الملموس، يمكن ملاحظة ذلك في دوائر الدولة، وهناك يمكن الاطلاع على حجم المعاناة والضغوطات التي تتعرض لها المرأة باتجاه زواج المتعة أو أية تسمية أخرى لزواج مؤقت لايحقق سوى جزء يسير من طموحها وحقوقها كانسانة.
هذا شيء خطير أو ربما يعده الآخر اتهاما مهولاً ما قولك؟
ــ هذا هو الواقع.. ومن مهمات وصلب مسؤولياتي ان انبه الى حجم الكارثة ومن ثم ايجاد المعالجات والحلول هذه هي اهدافنا والغاية من وجودنا كمنظمات مجتمع مدني نرصد الخلل وبعدها نتابعه حتى اصلاحه. نحن لا نتحدث رجما بالغيب بل بالاعتماد على معطيات وبيانات دقيقة، فنحن لدينا مراكز ارشاد و… في خمس محافظات وهناك مراكز دعم قانوني في جميع المحافظات العراقية، تستقبل ضحايا الاتنهاكات، والعنف وتستمع الى كثير من القصص والمعاناة، وبالاستناد إليها نقدم الاستشارات الاجتماعية والقانونية..
إعلاميات تعرضن
للتحرش الجنسي
ما حجم المعاناة والانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في دوائر الدولة؟
ــ لا املك احصائية دقيقة عنها، استطيع القول كل أرملة أو مطلقة تتعرض للمطاردة والضغط، فالتحرش الجنسي اصبح حالة مألوفة سواءً في العمل أو الشارع. خذ مثلاً في استطلاع جرى مع 199 إعلامية عراقية بشأن التحرش الجنسي، فظهر ان هناك نسبة 69 منهن كانت قد تعرضت للتحرش الجنسي، نحن نتحدث بمسؤولية ومهنية. إلى جانب ذلك تحدث هذه الأمور من دون آليات الردع الاجتماعي وغياب آليات الضبط القانوني بلغة أخرى هناك نوع من الانفلات الاجتماعي. مثلاً لدينا ثمة بنات معنفات إذا ما ذهبن الى مراكز الشرطة، فأما يقابلن ببرود أو استهزاء وفي بعض الاحيان يتعرضن للحرشة أو يأمروهن بالعودة الى البيت لأن الموضوع مشكلة اجتماعية لا يتدخلون فيها.
هل تعد هذه الحالة عامة أم مشاكل فردية تقع واحدة وأخرى هناك؟
ــ انها حالة عامة تماماً وتجري على نطاق واسع.
هل توجد لدينا شرطة مجتمعية تحمي النساء المعنفات؟
ــ الشرطة المجتمعة ليس هذا نطاق مسؤولياتها لدينا دائرة تدعى حماية الاسرة فالشرطة المجتمعة ليس لديها أي دور محسوس في هذا الاتجاه بل في جمع المعلومات التي تتعلق بالسكن.. وغيرها.
اذاً ما دورهم؟
ــ أذهب إليهم واسألهم، فلا توجد لديهم حتى اماكن واضحة المعالم وما تذهب إليه في سؤالك هو من شأن شرطة حماية الاسرة، اذا كان ثمة حدوث عنف من الممكن مراجعة حماية الأسرة وهؤلاء خبرتهم ضعيفة جداً فضلاً عن ان امكانياتهم هي الأخرى ضعيفة جداً، لدينا نساء معنفات حين نذهب إليهم لطلب المساعدة لا يستطيعون تقديم أي شيء..
هل نفهم من ذلك أننا إزاء مؤسسة شكلية ديكور مثلاً ؟
ــ مؤسسة شكلية نعم، وجدت على ما يبدو لاسقاط فرض..مجرد خلق فرص لتشغيل مجموعة من الناس تحصل على المال من ميزانية الدولة للرواتب ولادامة الأمور الإدارية ليس إلا.
