المغربية أمينة كوستو

المغربية أمينة كوستو
فك سحر المسحورين برسومات الأطفال
فيصل عبد الحسن
معرض الفنانة أمينة كوستو الذي أفتتح يوم 20 يونيو حزيران 2012 وأستمر لغاية 30 من الشهر ذاته، في قاعة النادرة وسط مدينة الرباط، كان مزارا للمهتمين بالفن التشكيلي الفطري، وللجمهور المحب للفنون التشكيلية، وقد أزدانت قاعة العرض بعشرات من لوحات هذه الفنانة، ومن مختلف الأحجام الكبيرة، والمتوسطة والصغيرة، التي بدت وكأنها طلاسم، وأعمال لفك السحر عن المسحورين.
لقد أتسمت رسومات هذه الفنانة الفطرية، كونها من الفنانات اللاتي خاطبن الضمير الجمعي للمغاربة من خلال التركيز على الأساطير والخرافات في الميثلوجيا المغربية، وهي وإن كانت قد تأثرت إلى حد ما بالطريقة التي كانت ترسم بها الفنانة الفطرية الراحلة الشعيبية طلال، إلا أن رسوماتها لم تعكس تجربة الشعبيبة الغنية بالأفكار والألولان الساخنة، التي سميت بالطريقة الوحشية في الرسم بل أختارت جانبا آخر لنقل الفولكلور، والميثولوجيا المغربية إلى الجيل الحالي، وذلك من خلال نقل أفكار وتصورات الناس في المغرب عن الجان والسحر والمشعوذين وقراء القرآن الكريم، والأولياء وقدرتهم على فك سحر المسحورين وأطفاء حسد الحاسدين بتلاوة سور من القرآن الكريم، كما نقلت أحساسها بفرح الحياة المقيدة، أو ما يسميه البعض عادة بالرضاء بما قسمه الله تعالى لبني البشر، فرسوماتها، التي تشبه رسوم الأطفال عادة تنقل فرح الحياة لمن يعيشون ووراءهم أسوار عالية، وتحيطهم الأبواب والأقفال الكبيرة، وعتلات خشبية ضخمة لغلق الأبواب الخشبية الكبيرة، التي تبدو وكأنها أبواب لأسوار وبنايات في غاية القدم والضخامة.
فنانون كبار
أمينة كوستو فنانة فطرية كانت تعمل في صناعة الزرابي، وكانت تختار ألوانها لتبثها من روحها ثم تضعها في النسيج الصوفي كأشكال هندسية ملونة أو قباب ومنائر ودوائر ووجوه مثلثة لرجال ملتحين، لكنها منذ سنوات غادرت هذه المهنة، لترسم لوحاتها بالزيت وتبثها مكنوناتها، وهي في البداية لم تجد مكانا تعرض فيه لوحاتها، فكانت تبيعها هنا وهناك، أو تعطيها لمن يبيعها لها، إلا إنها إلى قبل فترة سنة تقريبا تغير وضعها، وصار لها مكانها الذي تعرض فيه لوحاتها، وذلك حين تم تغيير الأكشاك التي تباع فيها باقات الوورد وسط مدينة الرباط فتحولت إلى أكشاك يعرض فيها الفنانون المغاربة لوحاتهم، وقد نجحت ببيع العديد من لوحاتها في الكشك الصغير الذي خصص لها لفترة دورية محددة، ولمن يتساءل عن العلاقة بين فن التشكيل وصناعة الزرابي؟ نقول له، كما قاله فنانون مغاربة كبار كمحمد شبعة والحريري وفريد بلكاهية والقاسمي، وغيرهم أن الفن المغربي الصادق، والحقيقي، هو ذلك الفن الذي أبدعته الفنانة المغربية، الفطرية، التي تعيش على سفوح جبال الأطلس والبادية الجنوبية المغربية، التي تضع الألوان لتوشيات الزرابي التي تنسجها، وتلون حقائب الجلد، وما تضعه في خيمتها من مناديل موشاة بمختلف الألوان الزاهية، وما ترتديه بناتها من ملابس ملونة في الخطوبة، وعند الزفاف، وقد أختارت ألوانها الأم الفنانة، وما وضعته على كفي العروس من توشيات الحناء، وتطريزات جميلة لغطاء الرأس، فالفن التشكيلي المغربي الحقيقي هو كل تلك الفنون، أما ما جاء من رسم أنطباعي وواقعي وسريالي، وغير ذلك من المدارس الفينة، فهي فن أوربي لا يمثل المغرب ولا علاقة له بفلكلور المغرب وأذواق المغاربة الفنية، فهو فن يمثل ما يراه الآخر عن الفن، ولكن ما يبهج المغاربة حقا، هي تلك الفنون التي يراه الناس فيما يتداولوه أهلهم في المغرب، لقد بقيت أمينة كوستو أمينة لفنون الأباء والأجداد وذلك لتعبيرها عن مخزونهم الثقافي والفني عبر التعبير عنهم من خلال لوحات فطرية عسكت جمال تصورات المغاربة عن الحياة والموت، والإيمان بالله، واليوم الآخر، وبالحق والعدل والجمال من خلال ما رسمته من رموز، وأسوار وبنايات ووجوه ضاحكة، لا تملك الأبعاد الحقيقية للشخوص الحقيقيين، لكنها تنقلهم لنا رمزا، فنعرف ما تريد أن تشير إليه رسما، وبخطوطها المتعرجة وألوانها الساخنة.
