المنتدى الاقتصادي العالمي بالأردن ـ عبد الله محمد القاق

المنتدى الاقتصادي العالمي بالأردن ـ عبد الله محمد القاق
يمكن القول ان المنتدى الاقتصادي العالمي الذي اختتم اعماله في الاردن يوم الاحد الماضي نجح في تشخيص القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية المعروضة على جدول اعماله، حيث ناقش السياسيون والاقتصاديون والمثقفون قضايا عديدة بحضور اكثر من 900 شخصية بينها رؤساء دول ووزارات ووزراء خارجية وكبار رجال الاعمال بالعالم، وتابع هذا المنتدى اكثر من نصف مليار مشاهد على شاشات التلفزة العالمية التي حضرت لتغطية هذا المنتدى الذي يعقد في الاردن لأكثر من خمس مرات نظرا للاستقرار والحرية والطمأنينة الذي يتمتع بها الاردن عبر كل الصعد.
المناقشات التي حضرتها عبر الثلاثة أيام الماضية كانت ايجابية وهامة من شأنها مواجهة التحديات الحقيقية الراهنة سواء السياسية او الاقتصادية او التعليمية من اجل تحقيق الاصلاحات في العالم العربي وتعزيز الاستقرار العالمي حيث كانت هذه المشاركات باللقاءات واسعة وفاعلة وقوية ايضا حيث فرضت احداث ثورات الربيع العربي نفسها على مناقشات المنتدى وتصدرت قضية فلسطين وانهاء الصراع العربي ــ الاسرائيلي قمة المناقشات بحضور الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية الامريكي جون كيري ورئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز وتوني بلير حيث اكد عبدالله الثاني في هذه اللقاءات الهامة ان الشرق الاوسط لديه هدف اساسي وهو بناء مستقبل قوي ومستقر تنعم فيه جميع الشعوب، وقال يجب علينا ان نعمل معا لمعالجة الازمة السياسية في منطقتنا وهي الصراع الفلسطيني ــ الاسرائيلي مشددا جلالته على ان يتوقف بناء المستوطنات وكذلك التهديدات التي تتعرض لها المدينة المقدسة ومواقعها الدينية ويجب ان تُستأنف المفاوضات بنية حسنة .
فهذا المؤتمر الاقتصادي غلبت عليه قضايا المنطقة السياسية وخاصة فلسطين والازمة السورية والاوضاع في العراق والتوتر الاقليمي والعالمي حيث كانت هذه المسائل عناوين كبيرة تعنى بصفة خاصة بالعالم العربي.. وهذه الموضوعات كانت مطروحة بقوة اذ لا يمكن تجاهل قضيتي الصراع العربي الاسرائيلي وسورية رغم التناول العميق للتحديات الاقتصادية والتعليمية وخلق فرص عمل لانهاء قضايا البطالة وكذلك تحديات الامن والاستقرار في المنطقة والعالم وهما ذات اتصال مباشر بالقضيتين الرئيسيتين وفي استثمار محكم لأكبر حشد دولي من نوعه يعقد على شواطئ البحر الميت حيث طرح الاردن مبادرات ذات صلة بالاصلاحات الاقتصادية والسياسية وهي التي استحوذت على اهتمام الساسة المتواجدين بالمؤتمر ونالت اهتمام الدوائر العربية والعالمية في الآونة الاخيرة.
وهذه المبادرات الاردنية التي اطلقتها ايضا الملكة رانيا في شأن التوظيف العام وخلق فرص العمل تجيء في ضوء اهتمام جلالتها بالنهوض بالوطن والمواطنين في اطار الاصلاحات الشاملة للبلاد وهي تنطلق ايضا راغبة في تجسيد الخطوات الفاعلة التي يقوم بها الملك عبد الله الثاني على صعيد الاصلاحات التي يجري تنفيذها في قطاع التعليم والتنمية السياسية وهذا يعني ان الاردن قدم نفسه كما شاهدت بالمؤتمر العتيد كدولة معاصرة قيادته حكيمة وبلد قائم على التعايش والمحبة والاخاء والسلام.. اقتصاده حر والحقوق المدنية وحرية الرأي فيه مصانة.
ولم تخل جلسات المؤتمر المتعددة والفاعلة والتي اعدت لها قيادة المنتدى برئاسة كلاوس شواب من ابحاث في جلسات متوازية حول بناء القدرات المؤسسية والاصلاحات في الدول العربية والتجارة ودور المجتمع المدني في بناء الانسان وكذلك تطوير المفاهيم التربوية والثقافية وهذه الجلسات القيمة جرى خلالها تبادل الخبرات واللقاءات بين رجال الاعمال العرب والاجانب وكانت فرصة ثمينة للقطاع الخاص العربي ليأخذ دوره بقوة في اعمال التنمية السياسية وعلاقات التعاون بين الدول وسبل تعزيزها بشتى الوسائل.
والواقع ان اعمال المنتدى الاقتصادي التي كانت مثار اهتمام العالم اكدت على ان هناك حاجة ماسة الى بناء الصلات بين دول المنطقة والعالم الخارجي ليصبح هناك تكامل بين ما يتم في منطقتنا وما هو قائم على المستوى الدولي حيث لاحظ المشاركون بالمنتدى بأن التجارة البينية العربية وكذلك لاستثمارات اقل مما يجب، ويمكن زيادتها اذا ما استخدمنا ما هو قائم من ثروات عربية داخل المنطقة العربية وبما يحققه الكثير من ابنائنا لتقديم خدمات افضل لشعوبنا.
