تحدّيات تاريخية ومستقبلية
المياه والتغير المناخي والأمن الغذائي – أسماء نجم عبد الـله
يعد موضوع المياه من أكثر القضايا حِجّة وإلحاحًا في القرن الحادي والعشرين، خاصة في البلدان التي تواجه تحديات بيئية وسياسية واقتصادية متشابكة مثل العراق. هذا البلد الذي كان قبل عام 2003 يعتمد بشكل أساسي على الزراعة، شهد خلال السنوات الأخيرة تدهورًا كبيرًا في القطاع الزراعي نتيجة لتداخل عوامل سياسية وبيئية. فقد ساهم قرار بول بريمر رقم 81 في تفاقم الأزمة، إذ منع الفلاحين من الاحتفاظ ببذورهم التقليدية وأجبرهم على شراء بذور جديدة من شركات خاصة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، فقدان التنوع البيولوجي للمحاصيل، وانخفاض الإنتاج المحلي للغذاء، وزيادة اعتماد العراق على الاستيراد، مما أثر مباشرة على الأمن الغذائي للمواطنين.
تحديات جسيمة
إضافة إلى ذلك، يواجه العراق تحديات بيئية جسيمة ناجمة عن التغير المناخي، تتضمن انخفاض مستويات المياه في نهري دجلة والفرات، وارتفاع درجات الحرارة، وازدياد وتيرة الجفاف والفيضانات. وقد أظهرت الدراسات الحديثة، مثل مشروع ASHRI-2 ونظام WATEX™ لرسم خرائط المياه الجوفية، أن العراق يمتلك موارد جوفية كبيرة، لكنها موزعة بشكل غير متساوٍ وتتطلب إدارة علمية واستراتيجية لضمان استدامتها.تشير الإحصاءات التاريخية إلى أن عدد الآبار المحفورة في العراق حتى عام 1990 بلغ حوالي 8752 بئرًا، منها 1200 بئرًا مخصصة للزراعة. أما اليوم، في عام 2025، فارتفع العدد إلى نحو 27000 بئر ارتوازي. ويؤكد بعض الخبراء أن التوسع المفرط في هذه الآبار قد يكون له تأثيرات سلبية على البيئة والبنى التحتية، وربما يرفع احتمالات حدوث الزلازل، ما يستدعي إدارة دقيقة ومستدامة لهذه الموارد الحيوية. إن معالجة أزمة المياه في العراق تتطلب ذكاءً دبلوماسيًا كبيرًا، لأن هذا المجال يؤثر بشكل مباشر على الوضع الإنساني والبيئي، فإهمال الإدارة الجيدة للمياه قد يؤدي إلى تفاقم الظروف الإنسانية، بما في ذلك النزوح الداخلي وزيادة الصراعات داخل المجتمع العراقي. لذلك يجب أن يكون للدبلوماسية دور واضح، مع التركيز على المعالجات الخارجية مثل التفاوض مع دول الجوار، ولا سيما سوريا وتركيا، لتقديم الدعم والمساعدة. ولا يمكن الاكتفاء بالحلول الداخلية فقط؛ بل ينبغي منح المختصين والمؤسسات الدولية مجالًا للمشاركة، والمساهمة في التفاوض عند الحاجة. ومن المهم التأكيد على أن المياه هي حق أساسي من حقوق الإنسان، ولا يمكن فصله عن الأمن الغذائي والإنساني. لمواجهة هذه التحديات، يجب تبني استراتيجيات مستدامة تشمل تعديل السياسات الزراعية للسماح للفلاحين بالاحتفاظ بالبذور التقليدية، استخدام تقنيات الري الحديثة والذكية، وتعزيز الزراعة المستدامة التي تحافظ على البيئة وتزيد من الإنتاجية. كما يلزم تعزيز التعاون الدولي لتوفير الخبرات والتمويل اللازمين لدعم الأمن الغذائي وإدارة الموارد المائية بشكل عادل ومستدام. يبقى الأمن الغذائي والمائي في العراق مرهونًا بالقدرة على إدارة الموارد بشكل علمي ودبلوماسي ومستدام، ومعالجة آثار التغير المناخي والسياسات السابقة التي أضعفت القطاع الزراعي، لضمان أن يعود العراق إلى موقعه التاريخي كبلد قادر على تلبية احتياجات شعبه بأمان واستدامة.
مستشارة قضايا بناء السلام في مناطق النزاعات