المخطط الأمريكي للشرق الأوسط 10
إسرائيل دفعت بوش لغزو العراق للتخلص من أحد أبرز أعدائها الستراتيجيين
تأليف: باولو سنسيني
ترجمة وتحرير: مالك الواسطي
تقدمة المؤلف
إن الاحداث التي نعيشها اليوم والتي تمثل لنا “حاضرنا المعاش” ، تظهر لنا اليوم أكثر ضبابية وعتمة وكأنها محاطة بهالة من الغموض وعدم الفهم. فحاضرنا قد نجده اليوم خاضعا لوسائل الاعلام التي يستطيع اصحابها أن يقنعوا الآخرين بما يرونه هم دون غيرهم حتى وان كانت تلك الرؤى غير متطابقة والواقع نفسه. إذ يكفي أن تقوم المؤسسة الاعلامية بـ”تكرار” الخبر على العامة لتتمكن من اقناعهم بما تريد. فالأيديولوجيات أو “القص الايديولوجي” الذي كان السمة الاكثر شيوعا في حياة العصر ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر حتى بداية الالفية الثانية والذي كان محور الاحداث المؤثرة في حياة المجتمعات أي في حياة الملايين من البشر لم يعد اليوم المصدر الرئيس الفاعل في صياغة الاحداث وتفاعلها.
فاللوبي اليهودي يتبع ستراتيجية تهدف إلى أن تزاوج بين الضحايا من اليهود في محرقتهم (الهولوكوست) وإرهابي دولة إسرائيل ومفكريهم أي العمل على ر بط ضحايا الأمس بإرهابي اليوم بعلاقة الدم بالرغم من عدم وجود أي تشابه اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي ولكن الجامع هنا مجموعة من التصورات غير المنطقية والميتافيزيقية التي تردد الأفكار الإيديولوجية للحركة الصهيونية اليوم. وهكذا أصبح الرئيس كارتر لسبب غامض في التاريخ ضمن دائرة العداء للوبي اليهودي.
إن مجموعة AIPAC التي تمثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة و التي تماثلها في بريطانيا المجموعة التي تعرف باسم CFI وفي فرنسا المجموعة التي تعرف باسم CRIF ، تمتلك من السطوة والتأثير على قرارات الكونغرس الأمريكي الكثير الكثير الذي لا يمكن لأي منظمة اخرى أن تمتلكه لهذا أصبح مؤتمرها السياسي السنوي قبلة يسعى جميع كبار الساسة الأمريكيين الحضور والمشاركة فيه إذ يعتبر هذا اللقاء السنوي فرصة لا يمكن لأي مرشح للرئاسة الأمريكية أن يتخلف عنه وخاصة في السنوات الأربعين الأخيرة من تاريخ الولايات المتحدة. ففي شهر أيار من عام 2001م ، شارك الرئيس باراك أوباما المؤتمر وطمأن المؤتمرين من أعضاء AIPAC بأنه يرى في دولة إسرائيل الحليف الأكبر للولايات المتحدة منذ ستين عاما ولا يمكن أن يتعرض هذا التحالف إلى الخدش أو الضرر مهما كانت الأسباب. وقد قاطعه المؤتمرون بالتصفيق أكثر من مرة واحدة إلا أن الرئيس أوباما أصر على القول – بالرغم من الأزمة المالية التي كانت تتعرض لها الولايات المتحدة آنذاك حيث تمر بها أكبر ضائقة مالية في تاريخها- في أن الولايات المتحدة تلتزم التزاما مطلقا بدعم دولة إسرائيل اقتصاديا بل أنه أكد على جاهزية مبالغ كبيرة سترسل إلى دولة إسرائيل كمساعدات للدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وهذا يعني زيادة في المساعدات التي اعتادت إسرائيل في الحصول عليها من الولايات المتحدة إضافة إلى تعهده بجاهزية الولايات المتحدة في منح إسرائيل حق استخدام التكنولوجية العسكرية الأكثر تطورا في الولايات المتحدة حيث قال إننا نستعد هذه الأيام بإرسال هذا النوع من التكنولوجيا إلى دولة إسرائيل كما أن إيران لا يمكن لها أن تمتلك مفاعلا نوويا. وقد ختم أوباما قوله في:” أن إسرائيل غالية علينا جميعا. فمن يهدد أمن إسرائيل يهددنا وأنا سأحمل معي إلى القصر الأبيض مهمة أساسية إلا وهي امن إسرائيل.” فالمؤتمرون عند ذاك ليسوا بحاجة إلى أن يطلبوا أكثر مما عرض عليهم.
