المدة التي عاشها المؤرخ تنضج توجّهاته الفكرية

فاضل حسين ومنهجه بكتاب سقوط النظام الملكي في العراق

 

المدة التي عاشها المؤرخ تنضج توجّهاته الفكرية

 

 

اسامة عبد الرحمن  نعمان

 

ولد فاضل حسين في قرية شفته بمحافظة ديالى عام 1914 وتوفي في بغداد في آب 1989 عمل معلما ثم مدرسا ثم استاذا جامعيا ثم استاذا متمرسا حتى وفاته.

 

اكمل دراسته الجامعية الامريكية ببيروت ثم حصل على شهادة الدكتوراه بالتاريخ الحديث والمعاصر من جامعة انديانا بالولايات المتحدة الامريكية عام 1952.

 

يبدو لي ان الفترة التي عاشها فاضل حسين  وفرت له  الارضية لبناء توجهاته الفكرية فانتج كتبا كثيرة خاصة بتاريخ العراق المعاصر او تصب في فهم تاريخ العراق المعاصر.

 

ففي بداية  مرحلة الشباب اعجب بافكار جماعة الاهالي، والتي طرحتها جريدة الاهالي  مثل الديمقراطية والاشتراكية، ومن جهة ثانية فان احتكاكه باعضاء جميعة الجوال ذات الافكار القومية جعلته مؤمنا بوحدة الامة العربية.

 

واللافت للنظر انه وقبل ان يصل عتبة الثلاثين من العمر آمن بضرورة تاليف حزب ديمقراطي اشتراكي واسع النطاق ولهذا فليس غريبا ان يؤيد فاضل حسين الحزب الوطني الديمقراطي واعتبره قادراً على توحيد الحركة التقدمية، ولكونه موظفا لم يستطع ان ينتظم بصفوف ذلك الحزب، لان القوانين والانظمة كانت  تمنع اي موظف من الارتباط باي  تنظيم  سياسي.

 

ولهذا فمما يجدر ذكره هنا ان الرجل وفي سنوات عمره الاخيرة، وتحديدا عام 1986 اوضح ان تفكيره السياسي مزيج من ميول واتجاهات متعددة وجدها غير متناقضة، فقد شكلت الديمقراطية 50 بالمئة  والاشتراكية 30 بالمئة  والقومية 20 بالمئة واحب كلمات الحرية والحب والعدالة وابغض الفقر والجهل والمرض. عايشت فاضل حسين منذ العام الدراسي 1974-1975 ، حيث درسني في الصف الرابع  بقسم التاريخ وبالتحديد مادة تاريخ العراق المعاصر، واستمرت علاقتي به حتى يوم وفاته  حيث اوصى ان اكون احد المشيعين الى مثواه الاخير.

 

ركز في تدريساته بمرحلة البكالوريوس على المعاهدات العراقية البريطانية  ومشكلة الموصل التي  هي اطروحته لنيل شهادة الدكتوراه، ومشكلة شط العرب والحدود العراقية الايرانية وتطوراتها التاريخية وصولا الى اتفاقية الجزائر سيئة الصيت، التي وقعت في ربيع 1975 والرجل انتقد الاتفاقية وكان جريئا في حينها، مؤكدا لقد حققت ايران ما تريده في اخذ اعمق نقطة في شط العرب من خلال فقرات الاتفاقية (خط التالوك) بينما لم يجر حل القضية الكردية حلا جذريا.تميز فاضل حسين بانه كان يحترم طلابه  ويشجعهم على التواصل العلمي، وهذا احد الامور المهمة التي  تعلمتها منه اذ كان يهدي عددا من كتبه للمتفوق الاول وهذا ما جرى معي شخصيا حيث كانت درجتي عنده 90 بالمئة.

 

وعلى اية حال من يطلع على نتاجه العلمي الذي  تجاوز العشرة كتب وعشرات  البحوث يجدها توثق تاريخ العراق المعاصر ولاسيما مشاكل الحدود والمشاكل السياسية والابعاد الفكرية لصيرورة فكر سياسي عراقي يصلح لهذا البلد واعتقد ان هذا امر أرق الكثير من المؤرخين والسياسيين نظرا لصعوبته  وتعقد المشهد العراقي عرقيا ودينيا بل وحتى الشخصية العراقية الدائمة الحركة التي ترضى اليوم على شيء ولا تبقى على قناعتها في الغد.