سحر المسحورين
في إحدى لوحات أمينة كوستو التي رسمتها عن المسحورين، نرى أنها رسمتها بعدة طبقات، وتبدو الطبقة الأولي في أسفل اللوحة إذ تظهر فيها نساء ورجال يعدون سحرا أو أمرا مريبا، وفي العادة تحيط الطبقة الأولى بفضاء ضيق يشبه جوف السمكة، فالفضاء المخنوق يوحي بجو السرية، كما أن الأقوال فيما يبدو للناظر تقال همسا، وسط أدخنة البخور وترديد طلاسم، أنه عالم الظلام والسرية، والأعمال القبيحة، وفي الطبقة الثانية من اللوحة نرى الحياة تسير كما هي بأفراحها الصغيرة، وشؤونها اليومية المعتادة، ونرى من عُمل لها السحر لاهية لا تدري بما يحاك لها في السر، تطبخ وتخيط الملابس وتتكلم مع جاراتها، أنها تعيش في عالم الضوء والبراءة والحلم بالحياة الطبيعية، وتحلم بالعريس الشاب الذي سيشاركها الحياة، فالعريس الشاب يبدو الى جانب اللوحة بيدين مفرودتين وكفين فارغين، كأنما يعاني ضيق ذات اليد، فلا يستطيع أن يخطو خطوته الأولى نحو العروس المرتجاة، لأنه لا يملك مهرها، الحاسدون والحاسدات يظهرون في لوحات كوستو عادة بعيون مفردة، فهي ترسم لكل حاسد عينا واحدة فقط، وكأن الأخرة عدمت من الظهور، فهي لا ترى الخير في الحياة بل تتمنى أن تسلب الآخرين ما لديهم من نِعَم، وفي طبقة الضوء هذه يظهر الفقيه حافظ القرآن الذي سيخلص المسحورة من السحر وعيون الحاسدين، وفي الطبقة التالية تظهر الفتاة، وقد تحولت إلى عروس بثياب العرس التقليدية المغربية، وإلى جانبها العريس المرتجى وقد توشح بثياب ملونة، وعند قدميه الجني الذي حاول أن يسحرهما مقيدا بحبال من مسد، وفي الطبقة الموازية نرى الحاسدين والحاسدات بعيونهن المفردة، وقد خابت مساعيهن في أفشال العرس، وتلي ذلك في اعلى الطبقات من اللوحة، طبقة رسمت فيها الفنانة رقصة الزار المبتهجة وهم يعزفون على آلة الهجهوج المغربية مقطوعاتهم الموسيقية، التي تعلن أتمام العرس، والانتصار على الجن والسحارين، برقصات الفرح، أنها أخيرا فكت سحر المسحورين برسومات الأطفال، التي رسمتها وأبهجت بها الناظرين إلى لوحاتها.
أنها في كل لوحة تنقل مقدرة الحواس إلى أقصى طاقاتها، لترى ما يحدث في المستقبل وتسمع ما يدور على الألسنة في الأمكنة المعزولة، البعض ممن أشترى لوحات هذه الفنانة الفطرية أخذ بما يشاع عن لوحاتها، بأنها تفك السحر عن المسحورين، وتمنع عيون الحاسدين عن نقل الأذى لأصحاب البيت، الذين يضعون لوحاتها في مكان بارز من صالونات بيوتهم، أن ذلك يدلل بوضوح نجاح فن أمينة كوستو الفطري بنقل مخاوف الإنسان المغربي، وما ورثه من فوبيات قديمة من الأجداد إلى الرائي العصري، وجعلته يبحث في ذلك الماضي عما يعانيه في حاضره من أوجاع وأزمات، أنه الفن الذي يقودنا إلى التأمل والتفكير والحلم أيضا بوسائل لما نعانيه في يومنا الحالي من هموم وأوجاع وأحباطات.
/7/2012 24 Issue 4259 – Date Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4259 التاريخ 24»7»2012
AZP09

مشاركة