عمار مامند زيباري
عهد الود بين أربيل و بغداد أنهتها ما لا يُقرأ بين سطورِ قانون موازنة (٢٠٢٣ – ٢٠٢٤ – ٢٠٢٥ )المُقّر .
مما لا شك فيه أن لمحاولات أربيل الدور الاكبر لضمان حقها وفقاً للصياغة المتفق عليها ، ولكن حالت هذه المحاولات دون تحقيق المغزى الاساسي الذي توخته طيلة فترة مفاوضات الاطراف.
إذاً لا بد من التأكيد على أن التدخلات الإقليمية المستمرة في شؤون العراق على صعيديها السياسي و الاقتصادي في بادئ الامر شلّت العملية السياسية (البرلمان) في اقليم كوردستان و تلاها إنشقاق الصف الكوردي و تفكيكهم في ادارتها ، ونجحت هذه التدخلات بخلق حالة ” لا توازن ” وافقدتها استقرارها المالي و السياسي و الاقتصادي ..
هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، توجهت السليمانية بعتبٍ كبير الى بغداد حاملةً لملف مطالِبةً فيه تثبيت فقرة تضمن حقوق مواطنيها متذرعةً بقرار رئيس حكومة الاقليم بعدم ارسال مستحقات موظفيها الا بعد ان يتم تسليم الايرادات الداخلية للمحافظة الى اربيل ، وهذا ما جعل الطالباني مضطراً لِأن يقود وفداً في بغداد …
حيث إستطاع أن يضمن فقرة في قانون الموازنة تروي عطش السليمانية لمستحقاتها رغم إصرار أربيل على رفض التصويت عليه ، فإحتفل الجانبين بنصرهم على الآخر ..
وعليه و بعد محاولات كسر العظام ، ظهر كل منهما بخطاب النصر و التخوين ليتطور تشنج علاقتهم ، واثّر هذا الخلاف على قوة قرار إقليم كوردستان و ثقلهم في بغداد و صعوبة توحيد الصف الكوردي فيها ، ولكن الضغوطات الدولية والاقليمية إحتوت هذا الخلاف بشروط اصلاحية ، منها توحيد قوات البيشمركة و إجراء إنتخاباتٍ نيابية مبكرة مقابل دعم التحالف الدولي ..
و بما أن العراق الآن بوضعه الغير طبيعي واثناء عمله لاستعادة ثقله السياسي و إقامة علاقات دبلوماسية مبنية على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الدولة و منع التدخلات الاقليمية فيها طالباً الدعم من دول مجلس التعاون الخليجي وفي نفس الصدد يخفى على كل متابع حصيف بأن غالبية الاحزاب السياسية في العراق مدعومة من قبل الدول الاقليمية او تربطها علاقات غير رسمية بها مقابل تنفيذ أجِنداتها في العراق ، ومن هذا المنطلق تدعم الأحزاب بتدخلها بشؤون العراق عند الحاجة اليها ، كما هو الحال بالنسبة للاحزاب الكوردستانية ، بعد أن تعَّقدت العُقَد و تفاقمت المشاكل و لاحقتها إنتكاسات قسمتها الى نصفين ، لجأ قوى كردية الى ايران و تركيا لفرض مطالبها في قانون الموازنة و الضغط على القوى السياسية المتحالفة معها للموافقة عليها ،
إلا أن إيران ارادت الضغط للتحالف معها في العملية السياسية وطرد أعضاء حزب ديموكرات (پژاك ) من على حدودها من خلال دعم جهة كردية بالاعلان عن عدم السماح لحكومة الاقليم و تصدير الغاز الكوردستاني الى الغرب خلافاً للرغبة الايرانية – الروسية و أيضاً بمطالبتها السليمانية إستقلالها المالي و الاداري و إعلان تبعيّتها لبغداد من خلال قانون الموازنة بالتثبيت و التصويت على هذه الفقرة منها ..
وفي الوقت نفسه ع تركيا طلبت التعاون الكلي من أجل شن هجوم عسكري واسع على أعضاء حزب العمّال الكوردستاني (pkk) و انشاء تحالفات سياسية تتفق مع الرؤية التركية في كركوك و الموصل لانتخابات مجالس المحافظات القادمة ..
تفسيراً لذلك فإن عقدين من ممارسة السياسة في العراق الان لن تصل الى مفهومها الحقيقي المتمثل بتطبيق العدالة الاجتماعية و إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الحكومة و المواطن ، و عملية التحول الديمقراطي منذ ٢٠٠٣ الى يومنا هذا لم تكن بالمستوى المطلوب ولن تلبي طموح المواطن العراقي البسيط ، لا بل أخفقت حتى بتقديم مشروع و خطط استراتيجية واقعية تنموية تنهض بالواقع المجتمعي ..
فنهج الحكومات المتعاقبة في العراق أصبح قديماً في ادارة الدولة وايضاً في تلبية الاحتياجات والخدمات الاساسية التي يحتاجها المواطن ، ولا يفوتنا ان ننوه بأن بداية اي كابينة وزارية تبدأ ب توقيع عدد كبير من مذكرات التفاهم للعمل مع دول الجوار دون أن تُنفذ ايٍ منها ، ليبقى التساؤل المطروح ، ما الغاية من اتفاقيات و مذكرات التفاهم دون ان تُشع شمسها على ارضنا ؟
مما يجدر بالاشارة الى أن واقع العراق ونهوضه مرتبط ببروز بدائل سياسية أخرى ، تُحَل وتملئ بأدواتها الجديدة الفراغ الشاسع الذي تركته صراعات القادة من أجل البقاء على سدة الحكم ، وإن فشلهم في إدارة الدولة بشكلٍ سليم و صرخة الجيل الذي وُلد من رحم معاناة هذه السلطة تقِفا عائقاً في صناديق الاقتراع أمامهم و يصعب إنتهاز اي فرصة اخرى في المستقبل ، ولا ننكر بأن لتلك الأحزاب نفوذ و صوت ثابت لكن نراها تقّل ولا تزيد ، بالمقابل نرى جيلاً واعياً واعداً في ازديادٍ مستمر.