 

في هذه الورقة سيكون نصيبي عرض كتابه “سقوط النظام الملكي في العراق” والذي اهداني اياه في 23/2/1987 ، وكانت الطبعة الاولى عام 1974 ، وتكمن  اهمية الكتاب في ان مؤرخنا عاصر الاحداث وكان يراقب عن كثب تطورات الاحداث في العراق بعد عودته من انديانا، كما اعتمد على مقابلات عدد من الشخصيات السياسية التي صنعت الثورة ومنهم عبد اللطيف الدراجي الذي قال عنه انه ثالث  ثلاثة وضعوا خطة تنفيذ الثورة ونفذوها، فضلا عن عدد من رجال السياسة (حسين جميل وكامل الجادرجي) وعدد من الضباط الاحرار ومنهم طاهر يحيى ورجب عبد المجيد، ومن الشخصيات الاخرى هديب الحاج  حمود وجاسم العزاوي وناجي طالب، كما اطلع على كتب عدد من الضباط الاحرار مثل صبيح علي غالب ومذكرات عبد السلام عارف التي نشرتها مجلة  روز اليوسف، وهذا الكتاب في الاصل محاضرات القاها الدكتور فاضل حسين على طلبة معهد البحوث والدراسات  العربية في القاهرة عام 1973- 1974 ، ثم  استفاد من عدد من الدراسات التي  صدرت بعدئذ.

 

جملة امور

 

ركز فاضل حسين على جملة امور للتعريف باسباب سقوط النظام الملكي، بينما اخذ الحدث عند كثيرين تسمية ثورة 14 تموز 1958 في العراق  ، فافرد  فصلا عن العهد الملكي في العراق مشيرا الى ان قادته ضم الملوك ونوري السعيد والنظام شبه الاقطاعي وانصار النظام الملكي من وزراء واعيان ونواب ووزراء وكبار الضباط . ثم استعرض معاداة الشعب وقواه الوطنية الاستعمار  البريطاني جراء سياستها بعدم اعطاء العرب استقلالهم وفرضها اشخاصا  لحكم العراق حكما استبداديا والتآمر على فلسطين والبلاد العربية ومصرع الملك غازي وانتفاضة مايس 1941 ، وربطها العراق بالمشاريع الانكلو امريكية (ميثاق بغداد) ومساهمة بريطانيا بالعدوان الثلاثي على مصر.قاد المعارضة  عدد من الاحزاب السياسية اطرها بسبعة احزاب، واعتبر قيام جبهة الاتحاد الوطني السرية التي انبثقت عام 1957 ولها اهدافها، هي التي بلورت الحركة الوطنية التي حددت الاهداف الوطنية الكبرى.

 

انتقد فاضل حسين المعاهدات العراقية مع عدد من الدول واعتبرها مشاريع  استعمارية منها المعاهدة العراقية التركية عام 1946 ، والمعاهدة العراقية الاردنية  عام 1947 ومعاهدة بورتسموث 1947، وعقد ميثاق بغداد عام 1955 اضافة الى اصدار  حكومة نوري السعيد عددا من المراسيم  والقوانين التي حدت من الحريات العامة، والصراع على سوريا.واورد اسبابا اخرى لسقوط النظام الملكي منها ان نوري السعيد لم يلتفت للرأي العام واعتد بنفسه وحبه للسلطة وثقته ببريطانيا واهماله الشباب وعدم تقدير دورهم.

 