فهذا المؤتمر الاقتصادي سلّط الضوء على الحقيقة الاساسية الاهم لمنطقتنا بكاملها ومفادها كما قال الملك عبد الله الثاني ان مستقبلنا يعتمد على الحل العادل للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي باقامة الدولة الفلسطينية قابلة للحياة تجاور اسرائيل وتكون عاصمتها القدس الشريف .
ومن الواضح انه قد تم خلال جلسات المؤتمر بحث المبادرات الفردية والنمو الاقتصادي وضرورة التمييز بين المتطلبات التي يجب توافرها لايجاد متخصصين في المجالات الاقتصادية والتنموية والثقافية والتعليمية وهو ما يقوم باعداده العديد من المسؤولين في الدول العربية من خلال تطوير نظم التعليم ورفع عدد الخريجين والارتقاء بهم من حيث النوعية من ناحية وما يتطلبه ايجاد اشخاص من ذوي القدرة على القيام بمشروعات متنوعة واكسابهم مهارات التنظيم والابداع والابتكار من جهة اخرى وهذه القضايا من شأنها ان تسهم كما سمعت من المشاركين في ندوة التوظيف العام التي رعتها الملكة رانيا العبدالله ولقيت اهتماما واسعا وكبيرا في اطلاق طاقات الابداع والتفكير وليس مجرد التلقين والاسترجاع باعتبار ان البرامج التدريبية خاصة التي تتم من خلال مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الاعمال لها اهمية كبيرة في زيادة الامكانات المتاحة لها من اجل ايجاد فئة من ذوي القدرة على قيادة المشروعات وتطويرها.
ولم ينس السياسيون خلال هذه اللقاءات من الحديث عن الديمقراطية، بل اكدوا على ان طريق الديمقراطية هو الطريق الوحيد للشعوب العربية ويجب مواصلة السير بها لتحقيق آمال الشعوب وتطلعاتهم نحو مستقبل افضل وضرورة اشراك المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية بالدول العربية وانهاء قضية العاطلين عن العمل والذي يتوقع ان يزداد عددهم خلال العقدين المقبلين ما بين 80 ــ 100 ميلون نسمة.. وان اجراء الاصلاحات الاقتصادية كما قال الخبراء ستسهم في حل هذه الازمة وبالتالي يتم تقليل خطر العنف.
اهمية انعقاد هذا المؤتمر في الاردن اكثر من غيره من الدول تؤكد انه بلد آمن ومستقر وقادر على مواجهة الظروف الراهنة الصعبة وتبديد الهواجس والمخاوف لدى رجال الاعمال والمستثمرين من ارتفاع المخاطر وان استثماراتهم بالاردن مصانة ومكفولة من البنك الدولي بهدف تحفيزهم وازالة حالة التردد في اتخاذ القرارات الاستثمارية والتنموية.. فضلا عن كونه يهيئ التشريعات الناظمة للنشاط الاستثماري في المنطقة ويوفر العديد من الفرص المتاحة.
ولعل عرض مجموعة من الشباب الاردني الواعد مشاريع واختراعات انتجوها بجهود فردية ترجمة لفكرة سمو الامير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد تهدف الى تحفيز هذا القطاع المهم وتعزيز قدراته وامكاناته خاصة وانني اطلعت على هذه العروض وشروحات المشاركين بالمنتدى سعيا لايجاد داعمين لافكارهم وتطلعاتهم وتوجهاتهم التي تشكل نواة لاختراعات تخدم البشرية وانطلاقة لمشاريع اقتصادية تتمثل في المجالات الصحية والعسكرية وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة وتكنولوجيا المعلومات والنشر.
حقا.. لقد نجحت اجتماعات المنتدى الاقتصادي بالبحر الميت بدعم من الملك عبدالله الثاني حيث قدم الرؤى الصحيحة والقويمة لبناء اقتصادي سليم وحظيت التوجهات الملكية وسياسات الاصلاح بالمملكة المبنية على الخطط الحكيمة والقائمة على الشراكة بين القطاعين الخاص والعام والتي اسهمت في ايجاد فرص عمل خلاقة للجميع باهتمام عربي ودولي كبير في مختلف المجالات كما لعبت مبادرة السلام الخلاقة التي قدمت للمؤتمر لدعم الجهود الرامية لاستئناف المؤتمر دورا بارزا لوقف سياسية الجمود في ازمة الشرق الاوسط بسبب سياسة التعنت الاسرائيلي ومواصلة الاستيطان ورفضها الافراج عن المعتقلين والسجناء الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، واستمرار عملية التهويد في القدس والمقدسات وفرض الحصار الجائر على الفلسطينيين الذين يعانون من هذا الاحتلال البغيض خلال السنوات الخمس والستين الماضية.
الامل كبير في ان يجري دراسة وتقويم النتائج العملية لهذا المنتدى وما توصل اليه من قرارات وتوصيات وتوجيهات وبلورة نتائجه للنهوض باقتصادنا بشكل دائم وبناء سياسة تنموية مستدامة والاسهام في التغلب على التحديات وتوفير الفرص وظروف المعيشة التي يستحقها الناس في كل مكان.
رئيس تحرير جريدة الكاتب العربي الاردنية
وجريدة سلوان الاخبارية
AZP07