المخطط الأمريكي للشرق الأوسط 1
فرق تسد ستراتيجية الفوضى للقرن الحادي والعشرين
تأليف: باولو سنسيني
ترجمة وتحرير: مالك الواسطي
تقدمة المؤلف
إن الاحداث التي نعيشها اليوم والتي تمثل لنا “حاضرنا المعاش” ، تظهر لنا اليوم أكثر ضبابية وعتمة وكأنها محاطة بهالة من الغموض وعدم الفهم. فحاضرنا قد نجده اليوم خاضعا لوسائط الاعلام التي يستطيع اصحابها أن يقنعوا الآخرين بما يرونه هم دون غيرهم حتى وان كانت تلك الرؤى غير متطابقة والواقع نفسه. إذ يكفي أن تقوم المؤسسة الاعلامية بـ”تكرار” الخبر على العامة لتتمكن من اقناعهم بما تريد. فالأيديولوجيات أو “القص الايديولوجي” الذي كان السمة الاكثر شيوعا في حياة العصر ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر حتى بداية الالفية الثانية والذي كان محور الاحداث المؤثرة في حياة المجتمعات أي في حياة الملايين من البشر لم يعد اليوم المصدر الرئيس الفاعل في صياغة الاحداث وتفاعلها.
فوسائط الاعلام تعمل على تفسير الاحداث الواقعة في حاضرنا أو تلك التي وقعت في ماضينا القريب أو البعيد من دون أن تكون ملتزمة باتباع منهج الكشف عن الحقائق التي يتمحور الحدث فيها التزاما بمبدأ التوصل الى الحقيقة بل هي تفضل اليوم أن تقوم بتقدم التفسير المؤثر في مشاعر “المتلقي”من دون النظر أو التحقق من حقيقة ما تقص وبتكرارها لتلك التفاسير تجعل منها حقيقة راسخة ومقبولة لدى الكثيرين ومعبرة عن حقيقة ما حدث وان كان الامر غير ذلك. ومن وجهة النظر هذه فإن أي راي يناقض ما هو سائد في السياسة العامة أكان هذا الرأي آتياً من خندق اليسار أو اليمين فإنه سينعت لا محالة بالتأمري أو بالانقلابي الذي يتماثل اليوم وما تثيره كلمة سحرية تحاول أن تطرد من العقل الجماعي الاشباح التي يمكن أن يصنعها الزنادقة المعاصرون الذين يرغبون في الكشف عن الواقع الحقيقي المظلل بالواقع الرسمي (الحكومي) ، وجعل الواقع الرسمي خارج دائرة القبول الجماعي وذلك في رميه في حيز رمادي لا يثير في حياتنا اليومية الا الضجيج.( )
إن الشك في مصداقية الواقع الرسمي يأتي من ضبابيته لهذا يلزمنا اعتماد المنطق في الكشف عن الدلائل التي تسهم في تفنيد بعض “المصطلحات” المستخدمة اليوم بشكل واسع والخالية من المعنى والمستخدمة دروعاً، قد جعلت من تلك المصطلحات كلاما مقدسا حيث إن التشكيك فيه وفي عدم مصداقيتها قد يعني لوسائل الاعلام المدججة ببرامجها السياسية تجاوزا على الآلهة. فالمصطلحات الجاهزة التي تستخدمها وسائط الاعلام اليوم تهدف الى اقناع العامة بتلك الشعارات التي تمثل لها اوامر يمنع القبول بمعالجتها منطقيا أو نفيها عبر العقل. فإن ما يوصف سلبا بـ “المؤامرة” ، يكون في كثير من الحالات التي لا يمكن قبولها نشاطا عقليا ومنطقيا لا يتوقف على تفسير الاحداث تفسيرا رسميا بل ينطلق نحو الاسباب التي تقف خلف كل حدث والتي كثيرا ما تبقى في دائرة الظل. ومن جانب آخر، علينا أن نكون أكثر حذرا من تلك التساؤلات او الاتهامات التي تهدف الى خلق حالة من الفوضى تحت غطاء احداث متخيلة وخاصة تلك التي تتناقلها شبكة الانترنيت المليئة بالأخبار التي تتحدث عن حوادث لا وجود لها في الواقع.
