الكولونيل جيمس ستيل رجل أمريكا الغامض في العراق ــ
بي بي سي تكشف في فيلم وثائقي الدور الأمريكي في إنشاء فرق الموت الطائفية
د. أكرم عبد الرزاق المشهداني
عرضت محطة الـ بي بي سي الجمعة فيلما وثائقيا مهماً بعنوان جيمس ستيل رجل أمريكا الغامض في العراق ، يتحدث عن مرحلة ما بين الاحتلال 9»4»2003 وأيلول 2005 حين غادر العقيد ستيل العراق بعد أداء دوره الخبيث المناط به من الادارة الأمريكية وتحديداً وزارة الدفاع ومن قبل دونالد رامسفيلد. فيلم الـ BBC هو فيلم وثائقي عن تحقيق أجرته المحطة بالتعاون مع صحيفة الغارديان يكشف تورط الادارة الأمريكية تحديداً وزارة الدفاع في تأسيس وحدات شرطة خاصة مثل ألوية الذئب وغيرها تحت اشراف العقيد جيمس ستيل وبمشاركة من الخونة والعملاء العراقيين، مهمتها مواجهة المقاومة العراقية، أو ما سماه الفيلم بالتمرد السني، وانشاء مراكز اعتقال وتعذيب سرية.
فبعد عشرة أعوام من جريمة العصر التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بغزو وتدمير العراق، تحت ذرائع تكشَّفَ للقاصي والداني أنها باطلة، تتكشّف تفاصيل وخيوط المؤامرة والجريمة لتؤكد أن الحقيقة لابد أن تظهر بكل تفاصيل جوانبها حتماً، وأن الادارة الأمريكية الشريرة وتابعتها الذليلة بريطانيا لا يُمكنهما التستر للأبد على الفضائح والفظائع والأعمال الاجرامية التي ارتكبتها في العراق. يتحدث الفيلم عن شخصية العقيد جيمس ستيل الذي أوفدته وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون خبيراً أمريكياً كان له دور سابق في ما يسمى بـ الحروب القذرة في منطقة أمريكا الوسطى، كما أوكلت له مهمة الاشراف على تأسيس الوحدات الخاصة في العراق والتي أسست مراكز اعتقال وتعذيب سرية لانتزاع اعترافات من تسميهم بـ المتمردين السنة . هذا الخبير هو الكولونيل جيمس ستيل، انتدبه مجرم الحرب وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد شخصياً للمساعدة في تشكيل القوات شبه النظامية من أجل القضاء على المجموعات المتمردة.
من هو جيمس ستيل؟
فمن هو الكولونيل جيمس ستيل؟ ولماذا اختاره البنتاغون؟ وما مهمته السابقة؟ ولماذا موَّلت الادارة الأمريكية عسكرياً قوة طائفية بعينها لتصفيات طائفية؟ وقيادة فرق الموت التي ظلت أمريكا لسنوات تتملص من مسؤوليتها عنها، وتدعي أنها لا علاقة لها بها، لكن الفيلم يكشف الحقائق الدامغة وكيف أن أمريكا موَّلت فرق الموت والألوية الطائفية التابعة للشرطة الجديدة المتشكلة في ظل الاحتلال وكلفتها بالمهام القذرة، بعد أن تم حل الأجهزة السابقة، وكيف أن الكولونيل ستيل نفسه أشرف على زج ودمج ميليشيات طائفية خاصة فيلق بدر ضمن قوات الشرطة الجديدة وبالأخص ألوية الذئب وما شابهها، تحت ستار ملاحقة المتمردين السنة الذين يقاومون القوات الأمريكية.
كيف مولت الإدارة الأمريكية إنشاء قوة شرطة طائفية؟
الفيلم الوثائقي يكشف وجود صلة لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون بمراكز اعتقال وتعذيب أسست في عام 2004 يعتقد أنها كانت من الأسباب التي هيأت لحرب طائفية واسعة النطاق في العراق عامي 2005 و2006. ويوجه الفيلم الاتهام لمستشارين عسكريين لوزير الدفاع رامسفيلد بالضلوع في تعذيب المعتقلين بالعراق. المستشاران هما الكولونيل جيمس ستيل الذي أوكلت اليه مهمة تأسيس فرقة مغاوير الشرطة العراقية، والكولونيل جيمس كوفمان المستشار في مراكز الاعتقال.
فيلق بدر المَعين الأول للشرطة الجديدة
يؤكد الفيلم أن ألوية المغاوير التي شُكلت في الشرطة الجديدة، كان مَعينُها الأساس من قوات فيلق بدر التي تدفقت بالآلاف من ايران عبر الحدود تحت سمع وبصر ورضا جيش الاحتلال، الذي سمح بعبورها الحدود وبقاء تسليحها، بل والأكثر من ذلك سمح بانضمامها الى تشكيلات الشرطة الجديدة زمن حكومتي الأحتلال الأولى والثانية.