المعنفات من دون ملاذ آمن
ثمة مراكز ايواء للنساء المعنفات في إقليم كردستان وتشرف عليها باحثات اجتماعيات ألا توجد في بغداد مثلاً مراكز مماثلة؟
ــ لا توجد عندنا مراكز أيواء للمعنفات. إذ إن وزير العمل والشؤون الاجتماعية يرفض الملاذات الآمنة بوصفها مراكز ايواء… متناسياً أنهن مواطنات عراقيات وهذا التوصيف لا يليق بالمرأة العراقية، وليس من حقه، لا اخلاقاً، ولا شرعاً ان يرمي المحصنات بهذا التهم، بل يحظين بدلاً عن ذلك برعاية انسانية تليق بهن إسوة بما يحدث في معظم بلدان العالم من رعاية للنساء المعنفات، كما ان من مسؤولية الدولة ان تحمي رعاياها كما ورد في المادة 15 من الدستور العراقي، الحقوق والحريات لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق.. هل من المعقول أن المرأة إذا ما تعرضت لعنف شديد من قبل زوجها، ولا يوجد لديها ملاذاً آمناً، هل تعد ساقطة؟ أليس من حقها الدستوري والإنساني أن ترعاها الدولة؟ الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، بل يتعداه إلى أن مؤسسات الدولة وحتى القضائية منها هي أسيرة ثقافة ذكورية، مثلاً لدينا هذه الحالة هناك امرأة معنفة من قبل زوجها مضى عليها ثمانية أشهر في السجن بعد ان رفع زوجها عليها دعوى كيدية بذريعة أنها كانت قد خطفته وأجبرته على الزواج منها ومن دون شهود سوى المقربين من عائلته. وهو كان قد وقع على تعهد خطي للزوجة وبتوقيع الشهود، انه يسقط الدعوى، اذا ما تنازلت زوجته عن حقوقها في حين أنها كانت قد رفعت عليه الدعوى من جراء تعرضها للعنف، انتهت الشكوى بتغريمها 500 ألف دينار لصالح الزوج. وهي الآن مرمية في السجن بتهمة الخطف والمصيبة أن قاضية التحقيق ترفض اطلاق سرحها بكفالة، لأنها متهمة بـ الخطف على الرغم من أن المتهمة شابة متعلمة وحاصلة على شهادة الماجستير. أليست هذه مهزلة وحساسية مبالغ بها تجاه مظالم المرأة. وهكذا ترى القاضية كيف تماهت مع الثقافة الذكورية السائدة اجتماعياً.
مئات الاطفال من دون جنسية في محافظة واحدة
ما تفسيرك لشيوع ظاهرة زواج القاصرات؟
ــ الذي افهمه بعد مضي عشرة أعوام على التغيير، يفترض أن تكون هناك تحولات ايجابية لصالح المرأة، لكن ما يحدث في الواقع هو العكس من ذلك، سابقاً رجل الدين لا يعقد الزواج إلا بعد أن يكون عقد الزواج قد صدق في المحكمة، والطرفان برضاهم يذهبان للمحكمة، حتى يكتسب الزواج الصفة الرسمية، الآن يجري العكس بسبب دوافع المصلحة، والمال، والتحكم بمقدرات الناس. والطفلة، أو المرأة تدفع فاتورة الظلم، وهكذا تضيع حقوق الأطفال والمرأة. وعلى هذا المنوال ترتكب الجرائم، فبعض رجال الدين يعقد على طفلة في السنة العاشرة من عمرها، أو الحادية عشرة، أو الثانية عشرة.. لدي عقد لطفلة مطلقة في سن العاشرة والنصف يا ترى ماذا تفهم هذه الطفلة وأي ضمير انساني يرتضي هذه البشاعة؟ كما يترتب عن ذلك مشاكل قانونية ليس بسبب ضياع حقوق هؤلاء القاصرات بل هناك الآلاف من الحالات لاطفال من دون هوية أحوال مدنية جنسية لأنه غير مسجل في دوائر الأحوال المدنية، فثمة من هجر زوجته من دون أن يترك أي أثر، ومثل آخر، زوجات أمراء القاعدة، فمنهم من قتل ومن هرب خارج العراق، ومنهم مجهول المكان، فضلاً عن أن اسماءهم غير معروفة، ففي ديالى لوحدها ثمة مئات من الاطفال ولدوا من غير جنسية مع ما يترتب جراء ذلك من مشاكل في شقها المعاشي، والصحي، والتعليمي، والاجتماعي..