إن الجدل القائم في هذا المبحث يقربنا من الاقتناع بأن الاختلاف في مفهوم “نظرية المؤامرة” ما هو الا محاولة في تحريف الحقائق وهذه هي طبيعة قائمة اصلا في الفكر التسلطي الدكتاتوري الذي كان من أكبر الخبراء تجربة في دفع الآخرين الى الابتعاد عن معرفة حقائق الاحداث. فالاتهام الموجه باسم “التآمر” أو “الانقلاب” يمثل بالنسبة للفكر التسلطي نموذجا في بث ارهابه النفسي وهذا النوع من الارهاب قد وجد حاضنته المثلى في البيئة الثقافية التي تولدت خلال سنوات الحرب الباردة أي في النصف الثاني من القرن المنصرم. ويصبح هذا الاتهام شرعيا عندما تطلقه وسائط الاعلام المسيسة ضد أولئك الذين تصفهم هذه الوسائط حسب حاجتها بالأعداء المارقين والتي تنسب لهم احيانا اوصافا مثل “الدول المارقة” أو “الدول المتآمرة” او “الدول الارهابية” أو “الدول الرافضة” او “الدول المهمشة اجتماعيا” أو بالانقلابين أما ما يعاكس ما تطلقه وسائط الاعلام تلك فلا يمكن النطق به البتة.
وفي كل مرة نقترب من أن تنسب لنا هذه الصفات نكون بالضرورة مهددين لهذا السبب تتشبث عقولنا في خلاصها من ألا توصف بتلك الصفات وفي هذه الحالة يكون من أطلق السم قد حقق غايته ونتيجة لذلك تعمل عقولنا بالضد مما نرغب أن نفكر به وذلك بزرعها الخوف في طبيعة دفاعات العقل عن نفسه. ويقوم العقل نتيجة لذلك بمسح جميع الاحتمالات التي يمكن من خلالها الاشارة الى حجة يمكن أن تكون سببا في الاتهام ولذلك يعمل العقل على رمي “نظرية المؤامرة” خارج التفكير العقلي وكثيرا ما وصفت المؤامرة بالحاجز الكبير المانع للتفكير المنطقي بالرغم من كونها المناقض في أن تكون كذلك.
نظرية المؤامرة
إن نظرية المؤامرة أو محاولة تفسير الاحداث حسب ديناميكيتها تمتلك تاريخا طويلا يمتد على طول التاريخ الانساني نفسه لكونها النواة الاولى أو البذرة الرئيسة في ديناميكية الانشطة السياسية. فميكافيللي في موضوعة “التآمر” يرى رأيا نجده واضحا في مؤلفه المعنون بـ “خطب تيتو ليفيو 1517” وذلك من خلال معالجته لفكرة المؤامرة التي دبرها البعض من اجل قتل ملك أو قائد للاستحواذ بموقعه كما هو الحال في حادثة “تآمر وجهاء مدينة فلورنسا على العائلة الحاكمة في تلك المدينة آنذاك أي عائلة ” الميديجي” وذلك في النصف الثاني من القرن الخامس عشر. فنظرية التآمر تبنى على مبدأ الشك والحاجة الى التحقق في تفاصيل ما وقع، لذا فهي من المسلمات الرئيسة المعول عليها كذلك في القانون العرفي الانجلو ساكسوني للكومنويلث.