اكد ان للقضية الفلسطينية تاثيراتها على الرأي العام العراقي بفعل الجانبين القومي والديني، بل اعتبر ان محاولة نوري السعيد القبول بقرار التقسيم لعام 1947 هي التي البت عليه الرأي العام بينما اعتبره الغرب رجلا واقعيا. واضاف سببا   اخر لسقوط النظام الملكي وهو انعكاسات ثورة يوليو في مصر على الضباط الشباب في العراق والتطلع الى قيام نظام جمهوري، وتحقيق افكارهم وطموحاتهم.ثم دون المحاولات التي جرت للاطاحة بالنظام الملكي وافرد فصلا عن قيام ثورة 14 تموز 1958، مشيرا الى تحرك اللواء العشرين من جلولاء ووصوله الى بغداد فجر يوم 14 تموز، وتولى عبد السلام عارف قيادة اللواء وبدأ بتنفيذ الخطة وسيطر على معسكر الرشيد ودار الاذاعة في جانب الكرخ وعلى البلاط الملكي في منطقة الاعظمية وعززت  قوات اللواء بقوات  اللواء التاسع، وثبت المؤلف نقلا عن عبد المجيد جليل الذي عينته الثورة مديرا للامن العام ان عبد الكريم  لم يكن مطمئنا ان عبد السلام سينفذ الخطة بالطريقة والتفاصيل التي اتفقوا عليها. اذاع عبد السلام البيان الاول للثورة بالساعة السادسة صباحا، يعتقد فاضل حسين ان عبد السلام هو من كتب البيان الاول وان عبد الكريم سايره لحاجته واعتماده عليه، كما ان عبد السلام جيّر البيان بتوقيع “القائد العام للقوات المسلحة الوطنية بالنيابة” ثم حذفت كلمة بالنيابة فيما بعد من النصوص  الرسمية.حلل المؤلف مضمون البيان الاول وكتب ملاحظات عن اعضاء مجلس السيادة ومجلس الوزراء وبيّن اتجاهات كل منهم القومية والسياسية، وركز ايضا على التغييرات في القيادات العسكرية والامنية العليا  واهمية السيطرة على معسكري الرشيد والوشاش.

 

وتطرق الى الهجوم على قصر الرحاب وقتل العائلة المالكة ومصرع نوري السعيد. وكتب عن القطعات العسكرية التي ايدت الثورة في الموصل واربيل وكركوك والحبانية والمسيب والديوانية والبصرة. افرد المؤلف عنوانا عن موقف اللواء المدرع  السادس العراقي المرابط في الاردن من الثورة، وبالتالي عرج على موقف الاردن منها. وكذلك الموقف العربي والدولي.

 

اكاديمي رصين

 

حاول فاضل حسين ومن خلال اسلوب اكاديمي رصين ان ينتقد كلا من عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف اذ يعتقد فاضل حسين، وهذا شيء ربما لا يتفق معه كثيرون، ان انحراف الثورة بدأ حين انضم عبد الكريم قاسم الى تنظيم الضباط الاحرار في نيسان 1957 ثم توليه رئاسة التنظيم ” ومنذ ذلك الحين بدأت المؤامرات ضد لجنة التنظيم العليا” ويبدو انه اعتمد على ما حدثه به رجب  عبد المجيد وما كتبه عبد الكريم فرحان، ومن ان تصرفات عبد الكريم كانت تنم عن محاولات لشق التنظيم وابعاده  عن عناصره القيادية. والملفت للانتباه ان فاضل حسين لم يكتف بذلك بل افرد عنوانا جانبيا بعنوان “من هو عبد الكريم قاسم” ووصفه بأنه “اناني فردي ومحب للزعامة ومؤمنا بمبادئه الشخصية – القاسمية اكثر من اي مبدأ اخر، كان متوسط الذكاء يجيد التآمر، استغل عبد السلام الى اقصى حد”، واضاف كان الرجل ميالا للشيوعية والحزب الوطني الديمقراطي، واتهمه البعض  بعلاقته بالانكليز بينما قال عنه بعض الضباط الاحرار ” انه كان قوميا وحدويا”. بينما قوّم عبد السلام عارف بأنه قوميا مع ميول دينية وقيل انه كان على علاقة بحزب البعث عن طريق فؤاد الركابي، وكان رجعيا متعصبا وانانيا  وفرديا ومحبا  للزعامة، كان شجاعا، ولكنه تعجرف وتكبر على اصحابه فنفر منه القوميون فسهل على عبد الكريم ضربه والتخلص منه. وهكذا اراد فاضل حسين ان يعمق القناعة بان عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف تآمرا على الثورة، فمثلا يشير الى ان عبد الكريم اتصل  بالشيوعيين وبالحزب الوطني والديمقراطي كما اتصل بجمال عبد الناصر واعتبرها امور مخالفة لقرارات اللجنة العليا وفرضه عبد السلام على اللجنة العليا  بشكل مخالف للاصول المتبعة في قبول الاعضاء، بينما اتصل عبد السلام بحزب البعث، كما انه اصر على ان يكون  عبد الكريم رئيسا لتنظيم الضباط الاحرار وبمقولته المشهورة ” ماكو زعيم الا كريم” وبين ان الرجلين كانا يحرجان اللجنة العليا باقتراحات تعجيزية لكي يجدا المبرر لانشقاقهما وانفرادهما بالعمل، كما اثار نقطة في غاية الاهمية وهي ان كلا من عبد الكريم وعبد السلام حاولا ايجاد المبررات في الاجتماعات الاخيرة للتنظيم لعدم اشراك اللجنة العليا في تنفيذ الثورة، وما يؤكد ذلك انه بعد قيام الثورة ابعدوا ضباط التنظيم عن المراكز المهمة في الجيش والادارة حتى  شعر الضباط الاحرار بانهم غرباء عن الثورة.كما اثار ان الشك والريبة في العلاقة بين الرجلين “عبد الكريم وعبد السلام” قد بدأت حتى قبل قيام الثورة ورسخت بعدها واورد افادات لعدد من الضباط الاحرار تؤكد ذلك التنافر بين الرجلين. واشار الى انهما تنصلا عن تشكيل مجلس قيادة الثورة الذي اتفقت عليه اللجنة العليا والتي اعتبرته صمام امان والعاصم من الانحراف والاستبداد.