إن المرشحين إلى الانتخابات في الولايات المتحدة، كما هو ملاحظ، يسعون بقوة إلى إرضاء اللوبي اليهودي لأنهم يدركون بأن إقناع مجموعة اللوبي اليهودي يعني الحصول على دعم مالي كبير إضافة إلى دور هذه المجموعات بتشجيع مؤيديها للتصويت لصالح المرشح المدعوم من قبل اللوبي نفسه كما أوضحه الملياردير الإسرائيلي اليهودي Mogul في حديث له لصحيفة New Yorker ، حيث قال:” هناك ثلاث عوامل ثبت تأثيرها في السياسة الأمريكية: التبرع إلى جهة سياسية وتنظيم هيكلية “بنك من العقول” ثم السيطرة المطلقة على وسائل الإعلام.”
إلا أن اللوبي اليهودي نظريا لا يمكن اعتباره موجودا قانونيا فهو لذلك ” غير موجود” لذا يجعل من تسميته أو الإشارة إليه حتى وأن كانت الإشارة تضمينية أمرا يعاقب عليه القانون وهذه الخاصية لا تنحصر في الولايات المتحدة. فالبرلمان اليهودي الأوروبي EJU ، قد أطلق اتهامات عدة لأعضاء البرلمان الأوروبي لأنهم أقدموا على نقد إسرائيل. وهذا ما كشفه مؤتمرهم الذي عقد في 28-29 من شهر كانون الثاني عام 2013 في مدينة Cracovia المؤتمر الذي حضره وشارك فيه أكثر من 120 برلماني أوروبي يهودي يمثلون 47 بلدا وقد ناقشوا في مؤتمرهم الكثير من القضايا ومنها موضوع التيارات المناهضة للسامية في اوروبا وموضوعة تطور التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودولة إسرائيل. وقد أدان هذا المؤتمر أعضاء البرلمان الأوربي الذين وصفهم المؤتمرون بداعمي الإرهاب طالما قاموا بنقد إسرائيل باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد وصف المؤتمرون بأن من يقدم على نقد إسرائيل ما هو إلا من المنتمين للتيارات المناهضة للسامية وقد دعوا الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ الخطوات الضرورية وللازمة لإيقاف المد الجديد المتصاعد للتيارات المناهضة للسامية. إن قدرة وفاعلية هذا التجمع الصهيوني الأوربي كما يصفه James Petras ، قد أسهم كذلك بأن تحصل إسرائيل على دعم مالي واضح من الاتحاد الأوروبي. وهذا التجمع يمتلك اليوم القدرة على التأثير بنسبة كبيرة على البرلمانيين الأوربيين وكذلك على الصحفيين والمفكرين الأوربيين وإلزامهم بعدم نقد دولة إسرائيل على أساليبها في الحكم.
لا يوجد والحالة هذه ( لوبي) ، كما يصفه Scott Ritter ، رئيس بعثة الأمم المتحدة في لجنة التسلح خلال الأعوام 1991-1998 ، يمتلك وزنا وقوة تأثير توازي اللوبي الإسرائيلي حتى أصبح العمل في بعض الحالات مبالغا فيه وغير واضح وأصبح التمييز بين الولايات المتحدة وإسرائيل امرأ صعبا وضبابيا مما جعل تعين سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل قناة دعم لإسرائيل في الولايات المتحدة. فان توظيف دولار واحد من قبل اللوبي اليهودي الأمريكي في التأثير على نتائج الانتخابات يحقق عائدا إلى دولة إسرائيل بنسبة 50 دولارا تقدمها الولايات المتحدة كمساعدات مالية تصب في تطوير أسلحة دولة إسرائيل واستمرارية بناء مجمعاتها السكنية على الأراضي المحتلة المزودة بمسابح وعمال حدائق من رومانيا وخدم من الفلبين.
فالجزء الأكبر من هذه المجاميع الإسرائيلية قد عملت على أن تكون مساعدات الولايات المتحدة لإسرائيل تصب في جعل إسرائيل أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط وقد نشطت هذه المجاميع في تشجيع التدخل الأمريكي والأوربي المباشر لإسقاط الحكومات المعادية لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط كحثها على التدخل في إيران وعراق صدام حسين وسوريا.