الا أن الشيء الذي يبدو جديدا و يجعل من نظرية المؤامرة حالة سلبية في الفكر الجماعي (فكر المتلقين) قد تجلى في الافكار التي قام بطرحها للمرة الاولى ريتشارد هوفستاتر Richard Hofstadter في بحثه المعنون The Paranoid Style in American politics ، وهذا الباحث هو أحد اساتذة جامعة كولومبيا Columbia وأحد الرجالات التي تميل الى فكر تيار المحافظين الجدد. وهذا البحث الذي نشره المؤلف عام 1965م قد وصف فيه فئة من المختصين في حقل التحليل والنقد للأنشطة المالية والسياسية الانكليزية الامريكية بأنهم ” مصابون بجنون العظمة”. هذا النوع من الوصف الذي ظهر فجأة بعد مقتل الرئيس جون كندي ، يثير الكثير من الشك سيما وانه يهدف الى وصف الكثيرين ممن قاموا بنقد تقرير لجنة Warren المتعلق بحادث اغتيال الرئيس جون كندي بانهم مصابون بجنون العظمة أو الهلوسة. فإن غاية المؤلف في ذلك هو وضع قيود محكمة على القوى السياسية المعارضة من خلال وصفها بـ “الجنون” أو “الهلوسة”. وهذا دليل قاطع على استخدام هذه المفاهيم لغايات محددة بعينها فهي في حقيقة الامر لا يمكن لها أن تكون منهجا مقبولا في التفكير السليم. فالمصاب بالهلوسة أو الخوف يخشى أن تكون هناك مؤامرة ما تحاك ضده بينما يرى هوفستاتر Hofstadter بأن هذا التصور هو تصور عام لذا فإن كل من يخشى أن تكون هناك مؤامرة ضده قد حاكها الاخرون هو مصاب بالهوس. وفي قول آخر يصر فيه المؤلف على فكرته هذه قائلا: ” إن هناك اقلية من المتطرفين الذين يعتقدون بأن قادتنا السياسيين هم من الكذابين أو أن هناك مصالح غاية في السرية تنطوي تحت مظلتها الكثير من الجرائم التي يصب هدفها الاساس في الاستحواذ على السلطة والتحكم المطلق بالدولة وزيادة الارباح المالية. فإن المواطنين الذين يشكون بقادتهم هم من القلة ويكونون عادة من المصابين عقليا لذلك فلا يوجد مسوغ واضح للقلق منهم وعليه فإن قادتنا يجب أن يتمتعوا بأدوارهم كقادة.” الا أن ما كتبه دانا بلانتون Dana Blanton في Fox News في 18 من حزيران عام 2004م حول مقتل كندي يثبت العكس تماما وذلك عندما يذهب الى القول: ” بأن اكثرية الشعب الامريكي يعتقد بأن مقتل كندي قد جاء نتيجة لمؤامرة كبرى ولم يكن مقتله مجرد فعل شخص بعينه وأن اكثرية الشعب الامريكي يرون بأن التحقيقات في هذا الحادث لم تكشف عن حقائق ما حدث بل قامت بتغطية تفاصيل الحدث واخفاء الكثير من الحقائق المتعلقة بحادث عام 1963.” وكانت نتائج هذا الاستبيان الذي اعتمده التقرير مطابقة لنتائج استبيانات اخرى قامت بها بعض المؤسسات حول الموضوع ذاته خلال الاعوام 1967 و 1975و1981. إذ ابدى ثلث الذين شاركوا في تلك الاستتبيانات اعتقادهم بأن مقتل الرئيس كندي كان مؤامرة كبرى.
