المساءلة وقانون روبسبير
غسان توفيق الحسيني
لقد مر العالم أجمع منذ بدء الخليقة بكثير من القوانين المجحفة في مختلف عصورها وأزمتها ومنها فرنسا خصوصا بعد الثورة الفرنسية.
والذي عرف في حينها بعهد الارهاب الذي وصل من خلالها روبسبير عام 1793 الذي اعتبر رجل فرنسا الاول والذي كان يرى انها لا يمكن حماية الجمهورية الا بضرب اعدائها في الداخل ولذا فإن المقصلة لم تعد في هذا العهد وقفا على النبلاء بل صار زبائنها من كل الفئات وحتى من بين اولئك الذين كانو انصاراً للثورة في ايامها الاولى ثم اشتطت بعد ذلك روبسبير في حكمه المطلق فأرسل الى المقصلة كل من تجرأ على مقاومته او معارضته فأعدم في ستة اسابيع عدة الاف من الموطنين.
وقد اصدر روبسبير قانوناً جاء بمثابة السيف المسلط على رؤوس اعضاء المؤتمر الوطني فقد حرمهم القانون المذكور من حصاناتهم البرلمانية واجاز محاكمتهم دون الرجوع الى المؤتمر الوطني ولم يعد بإمكان محكمة الثورة بموجب القانون المذكور ان تحكم الا بالإعدام او البراءة.
والحال نفسه في العراق فان هيئة المساءلة والعدالة لا تقل شأناً عن قانون روبسبير فما عادت تعمل بمهنية همها الوحيد هو تصفية الخصوم بين الحين والاخر فلو عدنا الى الوراء لرأينا ان تلك الهيئة كانت تعرف باسم اجتثاث البعث الذي قام بتشكيله الحاكم المدني بالعراق بول بريمر بعد سقوط النظام مباشرة. ولكن بعد عدة سنوات تم تغيرها باسم المساءلة والعدالة فأصبح مهمة تلك الهيئة هو خلق الازمات في العراق واشغال الناس بتلك الازمات والصراعات ففي كل فترة وخصوصا بعد فشل الحكومة بمعالجة الملف الامني والملف الخدمي فإنها تلجأ الى خلق تلك الازمات والتي بدايتها بطرد 80 موظفاً في مصفى بيجي بحجة انهم مشمولون بالمساءلة والعدالة ولم تمض فترة طويلة حتى شمل هذا القانون 140 موظفاً وتدريسياً في جامعة صلاح الدين مما ادى الى خلق ازمة بين الحكومة المركزية ومجلس محافظه صلاح الدين وارادت ان تؤدي تلك الازمة الى تقسيم العراق الى فيدراليات، جاءت نتيجة كردة فعل على هذا القانون المجحف وادت لصرعات استمرت لفترة ليست بالقصيرة.
ولم تمض بضعة اشهر حتى عاد هذا القانون ليشمل 30 قاضيا في الموصل ليفتعل ازمه اخرى ولكن هذه المرة مع القضاء لتغلق محاكم الموصل ابوابها والا كيف ستكون محاكم في الموصل هل سيتم تسفير المتهمين الى بغداد لمحاكمتهم.
هنا اتساءل لماذا لم يطبق هذا القانون بجملة واحدة أي بعد سقوط النظام عام 2003؟ لماذا يكون على شكل دفعات كلما واجهت الحكومة صعوبات بادرت الدولة بخلق تلك الازمات من خلال ما يعرف بقانون المساءلة والعدالة؟
وهناك سؤال يدور في الاذهان هل قرار تلك القوانين الغاية منه اشغال الناس لكي يتناسوا المطالبة بأبسط الخدمات ام انها تريد من خلال ذلك تصفية الخصوم. فكلنا نعرف ان هناك كثيراً من الذين يشملهم قانون المساءلة والعدالة يعملون بمناصب حساسة والحكومة لها علم بذلك لكنها تغض النظر. فلماذا لا يكون هذا القانون ساري المفعول على كل الذين تشملهم هيئة المساءلة والعدالة؟
اذن اصبح هذا القانون اداة بيد الحكومة تقوم من خلالها بتصفية أي شخص يتعارض مع افكارها او معارضتها لها فأصبح بحق قانون روبسبير وقانون المساءلة والعدالة وجهين لعملة واحده فكلاهما يقوم بتصفية الخصوم.
AZP07