دور بعض الضباط العراقيين العملاء
يؤشر الفيلم الوثائقي بالتوثيق للدور الخبيث الذي قام به ضباط عراقيون عملاء، وبخاصة المدعو أحمد كاظم الذي كان موضع الثقة والرضا من العقيد جيمس ستيل المشرف على اعادة تشكيل الشرطة الجديدة شرطة الاحتلال . وكذلك اللواء عدنان ثابت الذي كان يترأس ألوية مغاوير الداخلية أيام الوزير صولاغ.
تاريخ الكولونيل
جيمس ستيل
يتحدث الفيلم عن اختيار رامسفيلد للعقيد ستيل لكونه برأيه من أفضل القواد الأمريكان في حربي فيتنام، والسلفادور، متخصص في مكافحة التمرد المسلح، والقيام بالمهمات الخاصة، ويحمل العديد من الأوسمة والنياشين، وقد تسبب ستيل في مقتل 75 ألف سلفادوري تمت تصفيتهم بتهمة التمرد، وكان قائد القوات الامريكية في العراق ديفيد باتريوس قد زار السلفادور قبل عدة سنوات لدراسة الحملة الأمريكية على التمرد السلفادوري، وهناك تعرَّف على الدور الذي قام به ستيل فأعجب به وكان مسرورا لانضمامه معه الى العراق للاشراف على اعادة تدريب الشرطة العراقية الجديدة بعد الاحتلال. حيث أشرف على تدريب 30 ألف شرطي جديد، بينهم أعداد كبيرة من المطرودين والمفصولين سابقا اضافة لللآف من فيلق بدر القادمين من ايران.
يتحدث الفيلم عن أن الوضع كان يميل للهدوء، حين وصل ستيل للعراق بعد الاحتلال بصفة ظاهرية هي العمل في مؤسسة الكهرباء للاعمار، ولكن المهمة الحقيقية له تكشفت فيما بعد، ولكن ما أن مرت بضعة أسابيع حتى توالت هجمات المقاومة العراقية وبدأ نقل النعوش الملفوفة بالعلم الأمريكي وهي تشحن الى الولايات المتحدة وعلى الجانب الآخر، بدأت الحرب الأمريكية على العراق تفقد شعبيتها داخل امريكا ــ وفقا لفيلم BBC الوثائقي، وهددت بعدم اعادة انتخاب بوش لولاية ثانية
جيمس ستيل ومساعده جيمس كوفمان
يتحدث الفيلم الوثائقي عن دور كل من الكولونيل جيمس ستيل ومساعده جيمس كوفمان، اللذين كانا وراء تأسيس ألوية مغاوير الشرطة التي درّبت تدريباً عسكريا وفق قواعد الاشتباك وليس وفق المفهوم الشُرَطي بقصد استخدامها في عمليات مطاردة المتمردين السنة كما أسماهم التقرير، وكان معظم عناصرها من فيلق بدر الايراني، وتحدث عن دور اللواء عدنان ثابت وهو ضابط جيش سابق يدعي أنه مضطهد من قبل صدام لأنه كان معارضاً له وأنه اشترك في محاولة انقلابية ضد النظام، وكيف تم وضع هذا اللواء على رأس قوات المغاوير كواجهة سنية، لكنه في الحقيقة كان موالياً للأمريكان وللحُكام الجدد في بغداد، وكان يؤمن بشعار مكافحة الارهاب بالارهاب، وكان يرتضي بعمليات التعذيب التي تجرى داخل معتقلات المغاوير في بغداد وسامراء، حيث احدى قواعد المغاوير في سامراء موطن عدنان ثابت، واقيمت منطقة خضراء مصغرة في سامراء بهدف ملاحقة المتمردين السنة، وتعذيب المعتقلين، وفي الفيلم اعترف عدنان ثابت المقيم حاليا بالأردن بأعمال التعذيب التي مارستها قواته مدعياً أن بعض المعتقلين من الخطرين، لا يعترفون بسهولة، كما ادعى، حين سألته الصحفية عن سبب صراخ بعض المعتقلين ليلاً الله فادعى ثابت بأن البعض منهم قد يتدروش ليلا فيصرخ هكذا.. وهو ادعاء سقيم يدل على ضحالة هذا الشخص ولتغطية اجرامه وأعماله القبيحة ضد أبناء جلدته.
