قصة قصيرة
المراهقة الكبيرة
بالرغم من انها تعدت الخمسين منذ سنوات.. الا انها ابنة العشرين.. وتصادق من هن باعمار ابنتها وترتدي ما يرتدن من ازياء.. وتتصرف تماما مثل تصرفاتهن مع ان الزمن الذي لا يرحم احدا قد ترك اثاره على وجهها وباتت التجاعيد واضحة تماما وكذلك على يديها.. الا ان شيئاً واحداً فيها كان مغريا وكان الزمان بعيدا عنه وذلك فلقد كانت صاحبة وركين عريضين وساقين ملفوفتين رائعتين وكانهما صنعتا من نور الفجر.. وكانت تدرك هي جمال ساقها وكعبها وقدمها فكانت تعتني بها بشكل ملحوظ.. الاظافر مصبوغة كل يوم حسب ما ترتديه من ازياء الاحمر والاخضر والازرق والبنفسجي وغيرها من الالوان.. كما وضعت سلسلة ذهبية (خلخال) باحدى القدمين.. مما زاد ذلك من جمالها.. وكانت النساء يحسدنها على ما تمتلكه من ساقين.
وكانت لسالي فلسفتها لذلك فتقول : ان الشباب شباب الروح.. وانا اشعر باني اصغر منكن جميعا.. وكانت توجه الحديث لابنتها وصديقاتها فضحكن وقلن: فعلا انت اصغر منا ما دام كل هذا الاعتناء بنفسك وكانت سالي مطلقة ولها ثلاثة اولاد وبنت وقد تزوج الجميع وبقي احد الاولاد يعيش معها ولقد القت بشباكها حول احد الشباب الذي كان بعمر اولادها واغرقته بالفلوس والهدايا وكان ذلك الشاب لا يملك شيئا سوى رجولته وصحته ولم يسبق له ان عاشر احداهن او ارتبط بواحدة بعلاقة حب.
ولما شاهد كل ذلك الحب والعطف والحنان وكل شيء اصبح طوع امرها.. والسيولة اصبحت بين يديه.. غرق في حبها واصبح يريد رضاها بعد ان تمكنت منه فتزوجت منه رغم اعتراض اولادها.. الا انها لم تصغ لاحد ولم تبال بكل ما قيل وقال ومنعت اولادها من زيارتها وان كانت تريد رؤيتهم هي من تذهب اليهم.. لان زوجها يقول لها : لا اريد ان اصادف احد اولادك.. فان ذلك يحرجني.
ولم تصدق ان ذلك الشاب وبكل فحولته يكون زوجا لها.. فكرست كل لحظاتها لخدمته.. حتى انها كانت تدخله الحمام وتشتري له كل احتياجاته مع ان الاستاذ كان عاطلا بلا عمل.. وكانت سعادتها بذلك كبيرة.. خاصة عندما تلاحظ البنات وان هناك بصمات زرقاء قد تركها الاستاذ حول عنقها وصدرها.. وكانها تريد ان تقول لهن بحال لسانها: انها مازالت مثيرة ومرغوبا فيها.. ولم يكن ذلك يخجلها.
وبعد ان عرف ذلك الشاب النساء وعرف اسرارهن وما وراء ثيابهن.. ولم يكن يتصور يوما بانه سيحصل على واحدة منهن.. لانه كان يرى ذلك بعيدا عن متناوله لانه بلا العمل وليس له رغبة فيه وتعود ان يكون عالة على اهله واخوته.
فاصبح شاغله هو النساء مادمن يملكن مثل السيولة وكذلك اصبح في اخر الشياكة ولا يخرج الا اذا العطر قد اعلن عن قدومه.. واخذ يبحث عمن هي في قبل عمره وكان قد تعرف على واحدة وجد فيها ضالته.. وشعرت سالي بان زوجها الاستاذ قد بدأ يتغيير شيئا فشيئا.. واصبح لا ينام الا بعد مدد متباعدة وان مشاعره التي تملأ الليل بهمساته قد اختفت تماما.
واصبح تعامله معها خشنا واحيانا يصل الى حد الايذاء الجسدي.. وجاء هناك من يقول لها: ان الاستاذ على علاقة مع احداهن.. وانه تقدم لخطبتها.. وهنا ثارت ثائرتها وواجهته بكل الذي سمعته ولم ينكر ولم يحاول ان يدافع عن نفسه فقال لها: كل هذا صحيح ومن الحرام ان ادفع شبابي او ان ادفن شبابي معك وانت في خريف العمر فانا وجدت من هي ربيع دائم.. فاعذريني فانا راحل وانت طالق بالثلاث.