 

ثم سلط الضوء على موقف الحزب الشيوعي العراقي من الثورة وان عبد الكريم استند إليهم في تاييد حكمه ضد القوميين اوائل عام 1959، وان اعمالهم من سحل وتعذيب تركت ردة فعل بتفضيل الحكومات الرجعية على الشيوعية.

 

تطرق الى حكومة الثورة التي ابعدت  حسين جميل وفائق السامرائي عن العراق وهدمت جبهة الاتحاد الوطني ثم تطرق الى استقالة  الوزراء القوميين و “ثورة الموصل” كما يسميها ، وهي كما يرى ردة الفعل القومي ضد الانحراف، كما امتدت محاولات الاطاحة بحكم عبد الكريم قاسم الى الشيوعيين ومنها محاولتهم في حزيران 1959.

 

وعلى النقيض من ذلك يذهب فاضل حسين ليتحدث عن علاقة عبد الكريم بالانكليز؟! واشار الى ان هناك من يقول ان عبد الكريم وعبد السلام  التقيا مع شركة نفط العراق في كركوك حيث كانا يتصلان بالانكليز عن طريق الشركة للاعداد للثورة. وصل فاضل حسين الى قناعة ان ثورة  تموز تشبه الثورة الفرنسية اكثر من غيرها من الثورات ، الانكليزية 1688 والثورة الامريكية 1776 والثورة الروسية 1917 ، وتختلف عنها في بعض الامور فالعراق دولة صغيرة ناقصة الاستقلال وتاثير ثورته محدودا. ويصل الى استنتاجات اهمها ان الثورة افلحت في القضاء على ركيزتي الاستعمار في العراق نوري السعيد وعبد الاله والقضاء على  بقايا الاقطاع وفتحت الابواب على تطور البرجوازية الوطنية وتحرر المثقفين ونيل العمال والفلاحين مكاسب كبيرة.

 

 واخيرا اشار الى ان عبد الكريم وعبد السلام سرقا الثورة التي وقعت، والتي تعثرت وذهب ضحيتها الكثيرون من المدنيين والعسكريين، ومنهم عدد من الضباط الاحرار الذين خططوا الى اقامة جمهورية ديمقراطية برلمانية لخير العراق والامة العربية.

 

والذي اريد قوله انني نقلت وجهات نظر فاضل حسين من كتابه اعلاه عن ثورة 14 تموز ورجالاتها واحداثها من وجهة نظره، ولكن لابد ان اختم كلمتي ، للتاريخ، ان فاضل حسين محب للعراق وكان يعمل من اجل تحديد مواطن الضعف والخلل من خلال دراسة تاريخ العراق لكي يتقدم العراق ولهذا فليس غريبا ان قراءة اولية لعناوين وموضوعات كتبه كانت  تؤشر محاولته الجادة في وضع اصبعه على نقاط الضعف والقوة في بناء العراق. السلام عليكم.