المرأة .. العقل والنقل

المرأة .. العقل والنقل

سناء حميد البياتي

لا يخفى على كل من يتتبع مشاهد الحياة العلمية والعملية ما طرأ عليها من تطور كبير خلال أكثر من قرن من الزمن ساهمت المرأة بجزء كبير منه، وتتضح الصورة جلية بمقارنة بسيطة بين عدد الطبيبات في بداية القرن الماضي وعددهن الآن، هذا فضلا عن الاختصاصات الأخرى التي تطول قائمتها التفصيلية.. ولكن الغريب  ما تزال المقولة المنقولة في وصف النساء (ناقصات عقل ودين) تتردد على ألسنة بعض المسلمين والمسلمات وفي بعض ما يكتب في العصر الحديث، وذلك يعود إلى مقولة متوارثة مرجعها ما نسب للنبي محمد ﷺ في رواية مفادها أن النبي ﷺ مرّ بجمعٍ من النساء في عيد فطر أو عيد أضحى وقال لهن:

(يا معشر النساء تصدّقن فإني رأيتكنّ أكثر أهل النار. فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفّرن العشير( أي الزوج)، ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكنّ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها).

هذه المقولة المنسوبة للرسول الأعظم ﷺ توارثها الخلف عن السلف واستقرت في الفكر الجمعي لكثير من المسلمين رجالًا ونساءً، والأدهى من كل ذلك أن كثيرًا من النساء خضعن لهذه المقولة واعتقدن فعلا أنهن ناقصات عقل ودين، وكما هو معروف أن الإيمان بفكرة معينة تجعل صاحب الفكرة يمتثل ويخضع لها ويعيش تحت وطأتها. وهكذا قبلت المرأة – تحت سطوة الفكر الجمعي – أن تعيش محكومًا عليها بنقصان العقل والدين، وترتب على هذا ما ترتب من التعامل معها على أنها الأدنى، ومن ثم شعورها بالدونية الذي أدى إلى تأخرها حقبة زمنية ليست بالقليلة.

عزلة عظيمة

ولو أنعمنا النظر في هذه المقولة نجد فيها إساءة للرسول الأعظم قبل أن تكون إساءة للمرأة، إذ كيف للنبي الأمين أن يغفل عن موقف خديجة الكبرى – رضي الله عنها – التي كانت أول من صدّقه، فهل صدّقته لنقص عقلها؟ ثم ساندته ماديًا ومعنويًا وشدت أزره، كيف يمكن أن يصفها من خلال وصف النساء عموما بنقص العقل والدين! وهل يمكن للنبي أن ينسى أول شهيدة في سبيل الإسلام أم عمار، فهل استشهدت لنقصان دينها؟ وقصة أم سلمة في يوم الحديبية حين أشارت على الرسول الكريم بما يدل على وفور عقلها وصواب رأيها. حاشا للنبي محمد أن يغفل عن كل ذلك وحاشا له أن يغفل عن أن الله تعالى ضرب بالمرأة مثلا في قوله: ( وضرب اللّه مثلا لِّلّذِين ءامنوا امرأة فِرعون إِذ قالت ربِّ بنِ لِي عِندك بيت ا فِي لجنّةِ ونجِّنِي مِن فِرعون وعملِهِ ونجِّنِي مِن لقومِ الظّالِمِين) التحريم 11

وإذا عدنا للنص المروي على أنه حديثٌ للنبي محمد لنعرضه على حديثٍ آخر قاله  فيما معناه (إذا جاءكم الحديث عني  فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فخذوه، وإن خالفه فدعوه) وهو مصداق لقوله تعالى: ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الشورى 10،  وهذا يعني ضرورة عرض حديث (ناقصات عقل ودين) على القرآن الكريم لنعرف مدى صدق هذه الرواية عن رسول الله.