مدينة جديدة
فالحرب من اجل مدنية جديدة تقودها الحركة الصهيونية والمحافظون الجدد ضد العرب والمسلمين باسم (إسرائيل الكبرى) قد جاءت رغبة لمن عمل على حرق وتدمير مدينة جنين والفلوجة وغزة باستخدام القنابل الفسفورية واليورانيوم المنضب الذي لم يعد مسموحا باستخدامه دوليا. كل هذا قد تم تنفيذه باسم السياسة الجديدة التي ترغب في ترسيخ قيم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. إن الحقيقة ما يصفها لنا الجنرال الايطالي فابيو ميني Fabio Mini عندما يقول:” إن الأمريكان يظهرون بوجه لسلطة لا يمتلكونها فهم عندما يدعون تطبيق سياسة تدعم الديمقراطية في دولة إسرائيل أنهم في حقيقة أمرهم يخضعون إلى سلطة اللوبي الإسرائيلي.” ويصف Petras الإسرائيليين في قوله: “إن ظهورهم الدائم في كونهم الضحية لا يمنع من أن يكونوا شعب الله المختار، فهم يبرمجون أنشطتهم تحت سلطة قادة متطرفين يمتلكون أكثر الأسلحة تطورا فهم يمثلون دون أدنى شك تهديدا كبيرا للسلام في العالم وتهديدا واضحا للإنسانية”.
فالصهيوني يرى بأن اليهودي في وجوده ملزم على العمل الدائم ضمن شبكة دولية خدمة للإيديولوجية الصهيونية فهم في الحقيقة قد قاموا بتطوير النظام القبلي وجعله شبكة تعمل على المستوى الدولي لذلك فكل من لا يرغب بوجود إسرائيل يجب أن يهدده الموت و أن يعارض . فالوقوف ضده واجب من اجل بقاء وديمومة دولة إسرائيل وشعبها المختار. ومن هذا الموقف نرى بأن غياب حركة ديمقراطية أوروبية تهتم بالسياسة الخارجية وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط يجعل من تنظيم Zionist Power Configuration طليق اليدين في تنفيذ مخططاته دون معارض من حركة أوربية ترى رؤية أخرى.
الحرب واحتلال أفغانستان والعراق
بعد أن اقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا على غزو أفغانستان في شهر تشرين الأول من عام 2001م ، ضمن الحملة الدولية في محاربة الارهاب وكنتيجة لما تعرضت له من هجوم إرهابي في 11 من أيلول – سبتمبر . هذه الحملة العسكرية التي حملت اسم Enduring Freedom كان هدفها الرئيسي هو القضاء على تنظيم القاعدة واعتقال أو قتل العقل المدبر لهذا التنظيم “أسامة بن لادن” إلا أن الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا قد فاجئا الجميع عندما بدءا حملة عسكرية أخرى في آذار من عام 2003 م لغزو العراق أيضا. هذا البلد الذي عانى وتحمل نتائج العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة لمدة اقتربت من ثلاث عشرة سنة عضال بعد هزيمته في حرب الخليج الأولى عام 1991م حيث أدى الحصار الى إشعال الكثير من الكوارث الاجتماعية والإنسانية منها ما كشفت عنه منظمة اليونيسيف UNICEF ، إحدى منظمات الأمم المتحدة بإحصائها عدد الوفيات بين الأطفال العراقيين الذين لا تتجاوز أعمارهم السنوات الخمس بنصف مليون طفل.
فالعراق لم يعد في عام 2003م قادرا على تحمل اعباء حرب أخرى حتى أن قدراته العسكرية قد وصفت آنذاك بالضئيلة والقريبة من الاضمحلال والضمور الكلي فحملات التفتيش التي فرضتها عليه الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للطاقة الذرية بدءا من عام 1991م حتى عام 1998م قد أسهمت إسهاما فاعلا في إيقاف وتفكيك البرنامج النووي العراقي إضافة إلى إجبارها في نهاية المطاف صدام على التخلي كذلك عن أسلحته الكيماوية والبيولوجية وتدميرها.
أما فيما يتعلق الأمر بالأنشطة الإرهابية فلم يكن هناك من أحد قد وجد علاقة أو دليلا يربط بين صدام حسين وبن لادن بل على العكس من ذلك فهناك الكثير من الوثائق والأدلة التي تؤكد على العداء المتبادل بينهما. فالإرهاب بوجهه العربي والناشطون به قد وجدوا لهم ملجأ في أفغانستان وربما في باكستان كما كانت تشيعه وسائط الإعلام دون أن تطرح الدليل القطعي عما تبثه من أخبار وتقارير كما لا يوجد أي دليل محتمل لتواجد الإرهابيين على الأراضي العراقية.
