المغربية بشرى الزهار لونت أزهارالبادية

المغربية بشرى الزهار لونت أزهارالبادية
الفرشاة تتحسس دبيب الفراشات وقطر الندى
فيصل عبد الحسن
تعود لوحات الفنانة التشكيلية بشرى الزهار إلى ألوان البادية المغربية، فهي سليلة تلك المرآة النقاشة الفنانة الفطرية التي تضع ألوانها بشكل أعتباطي على ما تنسجه في البادية من زرابي، ومحافظ جلدية، وما توشي به كفيها من حناء، وما تغطي به الخيمة مما تنسجه من أصواف حيواناتها، ثم تلونه بما هو متاح مما تستخلصه من العشب والخرنوب وثمار وأوراق وزهور نباتات البادية من ألوان، لتلون بها خيوط ماتنسجه، لتضفي بعض الجمال على الفضاء الصحراوي الذي تعيش فيه مع عائلتها، وتلك الألوان التي تختارها الفنانة الشابة بشرى الزهار من جنس تلك التوشيات العميقة التأثير في الرائي، والتي تحيل لا وعيه إلى بدايات القرن عندما كان أغلب المغاربة من اجدادها يعيشون في البادية،
وعند سفوح جبال الأطلس، ولم يعرف المدن منهم إلا قسما صغيرا، وكانت علاقتهم بالمدينة تقتصر على التجارة، والترحال إليها لفترة وجيزة والعودة ثانية إلى حضن الطبيعة الغناء، والمراعي الواسعة وحياة النسك، والزهد، والخصاص، وسؤال الله تعالى المطر والخير وسلامة الأبناء، والأهل.
مدرسة تطوان
وفي العديد من معارض الفنانة بشرى الزهار الجماعية، والفردية في المغرب وخارج المغرب، أبتداء من عام 2001وإلى اليوم، وما رسمته أيضا من جداريات في بعض المدن المغربية، ظهر تأثرها الواضح بمدرسة مغربية أصيلة، هي ما أطلق عليها مدرسة العودة إلى الأصل، التي حاولت أن تستنسخ تجربة الفن المغربي الأصيل من خلال أستيحاء ألوان الزربية وزخرفة حقيبة الجلد وأوشحة الفرسان المغاربة، وألوان القب والجلباب المغربي، ومن فناني هذه المدرسة الفنان محمد شبعة، فريد بلكاهية، محمد المليحي، محمد القاسمي وغيرهم، وهي مدرسة في الرسم لا تجد ضرورة أن تحكي كل لوحة حكاية ما، ومعظم لوحاتهم تنقل لك أحساس الفنان وذوقه، وفرحه بالحياة، وتوقه للعيش بعيدا عن كل ما يحد فرشاته عن الرسم، ويحد من حريتها، وتمزج الألوان التي تعطي اللوحة بريقا ونورا صافيا، كتعبير عن الفضاءات الواسعة، التي تزخر بها طبيعة البادية المغربية، ومن هذه العودة للطبيعة، أشتق اسم المدرسة، وهي تختلف عما ورد إلى المغرب من تيارات، ومدارس الرسم الأوربي الذي أشاعته مدرسة تطوان التي أسسها الأسبان في شمال المغرب بداية القرن الماضي، ونقلت فنون الأوربيين في الرسم إلى طلبتها من المغاربة.
العين تسمع
الفنانة الزهار التي بدأت الرسم، وهي في سن الخامسة من العمر، ودرست بعد الدراسة الثانوية في مدرسة الفنون بالدار البيضاء مبادىء الرسم التشكيلي أبتداء من عام 1992 ولفترة ثلاث سنوات، وبعد ذلك أمضت سنتين في دار المعلمين لتتخرج كمدرسة لفنون الرسم عام 1997 وغب تخرجها شاء الحظ أن تشارك في مسابقة للرسم نظمتها إذاعة فرنسا الدولية بمشاركة شركة رينو للسيارات، ومن بين 1200 مشارك فازت بشرى الزهار بجائزة المسابقة، وكانت جائزتها سيارة من نوع رينو 5 ودفعها ذلك الفوز للثقة بموهبتها في الرسم، وأن تبدع المزيد من اللوحات وأن تشارك في العديد من المعارض الجماعية، والفردية في داخل المملكة المغربية وخارجها.
من يتأمل لوحات الفنانة الزهار يشعر أنه أمتلك حرية النظر والتأمل، فالعين ستسمع دبيب حركة فرشاة الفنانة على القماش، لكن روحه ستذهب بعيدا لترى موجودات الطبيعة، وألوان الزهور، وبهجة الخطوط، وهي تمتد مائلة مكونة مستطيلات ودوائر وأشكالا هندسية مكررة نفسها بأتساق لوني وألوان براقة، فأختفاء الحكاية من لوحاتاها يعطي العين الحرية لأن تصغي إلى اللون وحركات الخطوط، وبهاء الأشكال، من دون أن تلغى حاسة البصر لصالح الوعي ليفتش في متاهات الحكي، فاللوحات التي تنقل حكاية ما، كما يفعل عادة الرسامون الواقعيون والانطباعيون وغيرهم من المتأثرين بالرسم الغربي ومدارسه، وربما يظن الرائي أن الفنانة متأثرة بالرسم التجريدي، لكنه سرعان ما يبعد هذا الأفتراض عن ذهنه، كون الأشكال الظاهرة في لوحاتها والألوان المستخدمة لها ما يشبهها ويتناغم معها في الفن المغربي التقليدي، وأن الفنانة أخذت عن ذلك الفن الكثير مما رسمته في لوحاتها وجدارياتها، في فنادق ومطاعم في مدن مغربية مختلفة، وتتراوح أبعاد لوحات الفنانة بين 80 سم في120 سم و 80 سم في 90 سم وهي أبعاد كبيرة، وتسمح للفنان أظهار مهاراته في الرسم والتلوين.
الفن الفطري
وتجد في الكثير من لوحاتها أسم الجلالة الله إلى الأعلى إلى جانب خطوط غير مفهومة، ويقترب اللون الصلصالي في هذه اللوحات إلى لون ذلك الصلصال، الذي صنع منه الخالق تعالى جسد الإنسان، قال رب العزة في محكم كتابه ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون آية 26 سورة الحجر، وقال تعالى أيضا وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين آية 28و29 سورة الحجر، أن لفظ الجلالة الذي يرد في اللوحات هو تذكير، للرائي بالمنبت الحقيقي لهذه اللوحات، أنه تضمين للعائدية للفن الفطري المغربي، الذي أخذ من فطرة الإنسان، ومن محبته لله وللحكمة والجمال والطهر و بحثه عن الحق، والنور، والعطاء، والخير، أنه تضمين كذلك لما حفظه الناس في البادية المغربية من قصص المتصوفة وأخبار الزهاد، ورحلات الحجاج إلى بيت الله الحرام، أنها عودة إلى العقل الجمعي، عبر الخطوط غير المفهومة، والظلال والتداخل اللوني الذي تجيد هذه الفنانة وضعه في لوحاتها، وبحق فقد لونت الفنانة بشرى الزهار أزهار البادية لتنقلها بعد ذلك إلى لوحاتها.
/6/2012 Issue 4220 – Date 7 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4220 التاريخ 7»6»2012
AZP09