ستيل لا يمتلك أية
مشاعر انسانية
وفي الفيلم أيضاً كشف اللواء منتظر السامرائي، وهو ضابط جيش سابق، عمل مع قوات الاحتلال بما سُمي اعادة انشاء الشرطة الجديدة، وعمل مع الكولونيل ستيل ووزير الداخلية باقر صولاغ، كشف أن الكولونيل ستيل لا يمتلك أية مشاعر انسانية، وأنه قد أخبر الأمريكان بوجود انتهاكات في 15 معتقل سري للداخلية، وتبين له بأن الأمريكان على معرفة وعلم واطلاع مسبق عليها، وان ستيل ذاته على معرفة بها وبمواقعها وما يجري فيها من تعذيب.
وتحدث في الفيلم موفق الربيعي الذي كان يشغل منصب مستشار الامن القومي في حكومتي الاحتلال الاولى والثانية، عن رأيه في الكولونيل ستيل، فقال إنه قابل ستيل شخصياً وتبيّن له أنه رجل غامض ، حيث حضر احدى اجتماعات هيئة الأمن الوطني وسحب كرسيا وجلس دون تقديم نفسه للحضور.
وتحدث في التقرير طبيب أمريكي يدعى نيل سميث كان يرافق القوات الامريكية في اعمالها المشتركة مع مغاوير الداخلية، ووصف رجال المغاوير بأنهم كانوا مخيفين، ومجهزين بذات تجهيزات الكوماندوز، وقال انه رافق ستيل في أنشطته ببغداد وسامراء، وكان يسمع صراخ المعتقلين ليلا من جراء التعذيب الذي يمارس ضدهم، وان الضباط الأمريكان كانوا يمنعونه من الاقتراب من عمل المغاوير، وتحدث عن كيفية قيام اللواء عدنان ثابت مع الجيش الأمريكي من تحويل المكتبة العامة في سامراء الى مركز للتحقيق، وقال إننا كنا نسمع صراخ المُعذبين طيلة الليل، وكان اللواء عدنان يبرّر لنا منظر الدماء في أروقة المكتبة العامة بسامراء، وكيف كانت هناك عمليات تعذيب بالصدمات الكهربائية والاغتصاب والاذلال، وأنه شاهد طفلا في الرابعة عشرة من عمره معلقا من رجليه ورأسه للأسفل. وقال الطبيب سميث ان القانون الدولي الانساني يفرض معاملة محترمة للسجناء والاسرى ومنع تعذيبهم، وانه اخبر ستيل بما شاهده، مؤكداً له انه لا يجوز التغاضي عن هذه الأفعال التي تنتهك حقوق الانسان، وقد اصدرت القيادة الأمريكية أمراً في حزيران 2004 بمنع عمليات التعذيب، لكن استمر الحال على ما هو عليه حيث استمر الأمريكان في تسليم من يقبضون عليهم للاشتباه بكونهم من المتمردين يسلمونهم الى قوات المغاوير العراقية، رغم علمهم ومعرفتهم المسبقة بوجود عمليات تعذيب. ويتحدث الطبيب سميث كيف أن حراس الأريغون التابعين للقيادة الأمريكية، كانوا منزعجين من أعمال التعذيب التي تجري على المعتقلين السُنة الذين تقبض عليهم القوات الأمريكية وتسلمهم للداخلية العراقية، وان هذه القوات قامت بالتفتيش ولاحظت وجود 75 معتقلا داخل غرفة صغيرة بلا طعام ولا فراش، وكثير منهم اطرافهم مكسورة وعليهم آثار صدمات كهربائية. وان ساوث هول المسؤول في قوات الأريغون الأمريكية أخبر قيادة الجيش الأمريكي بما شاهده في معتقلات ألوية وزارة الداخلية، لكن الأوامر العليا جاءته بالانسحاب فوراً، وأن ينسى تماماً كل ما شاهده.. وأكد بأن الكولونيل ستيل كان يعرف كل شئ بل ومتورطاً في الأحداث. نيويورك تايمس كشفت عن أن وثائق ويكيليكس أكدت أن ستيل هو المسؤول عن تأسيس فرق الموت ضمن مغاوير الداخلية الطائفية، وأن السفارة الأمريكية كانت لغاية 2005 تخبر المراجع العليا في الأدارة الأمريكية عما يردها من أخبار عن أعمال التعذيب والتجاوزات على حقوق الانسان، وكان نائب الرئيس تشيني يدافع بعناد عن الكولونيل ستيل ويشيد به، بالرغم من أن ستيل لديه تاريخ سابق في الكذب، اذ كذب أثناء التحقيقات معه في قضية المقدم نورث في بشأن فضيحة ايران كونترا وعن عمله في السلفادور اواسط الثمانينات، ويؤكد التقرير ان الادارة الامريكية كانت تعرف تماما حتى منتصف 2006 ما ترتكبه قوات المغاوير المرتبطة بعدنان ثابت من أعمال تعذيب أثناء التحقيق.