قائد تنظيم
فعندما كان الجميع يتجه إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستركز أنشطتها بشكل استثنائي بحثا عن قائد تنظيم القاعدة تفاجأ الجميع بقرارات الإدارة الأمريكية للرئيس بوش وهي تبدأ بغزو بلد أخر لا تربطه والهجوم على البرجين والبنتاغون أي رابط يدفع إلى غزوه. وقد أثار هذا القرار لدى الكثيرين استغرابا كما ولد لدى البعض شكوكا في عدم تفسيره وفي عدم الوصول إلى المسببات التي أدت إلى ذلك. غير أن هذا القرار الأمريكي الذي يظهر للوهلة الأولى غير قابل للتفسير والقبول قد جاء في حقيقة الأمر معتمدا على قاعدة ورأي منطقي في إطار التخطيط الجيوسياسي. فالإرادة الإسرائيلية التي تكمن خلف هذا القرار قد أرادت به إسقاط واحد من أبرز معارضيها الاستراتيجيين في المنطقة أي الحكومة العراقية وهذا ما يؤكده ما سنذهب إلى تبيانه في تفاصيل تلك النشطات التي أدت إلى غزو العراق واحتلاله.
ففي العاشر من أيلول عام 2001م ، Philip Zelikow ، العضو في Foreign Inteligence Advisory Board (المكتب التابع مباشرة للرئيس الأمريكي) من عام 2001م حتى عام 2003م ، والمدير التنفيذي للجنة البحث في إحداث 11 من أيلول – سبتمبر 2001م ومستشار السيدة كونداليزا رايس (2005-2006) ، قد صرح أمام جمهور غفير من جامعة فرجينيا بأن صدام حسين لا يمثل تهديدا مباشرا على والولايات المتحدة لكنه – كما يؤكد Zelikow – يمثل تهديدا واضحا لدولة إسرائيل وهذا التهديد لا يمكن الحديث به في إطار السياسة الأمريكية المعلنة لان الإدارة الأمريكية لا ترغب في الإشارة إلى ذلك فإن عملت ذلك يصبح من الصعب قبوله كسبب في تحريك السياسة الأمريكية. فإن أمن إسرائيل كما تؤكده هذه المرة مستشارة الأمن القومي Condoleezza Rice – محور من المحاور الرئيسية التي ترسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة وهي المفتاح الرئيسي للآمن في العالم. وقد كتب Nathan Guttman على صحيفة Haaretz في الخامس من آذار 2003م أي قبل أسبوعين من غزو العراق مقالا قال فيه:” إن الأصوات التي تشير إلى دخول إسرائيل الحرب قد أصبحت أكثر حضورا وتواجدا. إلا أن آراء أخرى تؤكد بأن رغبة بوش في مساعدة إسرائيل ستبقى إحدى الركائز المهمة في سياسته ومن المسببات الرئيسية التي سوف تدفع الرئيس بوش في زج جيش الولايات المتحدة إلى الخليج لتخوض حربا سهلة .” وعلى ذات الموجة يمكننا سماع الكثير من الأصوات والأقوال للكثير من الشخصيات المؤثرة في الإدارة الأمريكية مثل: Patrick Buchanan, Arnaud de Borchgrave, Maureen Dowd, Georgie Anne Geyer, Gary Hart, Chris Matthews, – وأعضاء في الكونغرس مثل: James P. Moran, Robert Novak, Tim Russert وكذلك الجنرال Anthony Zinni وكلهم من مؤيدي إسرائيل الأكثر راديكالية والذين اتخذوا من كلمات شارون Sharon التي يقول فيها :”إن اسقاط حكومة صدام حسين يضمن أمن اسرائيل” ، قاموسا ومنهجا في عملهم وهم بالفعل كانوا من المستشارين الرئيسيين الذين أسهموا في إنضاج فكرة “غزو العراق” في الإدارة الأمريكية. وبعد اندلاع الحرب واحتلال الولايات المتحدة للعراق اعترف Barry Jacobs ، احد أعضاء AJC بالقول: ” بأن قناعة الكثير من العاملين في وكالات الاستخبارات الأمريكية كانت تشير وتؤكد بأن إسرائيل والمحافظين الجدد كانوا السبب الرئيسي في دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار الدخول في حرب ضد العراق.” وكما اشرنا سابقا فإن إسرائيل كانت تؤكد وبشكل واضح لدى الجميع عن عدائها المطلق لدولة كبيرة ومتطورة كالعراق وهذا العداء هو الذي دفع إسرائيل عام 1981م بضرب المفاعل النووي العراقي (تموز) بطائرات عسكرية تحمل نجمة داوود قبل أن يقوم العراقيون بتشغيله. وكان ذلك من الأهداف الرئيسية لإسرائيل إذ بقيت الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المالكة لأسلحة نووية وعلى عكس من ذلك يكون من الصعب على إسرائيل أن تبقى محتلة لموقع الصدارة كقوة مؤثرة في هذه المنطقة من العالم. وبافتقاد إسرائيل لموقعها المتميز هذا في كونها الدولة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط يجعل من المتغيرات في هذه المنطقة قابلة في أن تأخذ مسارا أخر لا يمكن توقعه أو التخطيط له دون عناء قد لا يحقق ما يصبوا إليه المخططون.
