المخرج السينمائي العراقي سمير زيدان لـ الزمان ـ مروان ياسين الدليمي
التأويل يضفي سمات جمالية على الفيلم
كان عمره ثمانية عشر عاما ً عندما غادر العراق عام 1979حاملا ً حقيبة أحلامه على ظهره متجها الى اوربا ساعيا ً وراء تحقيقها، كان هدفه الوحيد أن يصل الى مكان ما في اوربا، حتى يتمكن من خلالها دراسة الفن السينمائي بشكل اكاديمي والتعرف عن قرب على تفاصيل الانتاج بصورته الاحترافية، وليكون ذلك فيما بعد منطلقا ً له لتحقيق ماكان يصبو اليه من احلام سينمائية، بعيداً عن نمط الانتاج الضعيف الذي كان سائدا ً في بلده العراق أو في المنطقة العربية أنذاك، فكان معهد وودج السينمائي في بولونيا محطته الاولى والاساسية لتلقّي العلوم السينمائية وهو نفس المعهد الذي كان قد تخرجت منه اسماء كبيرة ومهمة في السينما العالمية المعاصرة منها رومان بولانسكي وادريه فايدا وكيشلوفسكي . وبعد أن انهى دراسته اتجه الى النرويج ليكمل مشواره السينمائي هناك، وليصبح أحد المختصين في تدريس فن الاخراج السينمائي بمدرسة الشمال للفن التشكيلي والسينمائي، إضافة الى عمله كمخرج ومنتج . . والمخرج سمير زيدان من مواليد مدينة الموصل عام 1958 وسبق أن عمل في منتصف سبعينات القرن الماضي في مسارح الموصل قبل مغادرته لها مخرجاً وممثلا في العديد من العروض المسرحية . . وآخر انشطته كان عضواً في لجنة تحكيم الافلام الروائية القصيرة والتسجيلية في مهرجان مالمو للافلام العربية الذي اقيم هذا العام 2012 في السويد .
الزمان التقت به وحاورته عن رحلته الطويلة في مشوار الفن السينمائي وأرائه وملاحظاته حول العديد من القضايا التي تتعلق بالانتاج والفن السينمائي العالمي والعربي والعراقي .
كنز الحمراء
ما طبيعة الاعمال السينمائية التي حملت اسم سميرزيدان،والمشوارالطويل الذي قطعه من أجل أن يحتفي بحلمه السينمائي.
ما زلت اتذكر أول عرض مسرحي رأيته على خشبة النشاط المدرسي في مدينتي الموصل، كانت رحلة مدرسية لمشاهدة مسرحية كنز الحمراء وكان الفنان الراحل علي احسان الجراح يؤدي الدورالرئيسي فيها، وبعد هذه المشاهدة باتت كل حكاية أسمعها مترتبطة بعناصر التمثيل في ذهني. بعدها تعلمت اصول التمثيل ومبادئه مع زملائي نذير العزاوي وكريم جرجيس ورعد حسين من المخرج الراحل علي المهتدي في محاولة مسرحية كانت تحمل عنوان كفر قاسم لكنها لم تنجح، بعدها تعلمت الكثير عن عالم الاخراج المسرحي من استاذي المخرج المبدع راكان العلاف،ومن ثم من المخرج شفاء العمري، كذلك من زملائي الممثلين في السبعينيات، انذاك كانت مدينة الموصل زاخرة بانتاجات مسرحية تقليدية ومسرحيات تجاور التقليد منطلقة بحرية لخلق أجواء تشاغب الذهن لتجعل المتفرج يغوص بعمق في أجواء فنية تسعى لأن تلامس الطبيعة البشرية، أجدها الان بعد هذه الاعوام الطويلة التي مرت عليها أنها كانت مسرحيات تجعل المتفرج يتفاعل مع عناصر التلقي المدروس والتجريبي، والكثير من تلك العروض كانت بلا شك صادقة في اهدافها التي تهدف الى إغناء الروح، وبنفس الوقت فيها الكثير من المناطق الجمالية التي تشتغل على مفردة التأويل، وأجد فيها الان وأنا استعيدها عمقاً واتقاناً لدى عدد من مخرجي مدينتي الموصل . بصدق اقول أن خشبة المسرح انذاك كانت تتوالد فيها أجواء لم يكن لها أن تظهر لولا جرأة اولئك المخرجين القادرين على تجاوز المسرح التقليدي كالعلاف والعمري، فخوض تجربة تمثيل معهما كانت لي ولباقي العاملين في المسرح في تلك الفترة علي احسان الجراح،مروان ياسين،عبد الرزاق ابراهيم،محمد العمر،غانم العبيدي،موفق الطائي، صبحي صبري، نجم الدين عبد الله سليم، طلال الحسيني، حسين احمد، محمد المهدي، عصام عبد الرحمن، صلاح الدين الريكاني، ماجد البرزنجي، فارس جويجاتي. نزار محمد وآخرين كانت تعني فرصة للروح أن تسمو وللذوق أن يجرب نكهة أجواء ٍولحظات تتجسد في مشاهد تمنحنا فرصة لتأمل وكشف ما لا يمكن قوله إلا بالمسرح، ليس فقط سياسيا،بل على المستوى النفسي والسوسيولوجي والفلسفي، في تلك التجارب تعلمنا كيف يكون تشريح الصمت المخلوق على الخشبة، وما زلت حتى الان أغرف من تجربتي المسرحية في عملي السينمائي عندما اخرج فلماً وكذلك عندما أدرس الاخراج السينمائي لطلبتي .