وتحدث التقرير عن معتقل ساحة النسور الذي كان يضم أكثر من ألف معتقل سني، على أطراف المنطقة الخضراء، وأكد أن ستيل وكوفمان كانا يذهبان مساء لزيارة المعتقل ويلتقيان بكبار المعتقلين في ساحة النسور. بل أكد الطبيب أن ستيل سمع بنفسه صراخ معتقل معلق من رجليه ورأسه للارض ولكنه اغلق الباب ومضى دون تدخل. وكشف تقرير الـ بي بي سي أن أفراد القوة الخاصة للمغاوير كذبوا أثناء التحقيقات معهم عن مصير المعتقلين، اذ تبين أن أعداد كبيرة من المعتقلين يتم قتلهم ورميهم في الشوارع ليلا، من أجل ارهاب المقاومين السنة على حد قول التقرير ، وان عدد الجثث كان وصل شهريا الى 3000 جثة. ويعرض التقرير مؤتمراً صحفيا لمجرم الحرب دونالد رامسفيلد يُكذّب فيه وجود فرق موت تنتمي لشرطة الأحتلال، وقال ليست لدي أية بيانات عن ذلك لكي أعلق على الأمر… ويكشف التقرير بأن جيمس ستيل كتب بصراحة الى رامسفيلد مؤكداً له بأن الشرطة الجديدة هي ميليشيا شيعية تستهدف المتمردين السنة وقد عرض نص التقرير في فيلم الـ BBC الوثائقي.
وتحدث في التقرير اللواء منتظر السامرائي كيف انه تقابل مع ستيل في عمان بأحد الفنادق الكبرى بناء على رغبة ستيل، الذي استوضح منه عن سبب انشقاقه وهروبه خارج العراق مع عائلته، خاصة بعد ان تناقلت وسائل الاعلام تصريحات منتظر السامرائي، وقال ان ستيل سألني عن المُعتقلات وتبين أنه يعرفها جيداً، ويعرف ان تعذيباً يجري فيها، وكان كل غرض ستيل أن يعرف ان كنت أمتلك أية وثائق تثبت دوره في العملية، خشية أن أتقدم بها لمحكمة دولية. يؤكد تقرير الـ بي بي سي أن القيادة الأمريكية على يقين بأن أعمال تعذيب واختراقات فضيعة لحقوق الانسان حصلت في العراق، بعلم ورضا القوات الأمريكية، التي هي ضالعة في تلك الانتهاكات. أما الرئيس الأمريكي اوباما فانه اكتفى بالقول لقد مررنا بفصل مظلم، ولن ننحى باللوم على الماضي .
في أيلول 2005 غادر الكولونيل ستيل العراق عائدا للولايات المتحدة الأمريكية، مخلفا وراءه حربا طائفية أهلية كان عدد ضحاياها شهريا يتجاوز الثلاثة آلاف جثة. وكشف الفيلم ان دونالد رامسفيلد رفض الاجابة عن أسئلة فريق العمل. وتبين أن رامسفيلد كَرّمَ الكولونيل ستيل بعدة أنواط عن دوره في العراق. ويكشف التقرير في نهايته كيف أن ستيل بقي يرفض اجراء أية مقابلة صحفية للحديث عن العراق، ظنا منه أن الانكار والتهرب سوف يعفيه عن مسؤوليته وباقي المجرمين عما اقترفوه بحق العراق والعراقيين من جرائم ضد الانسانية لا يمكن أن تسقط بالتقادم ولا يمكن أن يلفها النسيان.
قصتي مع جيمس ستيل
تطرق تقرير الـ بي بي سي للحديث عن دور أحمد كاظم الذي اسندت له مهمة قيادة الشرطة بعد مجيء بول بريمر والكولونيل ستيل، والأخير هو الذي قام بترقيته من عقيد ثم الى عميد فلواء وفريق خلال أقل من ثلاثة أشهر. ونصّبوه عميداً لأكاديمية الشرطة ثم وكيلاً لوزارة الداخلية وكان هو المشرف على فعاليات قوات شرطة الاحتلال في مداهمة الدور وملاحقة المقاومة العراقية بذريعة مطاردة المتمردين . ولعل كثيرون يتذكرون أن أحمد كاظم كان قد فصل من الشرطة برتبة ملازم اول حين كان معلما للفروسية بكلية الشرطة، وهو بطل فبركة التهمة الباطلة لعدد من ضباط الشرطة الوطنيين في كلية الشرطة واقناع الأمريكان بأن هناك اجتماعات تعقد في الكلية لاعادة احياء حزب البعث تهمة الخلايا النائمة وقام العقيد جيمس ستيل بنفسه بترؤس قوة مداهمة امريكية داهمت مكتب عميد كلية الشرطة ومن معه في المكتب من كبار ضباط الكلية، وتبين فيما بعد أن أحمد كاظم هو الذي نظم وحرّضَ لعملية المداهمة من خلال اقناع العقيد ستيل وبيرنارد كيريك والأمريكان بأن الأجتماع المنعقد في مكتب العميد هو لاحياء الحزب وللتخطيط لأعمال ارهابية ضد القوات الأمريكية، وتبين أن الغرض من تلفيق هذه التهمة المضحكة أمران في النفس المريضة لهذا الشخص العميل هما
1 ــ ازاحة ضباط الشرطة الذين يراهم عائقاً يحول دون اتمام تسلقه المناصب والرتب التي وعده بها الأمريكان والقيام بالدور المرسوم له.
