الكوغر الغاضب.. لبرينو مرسييه

الكوغر الغاضب.. لبرينو مرسييه
شعر سويسري يكشف صمت الأحياء
باريس الزمان
صدرت عن دار نشر كراس المتوحد مؤخرا ترجمة عربية لديوان الشاعر السويسري برينو مرسييه تحت عنوان الكوغر الغاضب. قدم الديوان ضمن فعاليات الدورة 26 لمعرض الكتاب والنشر بجنيف والذي كان المغرب ضيف الشرف.
برينو مرسييه شاعر سويسري ولد عام 1957. يشم عوالم شعره طابع إنساني، تتوجه دعوة للتسامح والإخاء. يستثمر الشعر تقنية التصوير الفوتوغرافي؛ يتشظى الضوء داخل النص. ينفتح النص على مجال الآخر، ويتبنى رؤيته للعالم. ينتمي الشاعر إلى تلك الفئة من الكتاب الذين يؤمنون بدور الكلمة في الدفاع عن حقوق الشعوب والمضطهدين. يكتب مرسييه القصيدة الحرة بلغة شفافة مباشرة الكتابة بهذا المعنى شهادة عن الأحداث البارزة يكتب قصيدة الحدث. يقول الشاعر في وصف تجربته القصيدة هي الحياة ذاتها، تكشف القصيدة صمت الأشياء. ينكشف آنها كل ما يستره الظاهر. القصيدة وسيلة للتواصل وسفر نحو الآخر. تتماهى داخل الشعر ثقافتان أساسيتان تصطحب علامات الشرق كلمات الغرب. يشتغل النص ضمن أفق ثقافة متحولة. وقد منح ذلك التمازج الحيوي للنص إمكانات عدة لكشف ما تستره الأشياء. ينفتح الشعر على الرسم ويتداخل الهنا بالهناك. يدعونا الشاعر وكذلك الفنان كي نكتشف عبر حوار مفتوح بين ثقافتين ولغتين فنيتين تجليات الهوية والتعدد نقصد تلك النقاط الجامعة بيننا والفاعلة أيضا في تميزاتنا. يضم الكتاب قصائد شاعر ورسومات فنان تشكيلي، تجمع بينهما نظرة إنسانية للكون. تمكننا هذه النظرة من تجاوز صورة الراهن وكذا الحلم بعالم جديد.
ضياء الفتيني، فنان تشكيلي مغربي ولد بمراكش عام 1985. بدأ الرسم منذ طفولته المبكرة كان يداوم على رسم شخوص الرسوم المتحركة. تتميز أعماله الفنية بصباغتها المائية وألوانها البراقة. رسام البورتريهات والمآثر التاريخية، يعرض بشكل رسمي في جنان المنارة، السياحي. يتميز عمله الفني بطابعه الخاص، يجسد هنا باللون والخط تصورات الشاعر. والديوان من ترجمة الباحث المغربي المبارك الغروسي.
يقول الباحث والناقد الفرنسي جان فرانسوا كليمان مقدمة للديوان جاء فيها إن أول ما يقابل المرء عند قراءة أشعار قصائد الكوغر الغاضب هي تلك الصيغ التي تلعب على تلاقي الكلمات. تلك الجناسات التي تلعب دور العلامات المكلفة بإبراز الاتجاه الذي يجب قصده لمن يبتغي بناء المعنى.
يتم تقديم سبب هذا الجنون على أنه خارج عن ذات المتكلم بما أنه يعتبر متضررا ويذكر بالدور المدمر للمال ولظواهر التعرية المالية.. لكنه بالنسبة إليه كمحب للحياة وملذاتها يظل هناك أمل و حلم خلاص وهو هنا الجعة البلجيكية والمؤسسات المنتجة لها..
لكن قراءة إشارية لا تثير الانتباه إلا إلى ما هو جوهري، أما قراءة أشمل فيمكن أن تكون أكثر اقتحاما واستقصاء للنصوص. لأنه ما هو الشعر في نهاية المطاف ؟ أليس هو انتزاع الكلمات من معانيها أو من خطاباتها التي تفقدها كثيرا من قيمتها. والشاعر هو من يستجلب إكراهات عادة ما تكون غائبة في كتابة النثر.. فهنا تغيب القواعد التقليدية للنظم الشعري الفرنسي. يفلت برينو مرسييه من شبكات المفروضات الواجبة التي كانت تعرف الشعر على أنه ترابط محصور إلى حد ما بين جملة احتمالات.