فالطريقة المثلى في السيطرة المطلقة على عامة المواطنين هي دفع هذه الجموع الى أن تعيش حالة من الفتور الحسي واللامبالاة والقبول بالمسببات الواهية في تفسير الاحداث والافكار والمآسي الاجتماعية. وما يحقق ذلك هو الاصرار على البث المستمر عبر مختلف وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للأفكار التي لا تمتلك جذورا لها في الواقع والتي تعتمد تحوير مسببات الاحداث كي تجعل الجميع في دوامة القبول بظاهرة الاستهتار في الكشف عن الحقائق والعيش في اللامبالاة والقبول بالمسوغات السطحية للأحداث من دون التفكير بها. فتهشيم الفكر النقدي يفتح الباب الى سطوة “ديكتاتورية الديمقراطية” التي تسمح للسلطة وحدها بأن تكون نشطة في الظل. واستراتيجية هذا المنحى من التفكير يقوم على إطلاق شعارات بصيغة أوامر تتفاعل معها الجماهير تفاعلا عاطفيا وآنيا. وتصبح تلك الشعارات والجمل الجاهزة أفكارا للعامة دون أن تمارس العامة حق التفكير النقدي. فاطلاق شعار ما كواجهة جماهيرية يجعل من العامة متفاعلة معه من دون التفكير بمدلولاته أو مناقشته أو الاستماع الى من يريد التفكير فيه نقدا وذلك لان كل شخص يرى بأنه مع الحقيقة طالما هناك جمع كبير ممن يرون الشيء نفسه أو هكذا يعتقد أو انهم يتفاعلون مع ذلك الحدث كما يتفاعل هو ايضا وإن كان ثمة شخص يرغب في مناقشة ذلك الشعار فإن ذلك الشخص ما هو الا رجل سطحي لأنه يرى الحق في ازدراء أراء الاكثرية. وعلى هذا المنوال فإن أي شخص يمتلك أو يعثر على معلومات تفصيلية لحدث وقع في الماضي القريب أو البعيد فليس من حقة البتة كتابة تاريخ ذلك الحدث دون أن تتوافق كتابته للحدث بمسلمات ملزمة كالأعراف في تناول دراسة بعض الاحداث ومن الطبيعي ايضا القول بأن المؤامرة لا تكمن بالضرورة خلف جميع الاحداث. فالدكتاتور الذي يستحوذ على السلطة بالقوة ليس بحاجة الى أن يحيك مؤامرة ما ليبرر ما يقوم به بل إن اوامره عادة ليست خاضعة للمداولة والنقاش وما على الاخرين الا تنفيذها وبالمقابل فإن الجماهير التي تتفاعل مع الحدث تفاعلا آنيا حتى وإن كان لها حق ممارسة النقد فإنها تنعطف الى القبول بالشعارات دون نقدها وهذا لا يعني انها قد تآمرت. وبين هذين القطبين يمكننا العثور احيانا على وقائع لم تتمكن الشعارات فيها من ترويض العامة بل أثارت فيهم مبدأ الشك. فان الرفض المبدئي للتحليلات أو الدراسات التي تهتم بتفاصيل الاحداث يعني بالضرورة رفض جذور أي محاولة لإدراك وفهم طبيعة الواقع.
إن مجتمع اليوم لا يمكن وصفه بالدكتاتور حسب الفهم الكلاسيكي لدلالة المصطلح ولا يمكن وصفه بالديمقراطي ايضا. فهوية المجتمع اليوم تأتي انطلاقا من تشكيلاته التي تبدأ في رأس الهرم ثم تتدرج نحو الاسفل فهو يميل الى أن يتوافق يوما بعد اخر والنموذج الذي كانت عليه المجتمعات الاقطاعية ويمكننا أن نصفه استنادا الى هيكلية بنائه بـ “الاقطاع الجديد ما بعد الحداثة” وهذا وصف يمكن له أن يشخص طبيعة مجتمعنا اليوم. وتفعيل هذا النموذج من المجتمعات يستند بالدرجة الاولى الى فكرة المؤامرة الكامنة خلف الكثير من انشطته فالمؤامرة تعد اليوم الوسيلة الحقة والمتبعة في الوصول الى الاهداف المخطط لها. فأنشطة المخابرات في أي دولة تعد مؤسسة مركزية في مجموعة الانشطة الاجتماعية والسياسية وهي بالضرورة تستخدم الكثير من التطبيقات والاساليب المختلفة في تخطيط وتطبيق المؤامرة وهذا ما يجعلها معروفة بالأنشطة السرية. ونشاط هذه المؤسسة يعتمد على قيام موظفيها بتنسيق مهامهم بشكل مسبق لوقوع الحدث وتقوم مجموعة من الموظفين (رجال المخابرات) والشبكات المرتبطة بهم بإدارة تلك البرامج من اجل تحقيق هدف خطط له مسبقا بينما تبقى طبيعة وتفاصيل تلك الانشطة سرية وغير مرئية من قبل الجماهير.