ففي عام 2002م ، صرح رئيس دولة إسرائيل شيمون بيرس Shimon Peres ، الذي كان حينذاك وزيرا للخارجية، لقناة CNN قائلا:” إن صدام حسين رجل خطر بقدر خطورة بن لادن” ، والولايات المتحدة “يجب عليها أن لا تبقى جالسة متفرجة بينما يقوم صدام بإنتاج أسلحته النووية” بل “على الولايات المتحدة واجب إسقاط الدكتاتور العراقي”. وبعد فترة قصيرة نجد Michael Ledeen ، عضو (AEI) و عضو (JINSA) ، وأحد الشخصيات الرئيسية في تجمع المحافظين الجدد ، يؤكد وبشكل أكثر حبكة وإصرار على دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: ” إن القوة الفاعلة لمجتمع حر يكرس نفسه للقيام بمهامه الرئيسية شيء لا يمكن لأعدائنا المتخندقين في (العراق وإيران وسوريا والسودان واليمن) أن يتصوروه … فانتصارنا السريع في أفغانستان – كما يتمنى – ما هو إلا البداية لحرب ستشمل مساحات جغرافية أخرى تكون فاتحة عهد جديد تضمن احتمالات مؤكدة في إعادة تركيب جغرافية الشرق الأوسط عبر مخاض جيل كامل يكون في خاتمته إمكانية تطبيق ورسم جديد لسياسات دول المنطقة التي أصبحت أنظمتها اليوم من الأنظمة الأكثر قدما وتأخرا في العالم”. ولا نخرج كثرا إذ قلنا أن السيد Ledeen قد كشف أيضا عن نظريته المسماة “الفاشية الدولية” ، وهو واحد من الشخصيات غير المرغوب بها في ايطاليا وقد تشعبت علاقته كثيرا فله علاقات واضحة مع Loggia P2 أحدى المنظمات السرية في ايطاليا والتي تنشط بين كبار رجالات المال والسياسة والإدارة ويتشابه عملها وعمل المنظمات الماسونية كما يمتلك علاقات أيضا مع جهاز المخابرات العسكرية الايطالي ومنذ ثلاثين عاما كان من الشخصيات التي أشير إليها في أكثر من حادث وفضيحة تتعلق بالتجسس الدولي كفضيحة إيران كونترا إلى جانب تردد اسمه في قضايا كشفت عن الأسرار الغامضة في (استراتيجية الخوف) في ايطاليا ومنها تلك الأحداث التي راح ضحيتها الرئيس الايطالي آلدو مورو Aldo Moro وحادثة تفجير محطة بولونيا إضافة إلى إحداث “بيل كيت” التي كلفت إعادة انتخاب جيمي كارتر ويبدو أن جميع الوثائق المزورة حول (أسلحة الدمار الشامل) لصدام حسين تعود إلى هذه الشخصية. وهذه الوثائق هي التي اعتمدت كسبب رئيسي في اندلاع الحرب الثانية على العراق عام 2003م. فآراء Ledeen لا تضيف شيئا جديدا سوى أنها إعادة جديدة لتلك الآراء التي ترى باحتمالية تحقيق مشروع إعادة صياغة البنية الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط التي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين والتي لم تزل في طور التكوين. هذا المشروع الاستراتيجي قد رسمت خطوطه العامة مقالة نشرت على صحيفة Washington Post تحت عنوان “توافق تام بين بوش وشيمون حول البرنامج السياسي لمنطقة الشرق الأوسط”.