يفرض الشاعر على نفسه إكراها آخر تفكيك الجملة وبترها، أو نوعا من الخروج عن القاعدة يصل حد جعل اللازم متعديا.. واعتماد الإضمار وترتيب كلمات وجمل دون ربط. وتلكم كلها أشكال تكثيف غالبا ما تتضمن مجانسات صوتية.
إذا كانت الشعرية لا تحتل إلا شطرا في الديوان فلأن الكتابة النثرية مهمة كثيرا. فبماذا تخبرنا تلك الكتابة؟ إنها تخبرنا بدوافع الرحالة والسياح، خصوصا منهم من يقصدون المغرب حيث تثبت الدراسات المتوفرة أن دوافعهم متنوعة، تزداد وتنقص سلبا وإيجابا حسب الحالات؛ منها المادية البحثة من حيث البحث عن رغد المقام بأرخص الأثمان ومنها ما يرتبط باقتفاء أثر أحاسيس وانفعالات قوية كالقطع مع المعيش اليومي والحياة العادية التي سرعان ما يتم العودة إليها بعد ابتعاد مؤقت. كما أن هناك السفر للقاء أناس آخرين ومشاهد ومناظر مغايرة بالنسبة للجوالين المتأملين، وهناك كذلك ممارسة الرياضة وبعض الأنشطة الثقافية التي تعد دافعا أيضا لبعض الممثلين المستهلكين، هي أشبه بتأمين ما هو كامل الأمان..
لكن لا تحضر أي من تلك الدوافع في هذا الديوان الذي موضوعه الرئيس هو انتظارات رحالة. والسؤال المركزي هو لماذا يهرب سويسري سعيد عاش طفولة سعيدة من خلال التلفاز نحو إيسلندا، وليبيا والعراق وهايتي، ومن خلال السفر نحو كرواتيا وفلسطين ومصر وإيطاليا .. والمغرب حيث يزور مدن طنجة وشفشاون والعرائش والبيضاء والجديدة والصويرة، ويخص كل واحدة بقصيدة .
والجواب واضح جلي لم يعد الشاعر يجد نفسه في جنة بلد طفولته فيقوم راحلا هاربا.. فسويسرا اليوم مجتمع مأزوم قاتم الأمد يعيد لعبة مأتم طائرة ولا يوجد بها غير الفارين من الكنائس الباردة الحزينة ومن أجراسها الصامتة فهذا عالم يرشح برائحة الموت. وبالتالي يقول الشاعر أريد هجر مستنقعات الأرض سجينة عقول تعبد المادة .
ولماذا التوجه بعد كرواتيا وإيطاليا نحو الشرق الجديد في فلسطين ومصر والمغرب؟ يأتي الجواب كالتالي كان الأمل يأتي من إفريقيا.. بعيدا من أكواخ الحضر القذرة. وهذا الأمل يكمن في إمكان تذوق متع يسيرة آنية من شرب لسجائر الماركيز والنرجيلة أحيانا وبعض النبيذ وكحول أقوى الويسكي ، ولقاء بعض الوجوه الأنثوية وسماع عود وسام وصوت فيروز حين لا يكون هناك صوت آذان المؤذن للصلاة…
هذا الجواب خطير لأنه إذا كان الرحالة يهرب من مدن الشمال فإن ما يجده في الجنوب هي مدن أخرى في أوج تطورها تولد محطات ركاب جديدة ومعها كما يبدو في أحد القصائد أشكال حكم متسلطة يسميها الشاعر استبداد الضفة الجنوبية متضمنة قوانين الملالي وهناك حركات احتجاج تسمى هنا أيضا ربيع العرب يمكنها أيضا البروز في هذه البيئات الجديدة لضيق العيش . هناك خطر أن يتم تحطيمه بسرعة.
/7/2012 Issue 4241 – Date 3 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4241 التاريخ 3»7»2012
AZP09