المقبرة

قصة قصيرة

المقبرة

حيدر الحيدر

في آخر رحلة طافت به إلى مجهول غير مقصود .. هبط مع بقايا أحلامه صوب مقبرة صغيرة في طرف قصي ، من وهاد واسعة الأطراف  بفضاءات  بعيدة لا حدود لها ،

قبورها متباعدة ، قبر هنا وقبر هناك لا شواهد لها ولا صلبان ، يوحدها بياض غير معهود تلطخها آثار اكف حمراء تقطر دماً .

ساكنوها لا عناوين تميزهم ، يقرفصون فوق أرائك ضبابية بكامل هيئتهم واناقتهم .مرتبكون حيارى في معرفة مصيرهم ، إن كانوا أحياء أم أموات لايرزقون .

يركضون بأفكارهم خلف أطياف حبيباتهم متى ما هبط الليل مع مواويل العشاق القادمون .

فاتخذ القادم قبراً على مقربة من تلك المسافة المحصورة بين الصمت وصفير الريح الزاحف  بين أضلاع المقبرة الجرداء كحقول الهشيم في ظهيرة يوم تموزي حارق في وحشته .

وجلس ينتظر مثلما فعل الملا ناصر الدين في يوم من الأيام .

حتى اخترق سمعه صوت حزين يتوسل ببكائية غريبة ،

قد لا يستوعبها الأحياء قبل الأموات .

دفعه الفضول ليطل برأسه من جدار القبر ،

كما فعل الآخرون من ضيوف تلك المساحة الكئيبة ، لتقصي مصدر ومعرفة الصوت الآتي من جوف ٍ غير معلوم في هذه المقبرة .

فخاب أملهم بتوقف الترددات عن الاستمرارية ،  فلا انبعاث للصوت ، بل صورة تتخبط بين التشويش والوضوح تكشف عن كفنٍ ناصع في بياضه ، لا جثمان يحتويه ولا يضم جسدا يتحسسه الناظر من أمثاله .

كفن تتأوه أطرافه من تعبٍ ، كراية سقطت من قبضة فارس في ارضٍ يباب لا ماء فيها ولا شجر أخضر ، هكذا ظن الناظرون لأول وهلة . حتى اتضحت الصورة عن قبر يمكن رؤية ما بداخله ، كأنما يضيئه كرستال من وهج أحمر يكشف عن سر ٍ مكنون .

بدأ الكفن يتأوه من جديد ، وبتردد بطيء لا يستفهم معانيه ..!

ــ إيه ايها الكفن ماذا تقول ؟

استجاب الكفن لسؤال العيون المتجمهرة من حوله :

 حذاري حذاري حذاري حذار …!

فتح الحضور أفواههم  …

ــ ماذا ؟

ومضى الصوت يخترق الآفاق في دوامة من الحيرة ،

وتساءل القادم مستفهماً :

ماذا يعني كل هذا يا ترى !؟

همس ثقاة من المفسرين في دهاليز أذنيه :

القبر في الأحلام نذير ، فهو اما أن يكون سجناً أو ضيقاً أو خـــسارة ً أو تعباً ومرارةً   أو خيبة أمل ٍ أو مأزقاً .. أو أجل قريب ..

قال :صدقتم ..  الحشد الأكبر من الناس محاطون بهذه الأعباء ..

أما آنَ لهذا الجمع  أن يستريح قليلا ….. !؟

مشاركة