تركيبة المجتمع
فإن مجتمعا كمجتمعنا اليوم يخضع بطبيعة تركيبه الى الدور الرئيسي الذي تقوم به النخبة الاقتصادية والسياسية والمالية المدعومة بمؤسسات مخابراتية ترافق تخطيط وتنفيذ أنشطتها، وهذه النخبة تستبعد بالضرورة فكرة المؤامرة بل تحل محلها إن تطلب الامر ذلك فكرة عدم قدرة الجماهير على توقع ما يقع فعلا. وهذا دليل على أن التخوف من “نظرية المؤامرة” والابتعاد عن ذكرها في عالم البحث الأكاديمي والانشطة الصحفية وغيابها عن القص المرافق للأحداث الذي رافق نهاية مرحلة الحداثة في المجتمع الاوروبي يمثل دون شك عدم القدرة على استيعاب تفاصيل “السلطة” اليوم اضافة الى رغبة هذه الدوائر بالوقوف خارجا وعدم الارتطام المباشر في بعض المؤسسات التي قد تثير غضب مراكز القرار التي اصبحت اليوم المصدر الاساسي لديمومة هذه الدوائر من مؤسسات اكاديمية أو صحافة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية.
إن الواقع يؤكد بأن نظرية المؤامرة لا يمكن تفعيلها الا بسبب التباس بعض التفاسير الرسمية لبعض الاحداث والوقائع التي تظهر ضعيفة وفي حالة غموض واضح مما يلزم الصحفي في الموقع الاول البحث والتدقيق في الملامح الغامضة للحدث لا أن يلتزم الصمت ويحصر نشاطه في التفاسير الاجتماعية المضحكة التي لا تمتلك سندا يفسر ما وقع فعلا مما يملأ تقريره الصحفي بجمهرة من الاكاذيب. ومن الطبيعي القول بأن تعقد وتشابك الظواهر الاجتماعية والسياسية بشكل خاص لا تمنحنا الحق في توظيف نظرية المؤامرة فقط وذلك لان الاعتماد على هذا المبدأ لوحده يدفعنا الى تقديم تفاسير سطحية للأحداث لذا يجب أن نعالج الحدث من خلال الكشف عن ديناميكيته التي تأخذ بأيدينا نحو جذور الحدث ومسبباته.
