اللعبة الخطرة 2-2
جلس الأب في ركن قصي من الحجرة تبدو عليه إمارات الذل ، مثالا للتعاسة وراح يناجي نفسه :
حينما تغلب الغريزة العقل فما أشبه سلوك الإنسان بالحيوان .. لكنها هذه السن التي تشتعل فيها النيران ليضيع معها العقل .
وها أنا أعترف بأني كنت في منأى عن هذا كله الا أن الأم كانت قريبة ومع ذلك لم تحسب حساب هذه العلاقة التي أثمرت عن كارثة ما كان يجب أن تقع لو أن عين الأم أبصرت بعقلها لترسي بذهن ابنتها مقومات حصانة تحميها من السقوط وان كانت البنت على جهل مما تفعل .. ان هذا الجهل هو الذي أوقعها في الخطأ يضاف اليه أنها في سن لا تؤهلها لمعرفة الحقيقة ، وأن هذه السن فيها من الخطورة للوقوع في أخطاء جسيمة لأن الغريزة اذا لم تكن لها ضوابط استحكمت لتسلك طريقا فيه اشباع لرغبة مجنونة تساور النفس في ساعة من ساعات ضعفها .
أقيم حفل زفاف للعروسين الصبيين وسط ذهول الحاضرين ، قال أكثر من واحد :
– يا له من مشهد نرى فيه لأول مرة صبيين يتأهلان للزواج .
– ليس العريس سوى تلميذ يأخذ مصروفه من عمه .
– انها سخرية القدر أن لا يتأهل الكثير من الرجال للزواج بينما يتأهل الصبيان له .
– أي سر وراء هذه الزيجة ؟
– ألم بجدر بهذا الأب أن ينتظر الوقت الذي يفرغ فيه الصبي من دراسته ثم ليزاول أي عمل ؟
جلس الصبي على حافة السرير آخذا بيد ابنة عمه في ليلة عرسهما قائلا :
– يا ابنة العم .. لم أكن أريد أن أضعك موضع شبهة ، ولم أكن أريد مثل هذه الزيجة المفتعلة .
– ها نحن الليلة نمارس هذه اللعبة من جديد ولكن بمراسيم وعلى علن .
– نحن لم نكن ندرك في وقتها أن ما فعلناه ليس سوى لعبة ،أن هذه اللعبة فرضت علينا الزواج قبل أوانه ، وعلى كل حال يجب أن نستسلم لهذا الواقع الذي لا مفر من مواجهته ، على أنني أعترف بأني لم أكن أريد بك سوءا ، ،سأبذل جهدي لأكون لك زوجا يرافقك في المسيرة وأن أكون أبا صالحا للطفل الذي في بطنك حينما تحين ساعة ولادته .
– غير أنه بجب ألا ننسى أن تلك اللعبة البريئة هي التي أثمرت عن خلق هذا الطفل .
– يا لها من لعبة أردنا بها أن نلهو غير أنها كانت لعبة خطرة كادت تعصف ببنيان أسرة ،
ثم أني قابلت احسان عمي بطعنات غدر ما كان يجب أن أجازيه بها ، أتعلمين أني سقطت في نظر نفسي ، أجل لست سوى وغدا لا يستحق كرم أبيك .. لقد خذلته أي خذلان ولم أعد قادرا على النظر الى وجهه .
– انه لم يكن بأيدينا ما فعلناه .. انه القدر أراد أن نظل على وصال رغم ما حدث ، أتراني
سأكون سعيدة لو اقترنت برجل غيرك ،أنا لم أعتد على فراقك يوما ، ولست قادرة أن
أمحو صفحات حلوة لسنوات خلت .
– أشاطرك الرأي فيما تقولين ، غير أني أحمل على عاتقي هموما ثقيلة لا تريد أن تغادرني
– لا تقل هذا .. وأنا حتى هذه اللحظة أرى أنها كانت لعبة بريئة أردنا بها أن نكون شخصا واحدا بدلا من اثنين .
– هم يحسبونها خطيئة ونحن نحسبها لعبة .. أترين كيف نفكر ؟ ،ها أنا أرى الآن أن تفكيرنا قاصر ليس فيه شيء من الفهم والنضوج .. ولكن ..
وضعت كفها على فمه مقاطعة وهي تهمس في أذنه :
– تعال الآن الى جانبي ولا تنغص علينا صفو ليلة عرسنا .
نظر اليها النظرة الحانية وهو يضمها الى صدره قائلا:
– غدا سنكون قد فهمنا الدرس وأن الخطأ الذي وقعنا فيه رغم مرارته هو الذي جمعنا تحت سقف حجرة واحدة وأنه لن يفصلنا عن بعض الا الموت .
– سأذكر ما حييت أن تلك اللعبة كانت أكثر من حلم لذيذ طبع بصماته على قلبين نديين يأبى القدر أن يفرقهما .
– كفانا ثرثرة فقد انتصف الليل .
– حسنا سيدي ومولاي .. ستسكت شهرزاد عن الكلام المباح .. وماذا بعد ؟
– أنت تعرفين حقا ماذا بعد .
– آه لقد نسيت ، انك تعني العودة الى تلك اللعبة .
– وهل ليلة العرس تعني غير ذلك !
ناجح صالح – كركوك