2 ــ الانتقام من ضباط الفروسية الذين يعرفون سبب طرده من مسلك الشرطة عام 1981 لذلك قام هو بتأمين ايصال تبليغات لهم في بيوتهم للحضور الى اجتماع مهم مع عميد كلية الشرطة، لكي يتخلص منهم وينتقم منهم.
وبعد القبض على عميد كلية الشرطة ومعه 15 من الألوية والعمداء من مديري ومدرسي الكلية، ونقلهم الى معتقل المطار، صفا الجو لأحمد كاظم هذا فنال حظوته من الأمريكان وكان موضع الرعاية من الكولونيل جيمس ستيل وتابعه النقيب نعمان شبر نقيب امريكي الجنسية من أصل عراقي جاء مع قوات الاحتلال .
قصتي مع جاي غارنر
لقد كنت أنا شخصيا قابلت جاي غارنر بُعيد الغزو بناء على طلب منه بعد أن ساءت الأحوال الأمنية في الشوارع، وافتقد المواطنون الأمن وكثرت الجرائم، وسادت الفوضى، وتحدثت معه لثلاث ساعات، في قصر المؤتمرات، بحضور معاونه الأنكليزي، وأحد السياسيين العراقيين الذي تربطه صلة مصاهرة معه، وهو سعد الجنابي، وفعلاً اقتنع غارنر باعادة الشرطة العراقية السابقة الى مراكزها، لأنهم مدرّبون جيداً ولديهم خبرات متراكمة وهم محترفون لواجباتهم، وأعطاني ورقة كتبت عليها صيغة الإعلان الذي أذيع حرفياً من وسائل الاعلام وقتها، بدعوة رجال الشرطة للألتحاق بمقار عملهم ومراكزهم، وفعلا لبّى حوالي 80 من ضباط ومراتب الشرطة والتحقوا بمراكزهم رغم كونها كانت محترقة ومدمرة وأعادوها وباشروا عملهم بتسيير دوريات مشتركة لحفظ الأمن وتنظيم السير، الاّ أن اصرار سلطة الاحتلال على منع تسليح الشرطة بالكلاشنكوف والاكتفاء بالمسدسات المخفية، أدى الى افشالهم في تأدية مهامهم في مقارعة اللصوص والمجرمين الذين كانوا يمتلكون أحدث السيارات والمعدات والأسلحة.
وفي الحقيقة فان غارنر توصل الى قناعة باعادة ملاكات الدولة كافة، من درجة وكيل وزير نزولا، لتسيير أمور البلاد، وعقد اكثر من اجتماع في قصر المؤتمرات مع وكلاء الوزارات والمدراء العامين في الدولة العراقية، واقتنع بأنه الأقدر على تسيير شؤون الدولة… لكن الحقيقة تبينت فيما بعد، فلم تمض أيام على لقائنا بغارنر ولقاءاته الأخرى بالمسؤولين الاداريين، حتى صدر قرار الادارة الأمريكية باعفاء غارنر من منصبه واعادته فورا وارسال بول بريمر وبقية الشلة الاجرامية معه، وتبين أن حالة الفوضى هي حالة مقصودة ومطلوبة ضمن مخطط تدمير العراق وتفكيك دولته. حيث تلاحقت القرارات بحل الجيش العراقي وحل الشرطة والأجهزة الأمنية، وتفكيك الدولة العراقية، ومن ثم تشكيل هياكل مشبوهة بناء على أسس طائفية، وحدث ما حدث، والحمد لله الذي جنبنا شرور التعامل مع المحتلين وابعدنا عنهم وان كان بالاعتقال الظالم في معتقلات المطار والناصرية وبوكا بأم قصر حوالي شهرين بتهمة مضحكة. قبل أن يتم اعتقالنا، وحيث ان عملنا في كلية الشرطة، فقد نسب جاي غارنر معنا مجموعة من خبراء الشرطة من بريطانيا وامريكا ودول اخرى كان الهدف حسبما ابلغنا منهم هو تطوير الكلية، وتم