أعلى نسبة
في زواج القاصرات
كيف تعالج هذه المشكلة برأيك؟
ــ السؤال بدوري أحيله الى الجهات المسؤولة، فالأطفال عراقيون وهؤلاء القاصرات هن مواطنات عراقيات بحاجة لتدخل الدولة لمعالجة مشاكلهن، واتخاذ اجراءات سريعة لأخراجهن من دوائر القلق والحيرة والمصير المجهول لهن ولأطفالهن، حتى يشعرن بالأمان، وهذا ليس منة بل من صلب مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها. والمصيبة أن العراق يعد الدولة الأولى في العالم بوصفه يشكل أعلى نسبة في زواج القاصرات، وهذا ما اشار إليه وزير التخطيط العراقي. كما ان أعلى نسبة وفيات للحوامل هي عند القاصرات، وأنا هنا اناشد المرجعيات الدينية ورجال الدين كافة، لاتخاذ مواقف بالتدخل للحد من هذه الظاهرة، وايجاد حل لآلاف من الاطفال من دون هوية أحوال مدنية، كما على الدولة وبجميع مؤسساتها أن تنهض بمسؤولياتها لمعالجة هذه الظاهرة وبشكل جدي، فضلاً عن أن الجزء المخيف في العراق هو أن نسبة الخصوبة عالية جداً بحيث تؤثر على السياسة السكانية، ويعد العراق من بين الدول الأكثر أرتفاعاً بالنمو إذ تبلغ نسبة النمو فيه أكثر من 3 . السؤال هنا أليست جمهورية ايران دولة اسلامية دينية؟ لماذا استخدموا هناك جميع الوسائل، والسبل لتخفيض نسبة النمو السكاني، والحد من الزيجات المبكرة؟ ومنذ زمن الأمام الخميني، وضعوا التشديدات على زواج القاصرات، عموما وظفوا وسائل المنع كافة، فضلاً عن وسائل التوعية الصحية، أي أنهم تعاملوا مع الظاهرة كما ينبغي وكما تستحق، إذ إن هذه الاجراءات تتخذ لمصلحة البلد.
برزت مؤخراً مشكلة قتل النساء من قبل مجاميع مسلحة كيف تفسرين ذلك؟
ــ قتل النساء ظاهرة مدانة، ومنظمات المجتمع المدني تقف بالضد من هذه الممارسات وهنا تحيلني الذاكرة لما حدث بالبصرة في العام 2007 حين قال مدير شرطة البصرة أنا نصير المرأة، حينها قتلت 33 امرأة. نحن نراقب الوضع وبتفسيري السبب في ذلك يعود للانفلات الأمني ولحظور المليشيات القوي في الشارع. الغاية منه بث الرعب وتحجيم دور المرأة ووضع العوائل تحت السيطرة والرقابة. المسألة مرعبة جداً فبذريعة الدعارة والمجون والبغاء تنتهك حرمات العوائل وتلطخ سمعة الناس في مجتمع محافظ مثل العراق. ومحاربة الدعارة والبغاء شأن يخص الدوائر الأمنية والقضائية وليس عبر هذه الممارسات التي تتقاطع حتى مع الاديان والشريعة الاسلامية.. هذه الاساليب هي ذاتها التي استخدمها نظام صدام، عبر ممارسة الضغط والتخويف ونشر الرعب بين الشباب بحلق رؤوسهم وملاحقة الفتيات وصبغ سيقانهن، عبر الحملة التي قادها خير الله طلفاح، ومن ثم استخدم فدائيي صدام الذين قتلوا أكثر من 200 إمرأة في العام 2000 بحجة القضاء على السمسرة والبغاء، وهم ذاتهم من نشر الرذيلة، والفساد، ورجال النظام هم من يملؤون بيوت الدعارة، عموماً اتضح فيما بعد أن هناك محاميات وطبيبات وغيرهن من المتعلمات من عوائل المعارضة، قتلن في هذه الحملة لغرض التنكيل بالمعارضين، وتلويث شرفهم. والمثير للسخرية المرة أن وزارة الداخلية تصف عمليات القتل التي تجري هذه الأيام بأنها جرائم جنائية، إذا كانت كذلك فمسؤولية منْ؟ ولماذا هذا الاستهتار والعبث بحياة الناس؟ وأين دور الداخلية لردع مثل هذه الجرائم؟ ولم نسمع، ولن نسمع ان هناك ملاحقة للقتلة.
AZP02