المسجد الأموي: معلم يجمع الأديان

نورهان شيراز

يُعتبر المسجد الجامع الأموي في دمشق أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية في العالم الإسلامي، إذ يجمع بين القدسية الدينية والتفرد المعماري. يحمل المسجد في أرجائه عبق التاريخ، محتضنًا بين جدرانه رموزًا ذات دلالات دينية عميقة، تمتد لتشمل مختلف الأديان السماوية.

مواضع القدسية والرمزية

يضم المسجد الجامع الأموي موضعين بارزين يضفيان عليه قدسية خاصة:

موضع رأس يوحنا المعمدان (النبي يحيى عليه السلام): يُعتقد أن رأس النبي يوحنا المعمدان، الذي أمر الملك هيرودوس بقطعه وتقديمه كهدية لابنة زوجته هيروديا، قد دفن في هذا المكان. ورغم مرور الزمن، لا تزال الحنية التي دُفن فيها الرأس موجودة، وتحمل كتابة باليونانية تمجّد السيد المسيح عليه السلام.

موضع رأس الإمام الحسين بن علي: بعد واقعة كربلاء، يعتقد ان رأس الإمام الحسين نُقل إلى دمشق، حيث وضع في هذا الجامع.

تاريخ بناء المسجد

تعود أصول الموقع إلى عصور قديمة جدًا، إذ كان في البداية معبدًا آراميًا للإله “حدد” (إله البرق والرعد)، قبل أن يتحول إلى معبد روماني للإله جوبيتر، ثم إلى كاتدرائية مسيحية في القرن الرابع الميلادي تُعرف باسم “كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان”.

بعد الفتح الإسلامي لدمشق عام 643م، اقتُسم الموقع بين المسلمين والمسيحيين لإقامة الشعائر الدينية. وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (705-715م)، تم شراء الكاتدرائية من المسيحيين وتحويلها بالكامل إلى مسجد، مع الحفاظ على بعض العناصر الأصلية، مثل الحنية المستخدمة اليوم كمحراب.

العمارة الإسلامية الفريدة
يتجلى جمال العمارة الإسلامية في تصميم المسجد الجامع الأموي، إذ يحتوي على صحن كبير مستطيل الشكل، وإيوان رئيسي تتوسطه قبة النسر، التي تعد واحدة من أبرز معالم المسجد. يبلغ ارتفاع القبة 45 مترًا وقطرها 16 مترًا، وقد وصفها الرحالة ابن جبير بأنها “معلقة من الجو” لجمالها وعلوها.

يحيط بالصحن أروقة مزخرفة بأقواس تحملها أعمدة رخامية، بالإضافة إلى مآذن المسجد الثلاث، ومنها مئذنة عيسى عليه السلام، التي يُعتقد أن المسيح سينزل عندها يوم القيامة. كما يتميز المسجد بزخارفه الفسيفسائية الذهبية التي تزين الجدران، وتصور مشاهد طبيعية خلابة تُضفي عليه طابعًا جماليًا فريدًا.

الأهمية عبر العصور
شهد المسجد الأموي العديد من التجديدات والإضافات عبر التاريخ. ففي العصر العباسي، أدخل الخليفة المأمون تحسينات على البناء، أبرزها قبة الخزنة. وتعرض المسجد للحريق عدة مرات، إلا أنه أُعيد ترميمه في كل مرة، مما ساهم في الحفاظ على جماله وعظمته حتى اليوم.

قدسية عابرة للأديان
يمثل المسجد الجامع الأموي رمزًا للتعايش الديني، حيث يقدسه المسلمون  كما يُعد وجهة روحية للمسيحيين والصابئة.

إرث خالد
سيبقى المسجد الجامع الأموي شاهدًا على تعاقب الحضارات والأديان، ورمزًا لجمال العمارة الإسلامية، وقصة خالدة تحكي تاريخًا غنيًا بالتنوع والقداسة.

 

 

مشاركة