الاتفاق على عقد اجتماع يحضره جميع اعضاء هيئة تدريس الكلية وأمراء الأجنحة يوم السبت 30»5»2003 بالعاشرة صباحاً، وعند تجمعنا فوجئنا بقوة مسلحة من الشرطة العسكرية MP بقيادة العقيد جيم ستيل ومعه النقيب نعمان شبر، وقاموا بتجميعنا في احدى قاعات العمادة، وفتشونا وسحبوا هوياتنا، ثم كتفونا واركبونا الباص الذي نقلنا الى معتقل المطار، وهناك صادروا كل ما نمتلكه من اوراق ونقود واقلام وساعات، وبقينا في المعتقل ثلاثة أسابيع نفترش الأرض بدون خيم، ونتوسد احذيتنا كوسائد، ويعطوننا طعاما لا يمكن اكله. ثم تم نقلنا الى معتقل أور بالناصرية بواسطة سيارات الزيل في قسوة الحر الشديد منتصف حزيران، وايدينا وارجلنا مكبلة بالسلاسل، ثم نقلونا الى بوكا في ام قصر وبقينا ثلاثة اسابيع ثم اعدنا الى معتقل المطار وبقينا اسبوعين فيه الى ان تم تشكيل محكمة عسكرية تبين لها كذب التهم الموجهة الينا فأطلقوا سراحنا، دون اعادة ماصادروه منا. وكانت معاملة في منتهى القسوة والشدة، واستمر التحقيق معنا في المطار وفي ام قصر جلسات عدة، وفي البداية كان يحقق معي العقيد جيمس ستيل ومعه النقيب نعمان شبر، وكان يهددني بالارسال الى غوانتانامو ان لم أعترف، فقلت له بماذا أعترف؟ وهل يعقل أن نعقد اجتماعا حزبيا في كلية الشرطة التي كانت هي أيضا مقر القيادة الامريكية ومقر قيادة العمليات المشتركة؟..لكنهم يبدو قد شربوا الكذبة الملفقة ضدنا واقتنعوا بها.. ثم حاول العقيد ستيل ارشائي بوعده لي باطلاق سراحي ان أنا أعترفت ودللتهم على أماكن تواجد المسؤولين الحزبيين، فرفضت وأنكرت معرفتي بهم.
بيرنارد كيريك رأس الفساد
الشيطان الآخر هو بيرنارد كيريك، المفتش الأقدم للشرطة العراقية بعد الاحتلال، وهو موضع حظوة واعجاب جورج بوش، وكان قائد شرطة نيويورك السابق، وله دور اثناء احداث ايلول 2001 كما أنه هو مؤسس الشرطة العراقية الجديدة، في عهد الحاكم المدني بول بريمر وقد جاء في الأخبار من واشنطن أنه، قد قبض عليه من قبل السلطات القضائية، لمواجهة تهم فيدرالية تتعلق بالفساد، حسب متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالية بعد اعترافه بتهم جزائية تتعلق بسوء التصرف المالي. وواجه كيريك لائحة جديدة من التهم من قبل هيئة موسعة من القضاة كشفت لاحقا لائحة التهم الرسمية الموجهة للمسؤول الأمني السابق الذي سبق أن أشرف لفترة على الشرطة العراقية. وقبل أن يعينه الرئيس الامريكي جورج بوش كيريك في منصب وزير الأمن الداخلي، كان قد أرسله الى العراق للاشراف على تدريب الشرطة هناك بعد الغزو الأمريكي 2003، غير أنّ كيريك غادر منصبه بعد ثلاثة أشهر فيما كانت مدة تكليفه تبلغ نصف عام، وقال المسؤولون العراقيون آنذاك انه أكمل المهمة التي جاء من أجلها. وفيما لم يتمّ حتي الساعة الكشف عن التهم الموجهة الى كيريك، لكن مصادر قالت ان التهم تتراوح بين قبول الرشوة والتهرب الضريبي.