وعندما نعود للقرآن الكريم نجده مثالًا للعدل فقد أعطى لكل ذي حق حقه حسب دوره الذي هيأه الله تعالى له لتستقيم الحياة، ولا نجد فيه آيات تقلل من شأن المرأة بل ضرب الله بها مثلا امرأة فرعون في الآية السابقة الذكر( التحريم 11) و قال جلّ وعلا: ( وكرّمنا بني آدم…) الإسراء70، وكلمة بني آدم تشمل الجنس البشري ذكورًا وإناثًا، ثم هل هناك أكثر تأكيدًا من قسمِه تعالى على كمال خلقِه للإنسان في قوله: (لقد خلقنا الإِنسان فِي احسن تقويم)  التين 4، هذا بالإضافة إلى أن الله تعالى جعل المرأة نظير الرجل في الصفات الموجبة للمغفرة والأجر والثــــــــواب حيث قـال تعالى : (ان المسلمين والمسلِماتِ والمؤمنين والمؤمِناتِ والقانِتِين والقانِتاتِ والصّادِقِين والصّادِقاتِ والصّابِرِين والصّابِراتِ والخاشِعِين والخاشِعاتِ والمتصدِّقِين والمتصدِّقاتِ والصائمين والصائمات والحافِظِين فروجهم والحافِظاتِ والذّاكِرِين الله كثِيراوالذّاكِراتِ أعدّ الله لهم مّغفِرة وأجراً عظيما) الأحزاب 35.

 ويا لها من عدالة عظيمة في منح كل ذي حق حقه، فحق المرأة كحق الرجل في المغفرة والأجر والثواب ما دامت تتصف بهذه الصفات، ولو كانت ناقصة عقل ودين لما فرض عليها من الصفات ما فرض على الرجل ولما وجب أن تحظى بكامل المغفرة والأجر كما يحظى بهما الرجل، لذلك فإن الحديث المنسوب للنبي ﷺ الذي حكم على المرأة بأنها ناقصة عقل ودين يتعارض مع القرآن الكريم.

ولنعد للمقولة المتوارثة في وصف النساء بأنهن (ناقصات عقل ودين) ونعرضها على واقع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية في العصر الحديث ، وما ينبغي أن يكون عليه فهمنا للدين من خلال القرآن الكريم .

في المقولة شطران

الشطر الأول : المرأة ناقصة عقل

تنتفي هذه المقولة بما أثبتته المرأة من جدارة في مجالات علمية متعددة، واختصاصات مختلفة، والعلم من مقتضيات العقل، وبما أثبتته من قدرات فائقة في مختلف مناحي الحياة، فمن النساء من هنّ عاملات متميزات، وطبيبات ماهرات، ومهندسات بارعات، وحقوقيات، وتدريسيات أخذن مكانة مرموقة في مختلف الجامعات العربية والإسلامية والعالمية، وفي المدارس على اختلاف مراحلها، ومنهن ربات البيوت اللواتي تميّزن بقدر كبير من الذكاء والقدرة على إدارة البيت وتربية الأولاد واحتواء الزوج وتنظيم الأسرة، وهذا الواقع  اصبح حقيقة ثابتة لا مجال لنكرانها، وهي تدحض الشطر الأول من مقولة (ناقصات عقل ودين).

الشطر الثاني : المرأة ناقصة دين

وهنا يحق لنا أن نسأل: ما هو الدين ؟ هل الدين هو الشعائر كالصوم والصلاة ؟ أم أن للدين معنى أعمق من هذه الشعائر بكثير.

نعود إلى القرآن الكريم وإلى آياته ليتضح لنا معنى الدين

قال تعالى: (إِنّ الدين عند الله الاسلام ) آل عمران 19

وقال تعالى:(ومن يبتغِ غير الإِسلامِ دينًا فلن يقبل منه وهوفِي الآخِرةِ مِن الخاسِرِين) آل عمران85

إذن لم يقل تعالى: إن الدين هو الشعائر لكي يستنج أن المرأة ناقصة دين لكونها معفاة في أيام محددة من أداء بعض الشعائر، وحاشا لله أن يعيبها لهذا الأمر وهو خالقها الذي أراد لها ان تكون بهذا الخلق لتؤدي دورها في الحياة، فهل ينتقص من دينها لسبب كان الله تعالى مسؤولًا عنه؟