واقع بلدان الشرق الادنى في القرن العشرين
إن معرفة طبيعة صيرورة بلدان الشرق الادنى السياسية والاقتصادية والعسكرية تتطلب بالضرورة الكشف عن المتغيرات التي اسهمت ديناميكيتها في تشكيل العالم العربي الحديث. فالكشف عن طبيعة هذه المتغيرات قد تمهد لنا الطريق الى معرفة التفاصيل التي جاءت كنتيجة حتمية لتلك المتغيرات. فالعالم العربي الذي نعرفه اليوم لم يكن أكثر من كونه قصرا من ورق قامت بتركيبه كل من فرنسا وبريطانيا خلال العشرينيات من القرن التاسع عشر أي بعد سقوط وأفول الإمبراطورية العثمانية. وهذه المنطقة من العالم التي أطلق عليها وللمرة الاولى الأميرال الامريكي Alfred Thayer Mahan اسم ” الشرق الاوسط” لعدم معرفته الحقة باسمها العربي ولرغبته في اعطاء تلك المنطقة المتنازع عليها من قبل روسيا والمانيا وانكلترا والتي تضم كل من إيران وبلاد ما بين النهرين اسما يميزها، قد اصبحت بعد احتلالها من قبل الاوروبيين سياسيا واقتصاديا وثقافيا تعرف بذلك الاسم المبتدع صدفة كما أن الاوروبيين بعد احتلالهم لها قد عملوا على تقسيمها في تسع عشرة دولة كل واحدة من هذه الدول تضم خليط من الأجناس الاثنية والمذهبية سرعان ما تتفجر فيها النزاعات الداخلية. وحدود هذه البلدان المصطنعة قد تم رسمها خلال الحرب العالمية الاولى (1914-1918) ، وجاء هذا التقسيم استجابة لرغبة الدولتين العظميين آنذاك فرنسا وبريطانيا اللتين ارادتا من هذا التقسيم خلق مستعمرات تابعة لهما. فقد فرضت فرنسا وبريطانيا بعد اسقاطهما للإمبراطورية العثمانية مخططاتهما على جميع سكان هذه المناطق وكانت تلك المخططات نتاج لاتفاقيات سرية حاكاها معا حددت مستقبل تلك المناطق المنتزعة عن الإمبراطورية العثمانية ومن أوائل تلك الاتفاقيات اتفاقية سايكس n بيكو الشهيرة في 16 من أيار عام 1916م واعلان بلفور في 2 من تشرين الثاني 1917م ومؤتمر السلام في 18 كانون الثاني 1919 ومعاهدة سيفر في 10 من آب 1920 واتفاقية لوزان في 6 من آب 1924م.
وكانت رغبة الدولتين العظميين (بريطانيا وفرنسا) في السيطرة المباشرة على منطقة الشرق الادنى نتيجة لما تتمتع به هذه المنطقة من موارد طبيعية وعلى راسها النفط ولكونها من المناطق الاكثر استراتيجية في العالم وتمثل قلب مستقبل خطوط النقل البري والبحري الدوليين. وأول الاتفاقيات المبرمة بين الدولتين العظميين التي تحكمت بمستقبل الشرق الادنى كانت اتفاقية سايكس بيكو التي مهدت لتوقيعها الرسائل المتبادلة بين Paul Cambon السفير الفرنسي في لندن والسير ادوارد كري Sir Edward Grey سكرتير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني حيث إن كلا الدولتين كانتا على يقين ثابت بأفول نجم المريض الاكبر في اوروبا أي الامبراطورية العثمانية وكانت نتائج هذه الرسائل المتبادلة هو توقيع اتفاقية سايكس بيكو في 16 من أيار عام 1916م وقد وقعها من الطرف البريطاني Sir Mark Sykes ومن الطرف الفرنسي François Georges-Picot. وتلزم الاتفاقية الطرفين في تقسيم الشام وبلاد ما بين النهرين أي تقسيم المنطقة التي تنتهي حدودها في البحر الاسود والمتوسط والبحر الاحمر والمحيط الهندي وبحر قزوين الذي كان وقتها خاضعا الى الامبراطورية العثمانية أي سوريا الكبرى في خمس مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية: المنطقة الزرقاء وتضم في وقتنا الحاضر كل من لبنان وقيليقية والمنطقة العربية (A) وتضم شمال سوريا وضواحي مدينة الموصل تحت النفوذ الفرنسي والمنطقة الحمراء تحت النفوذ البريطاني وتشمل كل من الكويت وبلاد ما بين النهرين كذلك المنطقة العربية (B) وتشمل الجنوب السوري والاردن ومنطقة فلسطين التي اصبحت لاحقا تحت الانتداب البريطاني المباشر ومنطقة النفوذ الدولي وتشمل منطقة القديس جوفاني دي اكري وحيفا والقدس التي منحت فيها بريطانيا حق الرقابة المباشرة على مينائي حيفا واكري.