لقد كان جي غارنر أكثر دراية ومعرفة بالشأن العراقي من خلفه بريمر، فبعد أن كان غارنر قد أصدر في 17»4»2003 أمراً بعودة جميع ضباط وأفراد الشرطة الأصليين، قام الحاكم الجديد بريمر تحت نصيحة مستشاريه الذين لايفهمون شيئا عن العراق أمثال بيرنارد كيريك وجيم ستيل وغيرهما ممن تأثروا بالعناصر الفاسدة والمرتشية وأصحاب المصالح الضيقة باصدار الأوامر بتسريح الآلاف من رجال الشرطة المهنيين المحترفين من مختلف الصنوف، تحت ذريعة التطهير، ودفع بهم الى سوح البطالة، والفاقة، دون ادراك لعواقب وتبعات هكذا اجراء تعسفي، فضلا عن خسارة أجهزة الشرطة لعناصر ذات خبرات حرفية مهنية متراكمة هي بأمسّ الحاجة اليها. وكأسلوب للتعويض السريع للنقص الهائل في أعداد الشرطة أزاء تفاقم مستويات الجريمة وأعمال العنف، لجأت سلطة الائتلاف أو مستشاروها لشؤون الشرطة بقيادة بيرنارد كيرك الى فتح الباب واسعاً دون ضوابط لدخول عشرات الألوف من المتطوّعين الجدد تحت ضغط الحاجة الماسة، دون تدقيق وتمحيص، بحيث تسلل الى الجهاز آلاف ممن لا تتوفر فيهم شروط الأنتماء لايقرأ ولا يكتب أو غير لائق صحياً ، والأدهي والأمَرّ أن من بينهم أرباب السوابق الاجرامية، هذا بالاضافة الى التغاضي عن شروط توفر المؤهلات البدنية والثقافية والأخلاقـية. وكانت الكارثة الكبرى بقرار زج المليشيات في الشرطة.
العراقيون يُشبّهون بيرنارد كيريك بقاضي هبهب
فترة بيرنارد كيريك لا تقل سوءا عن فترة بول بريمر، فكليهما ترك بصمات السوء والخراب في الادارة والتصرف، وكلما تطلع العراقيون الى واقعه السيئ، تذكروا بول بريمر وقراراته السيئة التي أوصلت البلاد الى ماهي عليه اليوم، وكذلك الحال مع بيرنارد كيريك صنو بريمر، فقد عمل كيريك في بغداد بعيد الغزو مستشارا لوزارة الداخلية العراقية لشؤون اعادة تاسيس الشرطة بعد ان قام بريمر بحل الجيش واجهزة الامن الوطني العراقية، ولم يخل عمل كيريك من الطعن بسلوكياته، فقد سمته احدى مقالات نشرت في العراق، أنه قاضي هبهب الأمريكي في بغداد. وهو مثل شعبي يستخدمه العراقيون للسخرية، ويقال ان أصله حكاية واقعية بطلها شخص عين قاضيا في مطلع القرن المنصرم، وكان يعتاش على الدعاوى بين الخصوم، ولكن بسبب ادمانه فقد قاطع سكان هبهب دار القضاء، فخرج من المحكمة الى سوق المدينة، وكل مار أو متسوق، يسأله عن هويته، وما اذا كان دائنا أو مدينا، فان لم يكن هذا ولا ذاك، قال لكاتب المحكمة، سجل لا مشكلة، يدفع غرامة درهما واحدا.
من عامل أمن خاص
الى قائد شرطة نيويورك سجل مليء بالفساد
ان مقارنة بيرنارد كيريك بـ قاضي هبهب من قبل بعض العراقيين لم تكن عبثا أو مجرد سرد طرفة، فهي ذات مغزي، وكيريك كان لفترة طويلة من الزمن صديقا مقربا جدا من عمدة نيويورك السابق رودولف جولياني الذي كان يسعى الى الوصول الى البيت الابيض. وكان بيرنارد كيريك قد أستهل حياته العملية الأمنية كعامل أمن خاص في مجال مكافحة الارهاب في المملكة العربية السعودية في الثمانينيات، ثم أنضم الى شرطة مدينة نيويورك عام 1986، ليتدرج في المناصب حتى تعيينه مفوضاً عاما لشرطة نيويورك كوميشينور في سنة 2000. ولمع نجم كيريك ابان هجمات 11 سبتمبر 2001 حيث قاد عمليات الطوارئ والانقاذ الواسعة التي أعقبت تدمير برجي مركز التجارة، وجلب الأنظار اليه الى جانب جولياني أثناء عمليات الانقاذ بعد استهداف برجي التجارة في هجمات 11 أيلول 2001 مما وضعه تحت أضواء الرأي العام الأمريكي وبدعم من جولياني، وقد سمّي الرئيس جورج بوش كيريك وزيرا للأمن الداخلي مباشرة بعد اعادة انتخابه رئيسا للبلاد عام 2004، غير أنّ كيريك اعتذر عن شغل المنصب وأمر المدعي العام في برونكس بالتحقيق في ادعاءات بكون كيريك أساء التصرف في معاملات مالية متعلقة باصلاحات شقّته في برونكس. واعترف كيريك بالتهم عام 2006 قائلا انه قبل عشرات الآلاف من الدولارات على سبيل هدايا عندما كان يعمل مسؤولا عن مؤسسات العقاب والاصلاح، مما أدى الى عقوبته بغرامة مالية بلغت 221 ألف دولار.