أين الذاكرة الشخصية لسمير زيدان في احلامه السينمائية؟
ذاكرتي هي شخوص مدينتي بأزقتها وتقاليدها بقراها ونهرها العظيم دجلة الخالد كذلك بتجاربي الشخصية وبكل الشخوص التي مرت بي وعرفتها . ذاكرتي مازالت تنبض بكل هذا مازلت اعيش كل هذه التفاصيل، في الحقيقة أنا لدي مشاريع كبيرة لها صلة وثيقة بهذه الذاكرة الثرية، لكن التمويل دائما يقف عائقا ً امام تحقيقها .
لغة التواصل
انت الان تُدرّس الفن السينمائي في النرويج بعد أن قطعت شوطاً طويلا من الدراسة الاكاديمية لهذا الفن اضافة الى العمل .. هل تجد أن من السهولة لفنان شرقي أن يُدرِّس هذا الفن للاوربيين، ومالذي يمكن أن يضيفه لهم ؟
الصورة في الغرب لها تاريخ عريق،وهناك جمالية خاصة متأصلة في ثقافة التواصل مع الجمهور العريض عبر الصورة، هذا يبدو ظاهرا ً في منحوتات الكنائس قبل أن تدخلها، أمّا الكتابة فقد كان امرها مقتصرا ً على الطبقات العليا من المجتمع الاوروبي، بينما في ثقافتنا نحن العرب لم تكن الصورة هي لغة التواصل مع الجماهير العريضة إنما كانت الكتابة أوبالاحرى الحكاية، كما في الجامع أو في المقهى لدى الحكواتي . هذا اضافة الى أن ملوك أوروبا كانوا يقتنون الصور والتماثيل بينما الخلفاء الامويون والعباسيون كانوا يدفعون الكثير للشعراء. . طبعا عندما تقوم بتدريس الاخراج السينمائي في الغرب هذا يعني أنك قد تمكنت من إحتواء جماليات الصورة الاوربية وهرمونية ميزانسينها، ومن لغة التواصل بين البشر، بعيدا عن اختلافاتهم الثقافية فما يجمعنا نحن البشر هو أكثر بكثير مما يفرّقنا، وبأعتباري سليل ثقافات شرقية ومُعايش ٍلثقافات غربية هذا بالتالي سيجعلني أتميز بهذا الغنى عن الآخرين..الفيلم او المسرح او الفن التشكيلي يستخدِمُ لغة ًمشتركة بين البشر، لذا لا يوجد فرق كبير بين استاذ اوروبي واستاذ عراقي في هذه الناحية، لكننا نختلف بخلفياتنا الثقافية، وهنا في هذه النقطة أنا لا أعني الثقافة المستمدة من القراءات إنما أعني ثقافة العوالم المُعاشة،فأنا تربيت بثقافة مختلفة، وهي ثقافة عراقية بحتة، ولكن حتى في مدينتنا الموصل هناك عوالم ثقافية مختلفة ومتنوعة، هناك العائلة المنغلقة على نفسها التي لا يدخلها صديق، وهناك العوائل المنفتحة حيث الصديق يدخل ويخرج دون حرج، إضافة الى أن كلمة ثقافة تطلق تقريبا على كل شيء يمارسه الانسان، كثقافة المطبخ على سبيل المثال ويشمل هذا نوع الاكل، واصول ومراسيم تناوله الخ. . أما الثقافة بمفهومها الشائع أي المستمدة من الكتب وهنا أعني ثقافة الفنان بشكل عام سواء كان تشكيليا او مسرحيا او سينمائيا، فلا أجد أن هناك فرقا ً بين أوربي وعراقي سوى المشاهدات، وبما ان الفيلم إستطاع تجاوز المكان فغالبا ما تكون المشاهدات ايضا متقاربة ،أنت تعلم تماما أن الجيل الذي انتمي اليه من الفنانين المسرحيين والذي كان قد ابتدأ العمل بالمسرح في منتصف سبعينات القرن الماضي كان يقرأ ذات الكتب التي يقرأها المثقف المسرحي الاوربي، إذن نحن نمارس لغة مشتركة سواء كان الاستاذ فرنسيا أم أمريكيا أو صوماليا وسنستخدم المراجع العلمية نفسها من نصوص مسرحية ومن تقنية تمثيل ستانسلافسكية الخ.. لذا يمكنني القول لو أن اساتذتي راكان العلاف وشفاء العمري توفرت لهما الفرصة لأن يكونا في أية مدينة اوربية لما ترددت ادارة تلك المدينة في أن تخصص لكل منهما مسرحا ً خاصا ً ليعمل به ويكون تحت ادارته وتصرفه،وسيكون حولهما الكثير من الطلاب ليتعلموا منهما .
AZP09