ولم ياخذ منها شيئا عدا ما يرتديه من ملابس وبقيت هي وحيدة تبكي بمرارة بعد ان طعنها ذلك الاستاذ بالاعماق.. وقال عنها انها لم تكن سوى (خريفا) وهي وكل اعماقها ترفض ان تصدق هذا فتقف امام المرآة: وتقول ومن هي تملك مثل هذا الجسد وكانت تمرر يدها على صدرها حتى اسفلها..
وكان الجميع يتوقع مثل هذه النهاية لذلك الزواج الذي امتد الى سنتين تقريباً.. وهي مدة طويلة حسب رأي الاخرين.. وعادت سالي الى حياتها مجددا وكلها اصرار بان تكون شبابا دائما.. فاجرت بعض العمليات التجميلية وارتادت الصالونات وكل ذبك حتى تثبت للجميع بانها مازالت مرغوبة.
وكم كان يسعدها ان صادفها احد في الشارع وقد اسمعها كلمة اعجاب والعمر يتقدم بها وهي ما هي عليه من شباب دائم وكان والد اولادها يزور اولاده بين الحين والاخر ويطمئن على اخبارهم واحوالهم.. وكان رجلا كبير وقوراً محترما هادئا وحديثه عذبا حلوا وكان يرثى لحال زوجته وام اولاده وكان يعرف اخبارها ويقول عنها ان كل ذلك يسري في دمها.. ويقصد تمسكها بالشباب وهذه خصلة حميدة على ان تحترم اذواق الناس في ما ترتديه من ازياء وفي ذلك احترام لذاتها ولا احدا يعيب عليها ان كان تتمسك بالشباب وتجسد ذلك وتكرسه لعائلتها الا للاسف ان غرورها وحبها لنفسها قد اخسرها كثيرا وكان لم يلتق بها منذ ان تم الطلاق بينهما.. وكانت هي باعماقها تتمنى ان تراه.. فانه حبها الاول ومن عاشت معه احلى ايام عمرها.
وشاءت الاقدار ان تلتقي به وهو في زيارة لابنته التي كان يتردد عليها كثيرا لحبه لها.. ولانها كانت دائما على اتصال به للاطمئنان عليه.. وما ان صادفته حتى ارتمت عليه لتعانقه بشدة وتبكي كالاطفال وبقى هو مشدوها واخذ يقول لها: لا باس عليك لا باس واخذها من يدها واجلسها وابناهما قد ارتسمت البسمة على شفتيهما لما شاهدوه من منظرهما.
واخذت تقول له وهي مازالت تبكي: لماذا لم تسأل عني الم اكن اما لاولادك هل نسيتني.. وكان يقول لها : لا لم انسك الا ان مشاغل الدنيا قد ابعدتني عنك.. وراحت تنظر له وتملأ عينها منه وهي تقول : اني كنت انتظر ان اراك .. فقال لها مداعبا: وماذا تريدين مني وانا رجل كبير وانت مازلت في ريعان الشباب.
قالت: بل انا اراك من احلى الشباب.. فقال ضاحكا : لا لقد ضاعت علينا..
وابنتهما مازالت واقفة ترى ما يجري بينهما وهي ضاحكة .
ثم قالت سالي: هناك شيء كنت احب ان اخبرك به وكان يؤلمني جدا.. فقال: وما هذا الشيء.. قالت: لقد اخطأت بحقك.. وندمت وهناك حقيقة ادركتها بعد فوات الاوان اني من بعدك كنت ضائعة تائهة فقال لها: لقد كنت متأكداً من ذلك.. وايضا هذه بطولة منك لاعترافك بكل ذلك فقط تاكدت الان انك اصبحت على الطريق المستقيم وعرفت صالحك وطلبت منه ان يزورها ويسال عنها وان لا يغيب عنها..ووعدها خيرا ثم غادرهم.. ومرت بعض الايام فاخذت سالي تتصل به تلفونيا وتسال عنه وتطالبه بالوفاء بوعده في زيارتها ورغم الجراحات التي تركتها في قلبه ولا يمكن شفاؤها الا ان هناك شيئا في اعماقه كان يتمنى ان يلقاها ولمرة واحدة على فراش الزوجية وايضا هي كانت تريده وتتمناه.
حتى كان في زيارتها ووجدها كما عهدها في الايام الخوالي وهي بقميص النوم وقد برزت مفاتنها.. وقالت له: انا اعلم انك تحبني وتريديني وطلاقنا طلاق رجعي.. فاريد ان اكون في عصمتك.. ولا ابغي اي شيء منك بالمقابل وانت غير ملزم بان تكون معي بل حتى يكون ما بيننا شرعيا.. ماذا اقول.. وسكت طويلا.. ونهض وضمها الى احضانه .. وقرأ عليها صيغة الزواج في القبول والايجاب واشهد الله على ذلك.. وكان لقاء حميما.. استطاعا من خلاله اطفاء لهيب اشواق كل سنين الفراق..
محمد عباس اللامي – بغداد