ما أبرز جرائم بيرنارد كيرك في العراق؟
استلم بيرنارد كيريك بعد احتلال العراق مسؤولية اعادة بناء الشرطة العراقية، ولعل أسوأ مافي مسيرة بيرنارد كيرك هي عمله في العراق بعد الاحتلال كمستشار لوزارة الداخلية منسق عام لشؤون الشرطة في عهد سيئ الذكر الحاكم الامريكي الهارب بول بريمر، حيث أسندت اليه مهمة اعادة تشكيل قوات الشرطة العراقية في زمن الاحتلال، حيث تعتبر الفترة التي أشرف فيها بيرنارد كيرك على الشرطة العراقية من أسوأ الفترات في تأريخ وزارة الداخلية العراقية والشرطة العراقية ان لم تكن أسوأها على الاطلاق، لعدة أسباب ومنها
1 ــ انتشار الفساد الاداري وأعمال التلاعب بالأموال العراقية المخصصة لتجهيز الشرطة العراقية في وقت كيريك، حيث تم استيراد قطع سلاح و عتاد و تجهيزات أمنية من دول أجنبية، وبملايين الدولارات، لايعرف شيئا عن مصيرها، منها عقد مبرم مع النمسا بمبلغ مائة مليون دولار في أول حزيران يونيو 2003 لتوريد أسلحة وتجهيزات، وعقود أخرى بملايين الدولارات مع شركات أمريكية وبريطانية لتجهيزات أمنية، وأعلن كيريك وقتها في مؤتمر صحفي أن الأسلحة والتجهيزات ستوزع على أفراد الشرطة العراقية الجديدة، وأن كل شرطي عراقي سيكون مجهزا بكل ما يحتاجه من تجهيزات في غضون 3 أشهر، ولا يعلم لحد الآن أين ذهبت تلك الأموال والتجهيزات؟.
2 ــ فيما كانت الجريمة الجنائية تتصاعد في الشارع العراقي بعد الغزو الأمريكي، ودخلت جرائم خطيرة مستحدثة، كان برنارد كيرك يكتفي بالقاء محاضرات جوفاء على ضباط الشرطة العراقية عن التعامل الديمقراطي ومكافحة الارهاب وحقوق الانسان وأدى ذلك الى بقاء رجال الشرطة الجدد عاجزين عن مقاومة الجريمة.
3 ــ أسهم كيرك في افساد جهاز الشرطة العراقية من خلال السماح بضم عناصر المليشيات الحزبية الى جهاز الشرطة، والذين يأتمرون بأوامر أحزابهم وليس بأوامر مسؤولي الشرطة، مما زاد من الفجوة بين الشرطة والشعب وبات المواطنون ينظرون للشرطة الجديدة نظرة الريبة والشك وعدم الثقة.
4 ــ كما أن كيرك وفي نطاق عمليات الترقيع لجهاز الشرطة ولمداراة عجزه، أقدم على فتح باب التطوع في الشرطة بشكل فوضوي أدى الى تطوع الألوف من أرباب السوابق ومن خريجي السجون الى جهاز الشرطة مما أدى الى زيادة الجرائم وارتكاب مجرمين بملابس الشرطة لجرائم الخطف والسطو والأتجار بالمخدرات وغيرها من الجرائم، وقد اعترف مسؤولون أمريكيون بتسلل الآلاف من أرباب السوابق الى جهاز الشرطة بسبب سياسات بيرنارد كيريك.
5 ــ قام بيرنارد كيريك بتنصيب عدد من الفاسدين والمطرودين من جهاز الشرطة لأسباب الفساد الأخلاقي والاداري و نصبهم بمواقع متقدمة في جهاز الشرطة مما أساء للجهاز وللأمن.
6 ــ بعد أن أدرك بول بريمر فشل بيرنارد كيريك الذريع في ادارة شأن الأمن العراقي، وفشله الذريع في ادارة الداخلية والشرطة، واصطدامه مع مجلس الحكم، أضطر لاعادته الى الولايات المتحدة بعد أن تم تشكيل وزارة مجلس الحكم في العراق، وبعد أن حصل تصادم في القرارات بين نوري البدران وزير الداخلية المعين من مجلس الحكم، وبين بيرنارد كيريك، مما أدى لاضطرار بريمر الى اعفاء كيريك واعادته الى نيويورك. ولحقه ايضا أحمد كاظم الذي تم منحه درجة وزير مفوض بوزارة الخارجية ونسب في مقر الوفد العراقي بالأمم المتحدة.
AZP02