رخصة الافطار

وهنا ينبغي التنبّه إلى أن في جميع الشعائر رخصًا للتخفيف، كرخصة الإفطار لمن كان مريضًا أو على سفرٍ في شهر الصيام، ورخصة الإعفاء من الحج لمن لم يستطع إليه سبيلا، ولم ينتقص أحدٌ من دين مفطرٍ سمح الله له بالإفطار، ولم يوصف بنقصان الدين من لم يؤدِ فريضة الحج وهو غير مقتدر، فلماذا توصف المرأة بنقصان الدين في رخصة من رخص الله تعالى التي خص بها المرأة حبًا ورحمةً بها!!

ولنعد إلى قوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) فما هو الإسلام ومن هو المسلم ومن هي المسلمة لكي نعرف هل إن المرأة ناقصة دين أم لا؟

عندما نتتبع كلمة الإسلام والمسلمين في القران الكريم نجدها أول ما وردت على لسان النبي نوح (ع) ثم نتتبع هذه الكلمة في العهود التي تلته:

  • في عهد النبي نوح (ع):

 (واتل عليهِم نبأ نوحٍ إِذ قال لِقومِهِ…. وأمِرت أن أكون مِن المسلِمِين) يونس 71-72

  • في عهد النبي إبراهيم (ع):

(ما كان إِبراهِيم يهودِيّٗا ولا نصرانِيّٗا ولكِن كان حنيفًا مسلمًا وما كان مِن ٱلمشرِكِين) آل عمران 67

  • في عهد النبي يعقوب (ع):

(…إِذ حضر يعقوب ٱلموت إِذ قال لِبنِيهِ ما تعبدون مِنۢ بعدِيۖ قالوا نعبد إِلهك وإِله ءابآئِك إِبراهِـۧيم وإسماعيل وإسحاق إِلهٗا وحِدٗا ونحن لهۥ مسلِمون ) البقرة 133

  • في عهد النبي يوسف (ع) :

(… فاطِر ٱلسّموتِ وٱلأرضِ أنت ولِيِّۦ فِي ٱلدّنيا وٱلأٓخِرةِۖ توفّنِي مسلِمٗا وألحقني بالصّالِحين) يوسف 101

  • في عهد النبي موسى(ع) :

(..ربّنآ أفرِغ علينا صبراٗ وتوفّنا مسلِمِينۖ ) الأعراف 125

  • في عهد النبي عيسى (ع) :

 (.. قال ا۬لحوارِيّون نحن أنصار ا۬للّهِ ءامنّا بِاللّهِ واشهد بِأنّا مسلِمونۖ) آل عمران 51

  • في عهد النبي محمد:

( قلِ اِنّما يوح۪يٓ إِليّ أنّمآ إِلهكمۥٓ إِلهٞ واحِدٞۖ فهل انتم مّسلِمونۖ ) الأنبياء 107

(ومن احسن قولاٗ مِّمّن دعآ إِلي ا۬للّهِ وعمِل صلِحاٗ وقال إِنّنِي مِن ا۬لمسلِمِين) فصلت 32

وعنما ندقق النظر في الآيات السابقة من زمن النبي نوح (ع) إلى زمن النبي محمد ﷺ  نجد أن الإسلام يعني دين التوحيد أي الإيمان بالله الواحد وباليوم الآخر وبالعمل الصالح.

 وإذا عدنا إلى قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)  فكل امرأة آمنت بالله واليوم الآخر وعملت صالحا ليس في دينها نقص، أما الشعائر التي قال فيها تبارك وتعالى ( ذلِكۖ ومن يعظِّم شعائر ٱللّهِ فإِنّها مِن تقوى ٱلقلوبِ )الحج32 فهي تدل على إيمان المسلم بما أنزل على النبي محمد ﷺ وعمق تقواه ، ولكن في جميع الشعائر رخص من الله تعالى تقتضيها الطهارة عند أدائها أو رخص للتخفيف عن كلا الجنسين.

 وبذلك يدحض ويتهاوى الشطر الثاني من المقولة المتوارثة (ناقصات عقل ودين) والحمد لله رب العالمين.

مشاركة